الأربعاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢

أف لها!

عيسى حموتي‎

"وقف وهو في الثانية عشرة من عمره في زاوية من الشارع مظلمة، لا لنقص في الإنارة العمومية، ولا نتيجة إهمال من المصالح العمومية، بل لما كان الحي يحفل بالأنشطة أللا مشروعة، اشترى المعنيون بالنشاط الظلمة من المشرفين على الإنارة. وقف الغلام ينتظر مترقبا وصول أخيه الأصغر، سرعان ما لاحت طلعته النحيفة وكأنه لا يتجاوز العشر سنوات، سلم في لامبالاة والألم باد على محياه.

 كم معك؟
 القليل!
 هل تريد أن يكون حظنا من العصا حظ الطبل منها يوم عيد الطبول؟

وهو يلقيى بيده في جيبه، انطلق مسرعا...توقف ودق على أحد الأبواب، وبعد برهة عاد يحمل بضاعة ملفوفة في ورق الجرائد داخل كيس بلاستيكي أسود.

في طريقهما إلى البيت يظهر الصغير منهكا لا تكاد رجلاه تقوى على حمل جسمه النحيل.. يلتفت إليه اخوه من حين لآخر، يستحثه ولما يئس من الالتماس، سأله بنبرة خشنة عن سبب ضعفه في عدم مجاراته في مشيته كالعادة.. خرج الطفل من صمته والألم يستبد بقلبه ويخنق صوته

ــ أخي، لقد تعرضت لاعتداء
 أعرفك تمام المعرفة..تبدأ المشاجرات ولا تعرف كيف تجنب نفسك شرورها!
 أخي، لا يتعلق الأمر بخصام كالعادة!
 أعرف أنك قلدت أشرار السينما، سرقت من هذا،صفر ذاك، وأحاطت بك العصابة،ضربت و ضربت،ثم أخرجت السكين...

وعاد الطفل إلى صمته تاركا أخاه يسرد عليه كل القصص التي سبق أن سمعها منه، الواقعي منها والمؤلف والجامع للحقيقة والخيال.

ما إن انعطفا في زاوية الزقاق حتى لمحا أمهما عند الباب منتظرة على عجلة من أمرها، اشتم الطفلان سوء العاقبة، حث الأكبر مشيته إلى درجة حمل معها رجليه على الركض، سلم أمه الكيس وغاب في الزقاق حيث ابتلعه الظلام...

أخذت أصوات الأطفال الصاخبة تخبو في الشارع، وخطى المارة تتلاشى إلى أن خيم الصمت... قرع الطفلان الباب وظلا ينتظران وقتا غير قصير، لا ينبسان، وهما يحترقان في جحيم عالمهما.

فُتح الباب فإذا بامرأة بدينة لا تقوى على حمل جسدها، لا لثقل وزنها فحسب، كل ما قدرت عليه هو تحريك يدها دون أن ترفعها مشيرة لهما بالدخول.مشيا خلفها، و في كل مرة تفقد توازنها وتهوي يسرعان لتداركها و مساعدتها على استعادة توازنها.دخلا الغرفة ليجدا وكالعادة رجلا شبه عار ينشر جسمه على السرير..بصوت غليظ وفي عدم اكتراث سأل:
 لمن هذه الفراخ؟

أجابت بلسان وكأنه حقن بمادة التخذير الطبي

 لا تلق بالا يا حبيبي، لا تزعج نفسك!...
 نضبت العين، ابعثيهم عند"الجراب" !(الجيم بثلاث نقط،والراء مدغمة: حامل القربة)

قبل أن يرحلا، بعثت الأصغر منهما ضفادع بطنه ناحية المطبخ، فتسلل خلسة، وعوض أن تقع يده على كسرة خبز يسد بها رمقه وقع بصره على مشهد لم يظن يوما أنه سيحدث، فالروح الطاهرة كما كان دوما يعتقد، الروح التي طالما عوضته عن حنان الأم وحنو الأب، الروح التي كثيرا ما أمدته بالعون، تخفي عن الأم الكثير من اسراره والكثير مما تعتبره الأم ذنبا أو خطيئة، هذه الأخت التي لم تتجاوز ربيعها بل خريفها الرابع عشر، عارية تماما يفترسها شيخ هرم يمسح على نهديها الصغيرين بلحيته البيضاء. أخبر أخاه الأكبر...

وجد الطفلان جسميهما يصليان زمهريرا في ليل بهيم. أشعلا نارا تنير ليلهما وتدفئ جسميهما، لكنها جرت عليهما شر وحشين خيراهما بين أمرين: أن يقتلا أو ....

وفي الصباح الباكر شوهد الطفلان في طريقهما إلى وسط المدينة. وشوهدت جثة شيخ في الجوار، يقال أن متسكعا طعنه من الخلف وهو غاد لأداء صلاة الفجر... وعند الله علم كل شيء. ولقد قيل" إذا ضعيف حاق به جور وانتقم، فالشظايا تصيب كل ما حولها، ولا ينجو من شرها شيطان."

عيسى حموتي‎

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى