الثلاثاء ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم محمود محمد أسد

ضدّ مجهول

للحبِّ نكهةُ الحنطة وطعمُها في أرضنا التي هجرْناها. وآخر قال: لبساطة الحياة وعفويتها نكهة الماء وعذوبُتها في ساقية الحقول التي أهملناها.... وزينب قالت بتأوه: للهواء في قريتنا لون السماء المزينة بالنجوم. وطعمُ العنبِ في كرومنا.... سعادُ قالت متحسِّرةً: ما زلْتُ أشتاق لصياح ديك أم حمدو في الصباح. هنا حلَّ محلّهُ بائع المازوت... اسمعوا.... في المساءِ اجتمع الجميع على مائدة متواضعة , في غرفة متواضعة تكاد تتسع لأربعة أشخاص أكلوا بصمت.. ينتابهم الملَلُ.. البابُ لم يُطرقْ منذ يومين. الضجيج يلاحقهم إلى الفراش. حلَّ محلَّ العتابا والميجانا.... في الصباحِ كلُّ واحدٍ يجأر بالشكوى والألم من الصداع.... وضيق النفس وكلّ واحدٍ يقولُ: لماذا؟ ما السبب؟ ومازال البحث مستمراً والسؤال سُجِّل ضد مجهول..

نشرُ غسيل

أديبُ المدينة الكبيرُ له كرسيٌّ في مقهى.... له ثُلَّةٌ من المريدين. يتكلم فيسكتون يدير جلسته كما يريد.... آراؤه يستعيرها الجالسون ويعرضونها في مجالس أخرى.... كبر.... خذله الزمن.... قعد في البيت.... تنافسوا على مكانه ودوره في المقهى.... بحثوا عن لقاء قديم معه أو صورة ما.... دخل المشفى.... زارَه القليل منهم.... ماتَ شيَّعَهُ أقلُّ من القليل.

في صباح اليوم التالي: لُفِّقَتْ أحاديث وأخبارٌ.... بعد أيام نشروا بعض غسيله وكشفوا المستور على مبدأ انشروا غسيل موتاكم.... في ذكرى أربعينه. كانوا يتسابقون للمشاركة في تأبينه. فعاد صديقاً وأديباً. وكان آخرَ من تحدَّثوا معه.... وكانوا أوَّل من زاروه وشيَّعوه. في آخر الصفِّ كنت أقول: لا حاجة لأجهزةٍ تكشف الكذب..

ما هو متوقع

قالت له: ابنك يتأخّرُ بشكل يوميّ. ابتسم وأبدى حركة بيده إلى الوراء. وقال: دعيه يعيش حياته. من شابه أباه فما ظلم.. هو يشبهني في بدايتي. قالت له: وعدْتني بأشياء كثيرة.... يبدو أنك قد نسيت وعدك لي بشقّةٍ فخمة تقلع عين الجيران وأختي وأختك.... ضحك من جديد.... رفع رأسه. أشار بيده إلى جيبه. وقال فُرِجَت.. جاءتْنا أكثر من صيدة.... (الله لا يقطعنا من أفضاله)، تابعت أم ظريف قولها: ابنك يأخذ السيّارة.... يقودها بجنون.... وصلتني أكثر من شكوى من الجيران وبناتهم.... أوقفه قائد دورية المرور.... هرب ثم عاد إليه. ملأ كفّهُ.... وعاد إلى جنونه, والشرطي يبتسم. قال لها: ولمَ أنت قلقة؟ المهمُّ ألاَّ يصيبَهُ مكروه. السيارة تعوّض ولها حلّ..... نرضيهم بكم ليرة.... في الساعة الثالثة ليلاً وفي اللحظة ذاتها. طُرِق البابُ بقوّة.... ورنَّ جرسُ الهاتف والجوّال ... ظريف مات بحادث سيّارة.... ارتطمت سيّارتُهُ بجدار مدرسة كتيم.... وهو في حالة سكر.... الأمُّ أغمي عليها.... الأب قال: ألم يجدْ سوى جدار المدرسة؟ عليكم أن تتصوَّروا ماذا كتب بورقة النعية....

مرسوم مطّاط

والي ولاية واق الواق أصدر قراره الذي يدعو تجار المدينة إلى تحديد فتح متاجرهم وإغلاقها.... السبب يقول: إنهم يتأخرون في فتحها إلى الظهيرة. السببُ ليسَ مهمّاً ما دامت النتيجة واحدة بنظرهم. تغيّرت حركة المدينة. المدينة تنام نوماً عميقاً حتى الظهيرة. عُمِّمَ القرار في الصحف و المجلاّت و الساحات العامة و فوق المنابر... مرّت أسابيع و أشهر و كلُّ شيءٍ على حالِهِ مسحوا الزجاج و الطاولات بالجرائد... بعد سنوات عُدِّل نظام العمل و الدوام فصار ليلاً حسب رغبة التجار.... أحدث أزمة بالكهرباء. وجدوا حلاً... و قالوا: نرفع سعر شريحة الكهرباء على المنازل فقط....

أين الغرابة؟!

بسَّامُ الوديعُ الأشقرُ أصبحَ مصدر قلق منذ صغره.... انفصل أبواه بعد معارك قضائية طاحنة. بعد فترة تزوَّجَ والده... و بعدها بقليل تزوَّجت أمُّهُ نكاية بوالده... حضنته جدّته لأمه شرعاً. رعَتْهُ رغم فقرها ، أخذته بحنانها و دفئها. كبرَ قليلاً. راحتْ تصحبه معها إلى عملها اليومي الشاق... تغسل مداخل البنايات و أدراجها... عافيتها و الحمد لله لا بأس عليها. كانت تشكو من وجع بركبتيها و معدتها حيناً ، و لكنها تكابر... من أسبوع جاءتْها الصدمة... بُلِّغتْ بقرار المحكمة و وقّعتْ عليهِ دون علمٍ به. لأنها لا تقرأ أصلاً. جاء فيه.... بناء على قرار المحكمة الشرعية الذي انعقد و بحضور القاضي. يحقُّ لجدَّة بسام لأبيه أن تحضُنَ حفيدَها. لأنَّهُ ثبت أن جدَّتهُ لأمِّهِ عاجزة و لا تستطيع الحراك... و قد حضرتْ كل جلسات المحكمة شخصيّاً و قد بلِّغتْ.... في اليوم الثاني تذكّرت أن جدّة بسام لوالده توفّيت من ثلاث سنوات..

المساواة

العصفور الجميلُ ، توقَّف عن الزقزقة و اللعب في قفصه الواسعِ الجميلِ الذي وضع على شرفة يُطلُّ منها على حديقة الأطفال. يراهم عن بعد فيزقزق لهم ، ويغنّي أعذب الأغاني ، فيفرح الأطفال و يهزجون له. يرتفع صوته من جديد. هو تعب وحزين لأن الحديقة خَلَتْ من الأطفال و تحوّلتْ إلى سوق... لكنه كان ينصت إلى حديث الزوجين. قال الزوج لزوجته: بدأت أكره عملي.. قالت له: و لمَ تكرهُهُ؟ ما شاء الله! مكتبك كبير و أنيق.. آذن – هاتف – سكرتيرة جميلة.. و لا أغار منها.. قال لها بعد تثاؤب و حركات لا إرادية: أشعر أنني عصفور في قفص.

فلا أقدر على حركة. و لا أقدر على التصرّف. و لا أملك حق القول: لا... لا.... نظرتْ زوجته و قالت له: أنا في البيت مثل هذين العصفورين ، وأشارتْ بيدها


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى