الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم رشا السرميطي

خيمة خيمة المهم في القدس

هكذا، كان عنوان العرض التِّذكاري الذي أجّج فتيل الحنين الذي لم ينطفئ يوماً في قلوبنا، شهدته خشبة المسرح الفلسطيني-الحكواتي، يوم أمس السبت، الموافق 21/01/2012. ولأنها القدس، ولأننا جميعاً أهلها المرابطين الذين لن نتخلى عنها، مهما اشتدَّت أذرع الخناق حول عنق بقائنا، سنظل صامدين على هذه الأرض المقدسة لا مؤقتين، وسنظل نقاوم لو بأضعف الإيمان صبراً على جميع ما نتعرض له من الظلم.

لقد خلَّد هذا التاريخ تذكاراً شامخاً فوق أوراقي، حيث لم أكن على موعد مسبق لهذا العرض الطلابي المسرحي الأول الذي كان بعنوان: «خيمة خيمة المهم في القدس»، لكنَّ صديقاتي فاجئنني بدعوة مسائية إلى هناك، وماكان مني إلا تلبية الدعوة محبة وثقة. كنت متأكدة بأن تلك الأصالة سوف تأخذني لمكان أعثر به على سعادتي.

فإذا بي أقابل كلمات الكاتب: محمد عليان، وألتقي به شخصياً في موعدٍ عنوانه:« الصدفة الجميلة ». لقد جسّد عليان حروفه وشكلَّها بصور قُدمت إلينا على شكل نصٍّ مسرحيٍّ، اختزل فيه كمّاً هائلاً من المعاناة الكبيرة التي يعيشها المواطن المقدسيّ، في ظلِّ زيادة ممارسات الضَّغط التي تقوم بها سلطات الإحتلال الإسرائيلي على السُّكان العرب المقدسيين، سواء بتعقيد إجراءات الحصول على الهويّة الزرقاء، وتطبيق مؤامرة إثبات المواطنة على أرض هم ملاكها الأصليين، أم برفع الضرائب وهدم المنازل، إلى جانب الإنحدار الملموس لمعظم المؤشرات الإقتصادية، وازدياد معدلات البطالة والفقر. كما ألقى الضوء على قضية تحريف المنهج الفلسطيني المعتمد في مدارسنا، وأبرز مرحلة جديدة من الحراك التهويدي الذي يبشر ببداية عهد إحتلال فكري وثقافي تبعيّ، يعمد إلى التلاعب في برمجة عقول أشبال الوطن، تطبيقاً لبنود ثانوية من مرحلة خطيرة قد نشهدها قريباً.

كما قامت فرقة الدبكة بتأدية عرض من التراث الفلسطيني على أوتار الألحان التي تنشد الحرية، فإذا بهم يتطايرون أمامنا كالفراشات العاشقات، ممَّا بدَّل خشبة المسرح الجافة إلى روض يشهد ميلاد ربيع زكيّ بصمتِ الأمهات والآباء وهدوء الحاضرين، فأخذنا جميعاً نصفق لهم بحرارة، وتحولت اللحظة الساكنة لعرس تعالت أهازيج زغاريده حتى بلغت أرواحنا عنان سماء الأمنية الأولى.

هذه ابنة فلسطين – القدس – التي جمعت فوق ترابها كباراً وعظماءً نشهد لهم بالبطولة على مرِّ الزَّمن، وخبأت تحت ترابها شهداء معطائين بلا حدود، نسأل الله قبول الجهاد منهم، واستمرت أسيرة خلف قضبان الأسر سنيناً عديدةً في الكفاح، كلنا فلسطينيون ولا يفرقنا سوى تلك الفواصل العسكرية والحدود الآيلة للسقوط باحتلال مهترئ سيزول حتماً ذات يوم، إن كنّا على أرض العزة غزة، الضفة نبض الثُّوار، أم كنّا مستبسلين على أراض يافا وحيفا وعكا ومدن الثَّمانية والأربعون.

إن ما يميِّز فلسطين تاريخياً ودينياً واجتماعياً، ذاك المزيج الغنيّ الذي جعلها مهداً للديانات، فضمت بأذرعها المسلم والمسيحي وكذا اليهودي وليس الصهيوني على وجه التحديد في موسم من الوئام.

إن كنا سنكمل الحديث عن فلسطين، لطفاً، عدلوا جلستكم، أصغوا إليّ منصتين وقاراً لأصالة التاريخ، ونبل الضيف على مجلسنا. لنبتسم ونبتسم إذا ما فكرنا بالتحدث عن أطهر أمهات الدول العربية، عن ابنة كنعان، زوجة الشهيد نضال، ذاك الشهيد المقتول برصاصات متعددة من اتفاقيات ومساومات عاصرناها، تلك الأرملة التي حفظت أرضها ومن عليها، بالرغم من نكبتها ونكستها وانتفاضاتها المتوالية حتى الآن. فلسطين؛ وكل الأبجدية لن تكفي لقولها: الوطن وبقيَّة.

يذكر أن هذا العمل الفني المحكم تم تنفيذه تحت رعاية اتحاد الطلبة المقدسيين ومسرح فناكيش و مسرح الحكواتي ، ورصد ريع هذه المسرحية لصندوق الطالب المقدسي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى