السبت ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم فايز أبو شمالة

قرع الطناجر وبح الحناجر

لست من أنصار قرع الطناجر، وأعجب من رافض للانقسام الفلسطيني يهبط بالذوق الوطني إلى حد المطالبة بقرع الطناجر! فماذا الذي جرى لكم يا رجال؟ وأين عقولكم؟ وهل شبعتم مقاومة مسلحة، ومطاردة للعدو الصهيوني من شارع إلى شارع حتى وصلتم إلى المطابخ، فاستعنتم بالطناجر؟ وهل دوت خطواتكم النضالية بالعبوات الناسفة، وأرعبتم الغاصبين، وجاء دور عزف النشيد الوطني على وقع الطناجر؟، وهل شبعتم انتفاضات شعبية ضد المحتلين، واستنزفتم اقتصاد عدوكم، وأزف الوقت للسخرية من الأعداء بقرع الطناجر؟ أم غاب عن مدارككم خطورة حشر القضية السياسية الفلسطينية في أسلوب قرع الطناجر؟

قد يقول البعض: إن قرع الطناجر يهدف إلى الطنين في أذن الطرفين الفلسطينيين المنقسمين بالتوقف عن الانقسام، وقد تقول بعض النسوة كما جاء في بيان قرع الطناجر: "إن الهدف هو تحفيز المواطنين لمواجهة انتهاكات الحريات العامة والخاصة من طرفي الانقسام في قطاع غزة والضفة الغربية، وإقناعهم بضرورة سلوكهم لخيار ثالث يحترم المرأة ويضمن حريتها، ومساواتها لأخيها الرجل في الحقوق والواجبات".

ما هذا؟ عن أي مساواة بين الرجل والمرأة تتحدثون؟ وكيف تسطحون قضية شعب اغتصب وطنه بالانقسام؟ وهل كان الانقسام سباً في ضياع فلسطين، أم جاء الانقسام نتيجة لإضاعة فلسطين؟ كيف تهربون من الأسباب التي أدت للانقسام، لتعالجوا النتائج؟ كيف لم يهدكم رشدكم إلى أن الانقسام نتيجة لمواقف سياسية، وكما يقضي واجبكم مواجهة المحتل عملياً، فإنه يفرض عليكم مجابهة المختل سياسياً، ذاك الذي أورد مصيرنا وقضيتنا هاوية الردى.

هل نسيتم المقولة المشهورة، مقولة: قل ما تشاء، وسأفعل ما أشاء؟ لقد فعلت القيادة السياسية الفلسطينية بقضيتنا ما شاءت، وبحت الحناجر، التي نادت بالوحدة، والمشاركة في القرار المصيري، بحت الحناجر قبل أن تقرع الطناجر، ويقرع الانقسام أبواب العناد، ورفض الاستماع للرأي الآخر، ورفض الاعتراف بالآخر، والإصرار على مذهب أنا السياسي الوحيد، وأنا الفلسطيني الوحيد، وأنا القضية، والشعب أنا، والحكومة حكومتي، والوطن وطني أنا، وأنا الذي قررت، وأنا الذي أرى، وسأريكم ما أرى، ولن ترون غير ما أرى، حتى ولو كنت لا أرى!.

قرع الطناجر فكرة تقوم على تحميل المسئولية لطرفي الانقسام بالتساوي، وتشجع على عودة المياه إلى مجاريها، وتدعو لتطبيب الجرح الفلسطيني سطحياً، في حين سيظل السؤال المطبوخ في الطناجر الفلسطينية: كيف سنعالج الخلل الذي أوصل قضيتنا إلى الانقسام؟ وبماذا نعاقب الجهة الفلسطينية التي أوغلت في الخطيئة حتى شجعت الآخرين على الثورة عليها والانقسام عنها؟ كيف ننبذ من حرض بممارساته المرفوضة على الانقسام؟ ولماذا لا نصرخ في وجهه: أنت الذي قسمت ساحتنا، ومزقت صفنا، وهلكت نسلنا، أنت المتهم الأول بالانقسام، ولا جدوى من قرع الطناجر في وجهك، بل يجب أن نصفع سيرتك بالناصية، ونمزق خطك السياسي بالسكاكين، ونشوي مشوارك التفاوضي على النار مباشرة، دون الاستعانة بالطناجر.

تخيلوا معي أن أحدهم أخذ الطنجرة من المطبخ، وخرج. وحين سألته زوجته: إلى أين يا زوجي البطل؟ أجاب: إلى سطح المنزل يا زوجتي، تعالي معي لنقاوم الانقسام! تعالي معي لنبني الوطن، فإذا كانت كتائب القسام تعد نفسها للمقاومة سراً، تتدرب، وتختفي بأسلحتها تحت الأرض، فأنا وأنت سنقاوم بوضوحً، ونقرع سلاح الطناجر فوق السطوح!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى