الأحد ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار مع الأكاديمي الدكتور جميل حمداوي

1- باعتباركم من الباحثين في قضايا التربية والتعليم، كيف تقيمون حصيلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟

يعلم الكل أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي اختاره المغرب مخططا مستقبليا مع بداية الألفية الثالثة، يحمل في طياته مجموعة من الشعارات القيمة، والمبادئ التربوية الجيدة، ويتضمن كذلك فلسفة نظرية رائدة بامتياز، بيد أن المشكل هو أن هذا الميثاق لم يتم تنفيذه ميدانيا، ولم يطبق في كل تفاصيله العامة، بل تم التركيز على بعض الدعامات الجزئية الثانوية والشكلية، دون أجرأة جوهر الميثاق بشكل كلي. ومن ثم، بقي الميثاق حبرا على ورق، وتعثر تطبيقه بشكل تدريجي. وقد كان في الحقيقة مصدرا من مصادر المخطط الاستعجالي الذي تبنته وزارة التربية والتعليم بالمغرب مؤخرا (2009-2012م). ويعود السبب في فشل هذا الميثاق إلى غياب إستراتيجية تنفيذية لدى الوزارة، وغياب الإمكانيات المادية والمالية لتجسيده في أرض الواقع، وغياب الكفاءات، وانعدام المقاربة الديمقراطية التشاركية، إذ تصدر القرارات التربوية والإدارية دائما من مكاتب السلطة المركزية العليا، ولا يشارك فيها المتعلمون والمدرسون بشكل حقيقي. وترتب عن كل هذا إخفاق نظرية الجودة، ونظرية الأهداف، ونظرية الكفايات، وبيداغوجيا الإدماج . وبالتالي، لم تنجح مدرسة النجاح، ولا مدرسة المشاريع المؤسساتية، ولم تفلح أيضا مدرسة الشراكة والانفتاح على المحيط الخارجي، ولم تتجسد كذلك الحياة المدرسية في مؤسساتنا التعليمية، بل أصبحت المؤسسات التربوية ثكنات "بيروقراطية" قاتلة، ومؤسسات فارغة، تؤمن بالكم على حساب الكيف.

2- مع ظهور بوادر فشل هذا الميثاق، تم وضخ مخطط استعجالي للتربية والتكوين ( 2009-2012) فما هي سياقات ظهوره، و الخطوط العريضة له؟

بعد فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ارتأت وزارة التربية الوطنية تجاوز هذا الميثاق للأخذ بسياسة المخطط الاستعجالي الذي يمتد من سنة 2009 إلى 2012م. وتتمثل الأسباب الخاصة التي كانت وراء وضع المخطط الاستعجالي الوطني في مجال التربية والتعليم في فشل الإصلاحات التعليمية السابقة، وكساد النظريات التربوية على مستوى التنظير والتطبيق، إما بسبب كونها شعارات سياسية جوفاء وفضفاضة، وإما لكونها نظريات جاهزة، يحاول المسؤولون استنباتها في تربة مغايرة للتربة التي ظهرت فيها هذه النظريات. ومن بين هذه النظريات والشعارات: مبدأ تعميم التمدرس، والدعوة إلى مجانية المدرسة، وتوحيد المدرسة المغربية، والحث على تطبيق نظرية الأهداف، والأخذ بالنظرية التداولية، والإشادة بنظرية الجودة، والدعوة إلى تمثل نظرية الشراكة، واستلهام نظرية مشروع المؤسسة، واستنبات نظرية الكفايات، وتمثل نظرية الإدماج، والالتزام - أخيرا - بخوصصة المقررات الدراسية، وتحريرها تجاريا في ضوء الانضباط بمقررات دفتر التحملات...بالإضافة إلى فشل وزارة التربية الوطنية في تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي أصبحت مقرراته منسية وحبرا على ورق، على الرغم من طموحها الكبير. ولم يتم تنفيذ معظم تعهدات الميثاق إلى حد الآن لأسباب ذاتية وموضوعية. ناهيك عن تردي المدرسة المغربية هيكليا ووظيفيا، وضعف مردوديتها الإنتاجية، وتخلف معطياتها المعرفية والديداكتيكية والبيداغوجية، وتفسخ منظومة القيم التربوية، وفشل هذه المدرسة في استقطاب التلاميذ الذين بدأوا يغادرون المدرسة العمومية نحو المدرسة الخصوصية بشكل لافت للانتباه. كما أصبحت المدرسة الخصوصية بدورها مؤسسة تجارية، ليس لها من هم سوى تحقيق المكاسب المادية، وجني الأرباح الطائلة ، وذلك على حساب الأهداف النبيلة التي يرجوها المجتمع المغربي من منظومة التربية والتعليم.زد على تلك الأسباب، ضعف المدرسة المغربية التي لم تستجب لطموحات الشعب المغربي، ولم تساير متطلبات الاقتصاد الوطني، ولم توفر أطرا مؤهلة لإرضاء سوق التشغيل، ولم تشبع رغبات التلاميذ. وبالتالي، لم يجد فيها المواطن المغربي فضاء لتوطيد الديمقراطية الحقة تعليما وتعلما واستحقاقا، ولم يجد فيها أيضا العدالة الاجتماعية المشروعة، بل صارت مدرسة للصراع الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، والتنافس غير المشروع. كما تخرج لنا هذه المدرسة كل سنة آلافا من الطلبة غير مؤهلين وظيفيا من جهة، أو مؤهلين بدبلومات نظرية لا تحتاجها السوق الوطنية من جهة أخرى.

ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء تعثر المدرسة المغربية ظاهرة الهدر المدرسي، حيث ينقطع أكثر من 380 ألف طفل عن المدرسة سنويا قبل بلوغ 15 سنة عام 2006م. أي: بنسبة تقدر بـ40٪، ويعاكس هذا الرقم فلسفة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ينص على تعميم التعليم، والقضاء على الأمية نهائيا في 2015م. في حين، ألفينا العكس هو الصحيح، فالتلاميذ يغادرون الفصول الدراسية كل عام عن إرادة شخصية، وعن اقتناع وطواعية، وأيضا بمباركة الأسرة وتشجيعها؛ لأن المدرسة المغربية لا تحقق المستقبل للمواطن المغربي بأي شكل من الأشكال. وبالتالي، لا تضمن الشغل، ولا تعطي الخبز، ولا توفر الأمان، ولا تحقق الاستقرار المادي والمعنوي. ومن هنا، فقد وجدنا المؤسسات التعليمية المغربية اليوم غاصة بالإناث على حساب الذكور، أولئك الذين بدأوا يغادرونها بحثا عن العمل، أو استعدادا للهجرة إلى الضفة الأخرى. وهذا سيترتب عنه في المستقبل- بلا ريب- أزمات خانقة، كاستفحال ظاهرة البطالة، وقلة الموارد البشرية ذات الكفاءة، وتفاقم ظاهرة العنوسة بين الإناث، وانتشار الإجرام بين الذكور.

وإلى جانب الهدر المدرسي، هناك ظاهرة خطيرة أخرى تؤثر على ميزانية الدولة ألا وهي ظاهرة التكرار، التي بدأت تزداد كل سنة بنسبة عالية (13٪ في السلك الابتدائي، و17٪ في الثانوي مع نسبة مرتفعة تتجاوز نسبة 30٪ في الثالثة إعدادي والسنة الثانية من البكالوريا) ، بينما يلاحظ أن التكرار في البلدان المتقدمة ممنوع بموجب القانون.

ومن ناحية أخرى، فهذا التكرار في الحقيقة ناتج عن تردي المنظومة التربوية عموما، تلك المنظومة التي تضم في مؤسساتها أزيد من 6ملايين و535 ألف متعلم، ناهيك عن ضعف مردودية التعليم معرفيا ومهاريا وديداكتيكيا وبيداغوجيا ونفسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وضعف التكوين عند المدرسين الذين يقدر عددهم بـ220ألف، بينما الوزارة لا تخصص لتكوينهم البيداغوجي سوى 84 مليون درهم حسب إحصائيات سنة 2007م، ويعد هذا الغلاف المالي في الواقع ضعيفا بالمقارنة مع العدد الهائل من رجال التعليم، الذين هم في حاجة ماسة إلى التكوين التربوي والتأطير المعرفي والثقافي.

ولا ننسى أيضا الوضعية المتدهورة للفضاءات التربوية والتعليمية على مستوى البنايات والتجهيزات، فالقاعات غير الصالحة تفوق تسعة آلاف قاعة. كما أن 60٪ من المدارس الموجودة بالأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، وأكثر من 75٪ من هذه المؤسسات لا ماء فيها. في حين، إن 80٪ ليس لها دورات مياه. ويلاحظ أيضا قلة المؤسسات التربوية المشيدة من قبل الدولة، فالحاجة إلى الفصول الإعدادية- مثلا - تصل إلى 260 مؤسسة سنويا، بينما لا تبني منها الدولة سوى 90 كل سنة.. أضف إلى ذلك، عدم قدرتها على استيعاب العدد الهائل من التلاميذ الذين يتزايدون كل سنة؛ مما سبب في ظاهرة الاكتظاظ الصفي (41 تلميذا في كل فصل).علاوة على ذلك، نشير إلى ظاهرة انتشار الأساتذة الأشباح الذين يتهربون من مهمة التدريس لأسباب عدة، كالتظاهر بالأمراض المزمنة، والاستفادة من العلاقات الإخوانية والزبونية المبرمة مع المسؤولين عن القطاع، وإرغام الإدارة على قبول المطالب النقابية، ونهج سياسة التفييض المقنع... كما يلاحظ أيضا استفحال ظاهرة غياب رجال التعليم بشكل مقبول أو غير مقبول، فقد أحصت الوزارة بخصوص الغياب المبرر بشواهد طبية حوالي مليون و880 ألف يوم في السنة. وبالتالي، لا يمكن أن تتحقق المردودية التعليمية والجودة التربوية بغياب الفاعلين التربويين الأساسيين.

ومن الأسباب الأخرى التي كانت وراء وضع هذا المخطط، عدم قدرة المنظومة التعليمية المغربية التعاطي مع مستجدات الثورة الإعلامية والرقمية، وغياب التكوين المستمر للمدرسين ورجال الإدارة. و لا غرو أن وزارة التربية الوطنية المغربية بدأت توظف مجموعة من المدرسين دون أن تؤهلهم تأهيلا بيداغوجيا وديداكتيكيا، أو قد تكونهم تكوينا سريعا لا يحقق النجاعة الحقيقية، ولا يعطي الثمار المرجوة داخل القسم الصفي. ولا ننسى أيضا عدم تجديد وسائل العمل الديداكتيكي والبيداغوجي داخل الفضاء المدرسي. ويمكن الإشارة كذلك إلى نقص على مستوى التأطير والإشراف، وخصاص على مستوى الأطر التربوية، سواء أكان ذلك في القطاع المدرسي أم في قطاع التعليم العالي، وذلك بعد تطبيق عملية المغادرة الطوعية سنة 2005م، وعدم انضباط رجال التعليم واحترامهم لساعات العمل، حيث إن أكثر من 37 ٪ من أساتذة التعليم الإعدادي لا يمارسون فعليا ساعات العمل المحددة في 24 ساعة في الأسبوع. أما أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، فإن 16 ٪ منهم لا يحترمون ساعات العمل المحددة في21 ساعة في الأسبوع. وهناك أيضا خصاص على مستوى رجال الإدارة، فلدى الوزارة الوصية ما يفوق 300 منصب مدير شاغر.

وعلى المستوى الجامعي، يبرز مشكل الاكتظاظ بشكل لافت للانتباه، باعتباره عائقا كبيرا، ومشكلا حادا، حيث تفوق نسبة التأطير معدل 85 طالبا لكل أستاذ جامعي، مع ملاحظة غياب التوازن بين المسالك العلمية والتكوينية والأدبية، وتفاقم ظاهرة الخصاص في الموارد البشرية.
وعلى الصعيد الخارجي والدولي، ترتب مجموعة من التقارير الدولية بلدنا المغرب ضمن الدول المتخلفة الفقيرة، التي تنتشر فيها الكثير من الآفات السلبية الخطيرة، كالفقر، والرشوة، والمتاجرة في المخدرات، وزيف الانتخابات، وانتشار الأمية، واستفحال ظاهرة الدعارة، وكثرة حوادث السير، وانعدام الديمقراطية الحقة، والاستهانة بحقوق الإنسان المشروعة الطبيعية والمكتسبة. ومن ثم، أصبح المغرب بلدا الأزمات والمفاسد والكوارث، وذلك سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتربويا وأخلاقيا. وهكذا، يتأرجح المغرب على مستوى التنمية البشرية العالمية بين الرتبتين 126 و130 . وذلك، بالنظر إلى الأوضاع المتدهورة التي يعرفها البلد على مستوى الدخل الفردي والصحة والتعليم، بالإضافة إلى أوضاع حقوقية وثقافية واجتماعية وإنسانية منحطة في مجتمع منحط بدوره. ومن ثم، فقد وضع تقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلدنا المغرب ، وذلك على صعيد التربية والتعليم، في مرتبة عربية وإسلامية متأخرة ومتخلفة (المرتبة 11 من مجموع 14 دولة). أي: قبل العراق، واليمن، والصومال الفرنسية (جيبوتي). بينما تحتل الأردن، والكويت، وتونس، ولبنان، وإيران، المراتب الأولى. في حين، تحتل مصر، وفلسطين(بما فيها غزة المحاصرة)، والجزائر، وسوريا، والسعودية، مراتب متوسطة.

3- سيدي الكريم بعد انتهاء مدة المخطط الاستعجالي، هل نجح فعلا في تحقيق أهدافه؟

يهدف المخطط الاستعجالي الذي وضعته وزارة التربية الوطنية المغربية – بصفة أساسية- إلى توفير الفضاءات الكافية لاستيعاب المتعلمين والمتمدرسين المغاربة. أي: ضمان استقرار المدرسة ، وذلك عن طريق إيجاد البنايات التعليمية بواسطة بنائها أو اقتنائها أو كرائها، مع توفير الماء والكهرباء والهاتف. ولا يتم تفويت مشاريع بناء المؤسسات التعليمية إلا عبر صفقات مضبوطة بدفاتر تحملات واضحة. ومن جهة ثانية، توفير الأساتذة الأكفاء والأطر المجتهدة المتميزة لتحقيق المردودية التعليمية. وثالثا، استقطاب جميع التلاميذ للالتحاق بالمؤسسات التعليمية، وذلك في أجواء تربوية مفعمة بالسعادة والطمأنينة والاستقرار. أي: يكون حضور التلاميذ إلى المدرسة بشكل مكثف، من أجل القضاء على الأمية، والحد من الهدر المدرسي.ويعني هذا أن المشروع الاستعجالي جاء لتحقيق أهداف جوهرية ثلاثة: إعداد المدرسة، وتكوين المدرس، وجلب التلميذ إلى المدرسة.

هذا، وقد حدد وزير التربية الوطنية أحمد أخشيشن مخططه الاستعجالي( 2009-2012م ) في أربعة مجالات أساسية، وهي:

1- مجال التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى حدود 15 سنة.

2- مجال حفز المبادرات والامتياز في الثانوية التأهيلية والجامعة.

3- مجال معالجة الإشكالات الأفقية الحاسمة للمنظومة التربوية.

4- مجال توفير الموارد اللازمة للنجاح.

وقد استهدف المخطط أيضا العمل على تنفيذ 23 مشروعا، وهي:تطوير التعليم الأولي، وتوسيع العرض التربوي للتعليم الإلزامي، وتأهيل المؤسسات التعليمية،وضمان تكافؤ فرص ولوج التعليم الإلزامي،ومحاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع عن الدراسة،وتنمية مقاربة النوع في المنظومة التربوية،وإدماج الأطفال ذوي الحاجات الخاصة،والتركيز على المعارف والكفايات الأساسية (القراءة، والكتابة، والحساب، والسلوك المدني...)، وتحسين جودة الحياة المدرسية،وإرساء مدرسة الاحترام، وتأهيل العرض التربوي في الثانوي التأهيلي (فتح مسالك وشعب جديدة، وتشجيع التميز، وتحسين العرض التربوي في التعليم العالي (تنويع التكوينات والمسالك والشهادات)، وتشجيع البحث العلمي،وتعزيز كفاءات الأطر التربوية، وتطوير آليات تتبع وتقويم الأطر التربوية،وترشيد الموارد البشرية للمنظومة وتدبيرها،واستكمال ورش تطبيق اللامركزية واللاتركيز، وترشيد هيكلة الوزارة،وتحسين المنظومة التربوية تخطيطا وتدبيرا، وتعزيز التحكم في اللغات، ووضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه، وتوفير الموارد المالية اللازمة وترشيدها، بغية إنجاح المخطط الاستعجالي، وضمان استدامته، وتحقيق أعلى مستويات التعبئة والتواصل حول المدرسة.

إلا أن هذه الأهداف العظيمة والكبرى لم تتحقق فعليا في الواقع الميداني، وأصبح هذا المخطط " الاستعجالي" ينقصه الاستعجال، ويعاني من البطء الكبير، ناهيك عن التعثر المستديم ، والبيروقراطية المترامية الأطراف، والعشوائية المرتجلة في التنفيذ والتطبيق، وكثرة الإضرابات في قطاع التعليم، كل هذا كان تعبيرا دالا عن فشل التخطيط الاستعجالي المغربي بشكل كلي في إصلاح التعليم بشكل عام، والدليل على ذلك أيضا تراجع الوزارة - مؤخرا - عن تطبيق بيداغوجيا الكفايات والإدماج، وانتشار تذمر عام لدى رجال التعليم ونسائه من سياسة القطاع المتعثرة، واستياء المواطنين من نتائج مخرجات التكوين؛ نظرا لما يتعرض له الخريجون من بطالة ، وضعف يمس التكوين والشهادة، وفشل بيداغوجية المجزوءات، وما لها من أثر سيئ على مستوى المردودية والتقويم والعطاء، وعدم قدرة الخريجين والطلبة على حد سواء على توظيف مكتساباتهم المعرفية في التأقلم مع الواقع الموضوعي، علاوة على بطء الوزارة في تطبيق مخططاتها التدريجية ، وربما قد يكون ذلك لأسباب مادية أو مالية أو إدارية أو لوجيستيكية. ونسجل كذلك وبشدة تأخير الوزارة في تنفيذ هذا المخطط في وقته المبكر(2009م). بل أكثر من ذلك لم يجد المتعلمون أماكنهم في مدارسهم. فكم من مدارس ابتدائية تحولت إلى إعداديات بسبب سياسة التقشف وضعف الميزانية! وكم من إعداديات تحولت إلى ثانويات تأهيلية! وكم من مؤسسات تربوية ليست فيها مختبرات علمية، ولاتملك ساحات لممارسة الرياضة البدنية! بل هناك مؤسسات بدون مدرسين، وأيضا بدون رجال الإدارة، وكذلك بدون بعض المواد الدراسية الضرورية. ومن ثم، ازدادت المدرسة المغربية السوء سوءا، وتدهورت الوضعية الحالية لمعظم المؤسسات التربوية العامة؛ مما جعل المواطنين المغاربة يجمعون على أن المدرسة الخصوصية أفضل بكثير من المدرسة الحكومية. لذا، يختارون لأبنائهم – اليوم- أحسن المؤسسات التعليمية الخاصة، ولو بأثمان خيالية، وكل ذلك بحثا عن الجودة، وفلسفة الإتقان، ومدرسة المستقبل.

4- فما هي – إذاً- العوائق الذاتية والموضوعية التي عرقلت المخطط الاستعجالي؟

من يتأمل بنود هذا المخطط الاستعجالي، ويتبين قراراته وأهدافه، فإنه سيحس بفخر وانتشاء، مادامت النوايا الحسنة ليس لها من هم سوى إنقاذ النظام التعليمي المغربي من أزماته الخانقة. بيد أنه بعد تدبر وتفكير عميق، سيلاحظ المتتبع للنظام التعليمي المغربي أن لهذا المخطط الاستعجالي سلبيات وإيجابيات.

فإذا كانت النقط الإيجابية من جهة تتمثل في هدف توفير البنايات والتجهيزات التعليمية، وتوفير الأطر التربوية والإدارية، واستقطاب أكبر عدد من التلاميذ، وتشجيع التميز والبحث العلمي والابتكار، وتوحيد الزي المدرسي، وتكوين رجال التربية والإدارة تكوينا جيدا في مجال الرقميات والبيداغوجيا المعاصرة، وتوزيع مليون محفظة على التلاميذ، و خلق منصب مرشد تربوي، والعمل على تفعيل استقلالية الجامعة، والأخذ بمدرسة النجاح، وتنويع المسالك والشعب في الثانوي والجامعة، من أجل الرفع من المردودية، وتحقيق التنمية المستدامة... فإنه من جهة أخرى، يلاحظ المرء بعض النقط السلبية التي نتجت عن الشروع الأولي في تنفيذ هذا المخطط الاستعجالي، كالدخول المتأخر إلى المدرسة في الموسم الدراسي (2009-2010م)، وقلة الأطر التربوية والإدارية بشكل كبير، و حذف بعض المواد التعليمية، كإلغاء مادة الترجمة في أقسام الجذوع المشتركة، وإلغاء نظام التفويج في ما يخص المواد العلمية، وحذف بعض الدروس المهمة، كدروس قواعد اللغة العربية في الإعدادي والثانوي، وتقليص ساعات بعض المواد، وتراجع مستوى الجامعة بصفة خطيرة، وغياب البحث العلمي بشكل كلي، وتراجع قيمة شهادة الإجازة والدكتوراه الوطنية، وإحساس أساتذة القطاع المدرسي، ولاسيما الحاصلين على شهادة دكتوراه الدولة والدكتوراه الوطنية، بالحيف والظلم ماديا ومعنويا، بالمقارنة مع إخوانهم في التعليم العالي في الجامعة أو مراكز تكوين الأطر، وعدم مواكبة المقررات الدراسية لما يستجد من أفكار، ونظريات، وتصورات، ومناهج، وتقنيات، في الساحة المعرفية والعلمية والثقافية والأدبية...

والأغرب من كل هذا أن المسؤولين عن قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل الناجع لإصلاح التعليم. أي: ليست لديهم أي رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه. وفي هذا السياق، يقول وزير التربية الوطنية السيد أحمد أخشيشن:" فالذي اشتغلنا عليه نحن الآن هو إرساء تصور مغربي متأصل وحديث ليقدم إجابة عن سؤال ماذا نريد من التعليم. وماهي الصورة التي نريد أن نرى عليها أبناؤنا مستقبلا: هل امتلاك مهارات أم تعود على أجواء المدرسة أم تعلم القراءة والكتابة. وعندما نجيب عن هذا السؤال بدقة، سيصبح هو الضابط الذي على أساسه يصبح أي شخص يريد أن يقدم على مشروع في هذا الإطار يشتغل فيه."
وعلى وجه العموم، لا يمكن للتعليم المغربي أن يحقق النجاح في مجال التربية والتعليم إلا بتطبيق الديمقراطية الحقيقية، بدلا من الاحتكام إلى سياسة الأهواء والأمزجة، ولابد أيضا من تحقيق العدالة الاجتماعية، وتطبيق مواثيق حقوق الإنسان، والاهتمام بالكفاءات العلمية المهمشة، وتطبيق المقاربة الإبداعية في مجال البيداغوجيا والديداكتيك، والرفع من مستوى التعليم العالي، والسمو بقيمة الشهادات العلمية، وإسناد المناصب العليا إلى الذين يستحقونها في مجال التربية والتعليم عن جدارة علمية، دون اللجوء إلى توظيف أطر ضعيفة مهزوزة، عبر طرائق غير مشروعة معروفة للداني والقاصي...

هذا، ولا يمكن تنفيذ المخطط الاستعجالي المغربي في ميدان التربية والتعليم إلا بتضافر كل الجهود قاطبة، إذ ينبغي أن ينخرط فيه جميع الفاعلين، كجمعيات الآباء، والجمعيات المدنية، والأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية، ورجال السلطة، والفاعلين التربويين والإداريين، وقطاع الحكومة. ولا يتحقق هذا الإصلاح الاستعجالي أيضا إلا بالحوار البناء ، والمشاركة الهادفة، وتوفير الموارد البشرية، وتحصيل الإمكانيات المالية والمادية، وتطبيق النظرية الإبداعية، وتخليق الإدارة، وتحفيز المربي والإداري على حد سواء، وتشجيع المفتش المشرف والمربي التربوي ماديا ومعنويا، والإنصات إلى الأساتذة الأكفاء، والأخذ بقراراتهم في مجال التربية والتعليم. بل يمكن القول: إن إصلاح المدرسة في الحقيقة ينبغي أن تتكلف به الجماعات المحلية والسلطات الإقليمية والجهوية كما هو معروف في الدول المتقدمة.

ويمكن القول في الأخير: إن أي مخطط استعجالي إذا لم ترافقه النية الحسنة، وإذا لم يواكبه الاجتهاد، والاستمرار، والتنفيذ الفعلي، والتطبيق الإجرائي الفوري، والتقويم الموضوعي، سيبقى حبرا على ورق يتأرجح بين شعارات سياسية جوفاء، وأحلام وردية بعيدة عن الواقع.

5- سيدي الكريم، هناك من الباحثين من يذهب إلى أن أزماتنا التعليمية والتربوية تكمن في البرامج والمناهج، هل تتفق مع هذا الطرح؟

لا أتفق مع هذا الطرح، فالمشكلة ليست مشكلة البرامج والمناهج، ولكن هي مشكلة النية، والعمل، والتنفيذ، واتخاذ القرارات الصائبة، وذلك في إطار مقاربة تشاركية هادفة. بمعنى أن المسؤولين عن القطاع لا يدركون بشكل جيد فلسفة التربية والتعليم. كما أن الدولة لاتملك مشاريع وطنية أو قومية تعمل من أجل تحقيقها، فغاية الدولة من التعليم هو الحفاظ على القيم نفسها التي تبتغيها السلطة الحاكمة، مع تكوين مواطن صالح حسب فلسفتها وأهوائها. والآتي، أن الدولة لا تملك نية صادقة في تطوير البحث العلمي أو خدمة التعليم، والدليل على ذلك أن الجامعة المغربية أصبحت عقيمة، لا تستطيع أن تنتج العلم والمعرفة بالشكل المطلوب. كما أن الدولة- من جهة أخرى، لا تهتم بالثقافة والفن، ولاتملك مختبرات ومحترفات للتجريب والإبداع. ومن ثم، فالمغرب بلد استهلاكي بامتياز، لا يعنى بالإنتاج والاختراع والإبداع. وبالتالي، فإن كان هناك في بعض الأحيان إبداع ما، فهو في الحقيقة إبداع فردي، وليس إبداع مؤسسات رسمية أو شبه رسمية. وباختصار، هناك أزمة فلسفة، وأزمة إنسان، وأزمة أخلاق، وأزمة نظام سياسي لا يتماشى مع التقدم، والإبداع، والبحث العلمي، مادامت الديمقراطية الحقيقية غائبة ومنعدمة، ومادامت الكفاءة من جهة، والعدالة من جهة أخرى، مغيبتان بشكل عام عن مؤسساتنا العلمية والأكاديمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

6- عرفت المدرسة المغربية تجريب الكثير من البيداغوجيات، من بينها: بيداغوجيا الأهداف، وبيداغوجيا الكفايات، ثم أخيرا بيداغوجيا الإدماج، فلماذا هذا التخبط البيداغوجي؟

جرب المغرب عدة نظريات تربوية منذ استقلاله سنة 1956م، كنظرية الوحدة والفروع، ونظريات التربية الحديثة، ونظرية الأهداف السلوكية، ونظرية الكفايات، وبيداغوجيا المجزوءات، ومازال البحث مستمرا لإيجاد نظريات تعليمية أخرى موجودة في الساحة التربوية الغربية من أجل تجريبها في مدارسنا ومؤسساتنا الوطنية، قصد تطبيقها وممارستها وتجريبها، رغبة في التحقق من نجاعتها وفعاليتها. والهدف من هذا البحث عن المستجدات التربوية النظرية والإجرائية هو تجديد الوضع البيداغوجي والديداكتيكي، وإيجاد الحلول الممكنة للمشاكل التي يتخبط فيها تعليمنا من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي، والذي أصبح يخرج أفواجا كثيرة من الطلبة الحاصلين على الشواهد العليا ، لكن بدون قيمة، ولا جدوى، إذ سرعان ما يجدون أنفسهم بعد التخرج عاطلين وبطالين، بدون عمل، وبدون كفاءة وظيفية تساعدهم على تدبير شؤون حياتهم ، على الرغم من حاجة المجتمع الماسة إليهم.وهذا ما دفع المغرب إلى استيراد النظريات التربوية الغربية التي وضعت وبلورت في سياق غربي، بغية تكييفها مع الأوضاع الداخلية، واستنباتها بشكل تعسفي، لا يراعي خصوصياته، ويحاول زرعها في تربة تأبى الاستجابة؛ نظرا لاختلاف بيئة المصدر والمستورد الذي يرى في هذه النظرية المستنبتة حلا سحريا لإنقاذ الوضع التعليمي المتدهور. وبمعنى آخر، يعبر هذا التخبط النظري عن فشل المسؤولين في مجال التربية والتعليم، وعجزهم عن حل مشاكل هذا القطاع المهم والحيوي. في حين، يتم حل مشاكل التربية والتعليم في ضوء رؤية نسقية متكاملة ، وذلك عن طريق تفعيل الديمقراطية الحقيقية في الواقع معايشة وممارسة، والأخذ بمبدإ الكفاءة في إسناد الوظائف والمناصب الحساسة، وتمثل البيداغوجيا الإبداعية، والاهتمام بالقيم والتربية، قبل الاهتمام بالتعليم والتدريس.

7- سيدي الكريم، هناك نقاش حاد بين منظري مدرسة النجاح ومنظري مدرسة المستقبل، فإلى أي مقاربة تميلون؟

أنا لا أميل إلى مدرسة النجاح ولا إلى مدرسة المستقبل كما في الأدبيات التربوية الموجودة، بل أميل شخصيا إلى مدرسة الإبداع أو إلى البيداغوجيا الإبداعية، وتعني نظريا أن يكون المتعلم أو المتمدرس مبدعا قادرا على التأليف، والإنتاج، ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة؛ بما اكتسبه من تعلمات وخبرات معرفية ومنهجية. وتتمظهر الإبداعية في الاختراع، والاكتشاف، وتركيب ماهو آلي وتقني، وتطوير ماهو موجود ومستورد من الأشياء، وإخراجها في حلة جديدة، وبطريقة أكثر إتقانا وجودة. ولابد أن يكون ماهو مطور قائما على البساطة، والمرونة، والفعالية التقنية والإلكترونية، وسهولة الاستعمال.

ومن جهة أخرى، تستند الإبداعية إلى الذكاء، وامتلاك الكفاءة، واستضمار القدرات الذاتية التعلمية في مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي، عن طريق تشغيل ما درسه المتعلم، واستوعبه في السنة الدراسية أو عبر امتداد الأسلاك الدراسية ، وذلك في التكيف مع الواقع الموضوعي، والتأقلم معه إما محافظة وإما تغييرا.

وقد تعتمد الإبداعية على تحليل النصوص، وتشريحها، وتأويلها، والقدرة على استنباط معانيها السطحية والثاوية في العمق. وقد تتجاوز الإبداعية هذا المفهوم التحليلي النصي إلى تقديم تصورات فكرية نسقية جديدة حول الإنسان والمعرفة والكون والقيم، تضاف إلى الأفكار الفلسفية الموجودة في الساحة الثقافية.ويمكن أن تكون الإبداعية هي تجريب نظريات وفرضيات علمية جديدة، والإدلاء بأطروحات منهجية ومعرفية تسعف الإنسان أو الدولة على استثمارها للصالح العام.ويمكن أن تكون الإبداعية في مجال الفن هو رسم لوحات تشكيلية، ونحت مشخصات، تنم عن تصورات وأفكار حديثة، أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثير من الإضافات الفنية الجديدة تجريبا وإبداعا وتأصيلا.

ومن هنا، فالإبداعية نظرية تربوية تهدف إلى تربية التلميذ إبداعيا، وتعويده على الخلق، والإنتاج، والإبداع، والابتكار، والاختراع، والتجديد، والتطوير، والتركيب، والتأليف، وذلك بعد عمليات التدريب والتمرين والمحاكاة، وتمثل المعارف السابقة المخزنة في الذاكرة ، وتفتيقها أثناء مواجهة الوضعيات الجديدة في الواقع الميداني والنظري والافتراضي.

هذا، وتتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات ، ومن أهمها: السعي الدائم وراء التحديث والتجديد، وتفادي التكرار الممل، والابتعاد عن الاجترار السائب، واستنساخ ماهو موجود سلفا ، وتجنب أوهام الحداثة الأدونيسية، واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة، تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية. ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي، وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهية أو المؤسساتية، ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها. ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد، وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛ لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية ضد أنظمة التسلط والقهر.ولا يمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبير لفلسفة التخطيط ، والتدبير، والتقويم، والبناء، وإعادة البناء، والاختراع، والاكتشاف، وتطوير القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات.

ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودة الحقيقية كما وكيفا، والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن والمجتمع بصفة عامة. ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لماهو إبداعي؛ لأن الإسلام حث على إتقان العمل، وحرم الغش والربح الحرام.ولابد من ضبط النفس أثناء التجريب والاختبار، وتنفيذ المشاريع العلمية والتقنية، والتروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية، والاشتغال في فريق تربوي، والانفتاح على المحيط العالمي قصد الاستفادة من تجارب الآخرين، والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان. ومن هنا، لابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه، وفي خدمة التنمية المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية.

وترفض النظرية الإبداعية التقليد والمحاكاة العمياء، والاتكال على الآخرين، واستيراد كل ماهو جاهز، واستبدال كل ذلك بالتخطيط المعقلن، وإنتاج الأفكار والنظريات عن طريق التفكير في الحاضر والمستقبل، وتمثل التوجهات البرگماتية العملية المفيدة، ولكن بشرط تخليقها لمصلحة الإنسان بصفة عامة.هذا، وينبغي أن ينصب الإبداع على ما هو أدبي، وفني، وفكري، وعلمي، وتقني، ومهني، وصناعي، وذلك في إطار نسق منسجم ومتناغم، لتحقيق التنمية الحقيقية، وتحصيل التقدم والازدهار النافع لوطننا وأمتنا.

ومن المعلوم أن الدول الغربية لم تتقدم إلا بتشجيع الحريات الخاصة والعامة، وإرساء الديمقراطية الحقيقية، وتشجيع العمل الهادف، وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا. ومن ثم، تعتمد النظرية الإبداعية على فكرة التشجيع والتحفيز، وتقديم المكافآت المادية والرمزية، وتعد هذه الفكرة من أهم مقومات البيداغوجيا العملية الحقيقية، ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف والاختراع.

هذا، ولتحقيق البيداغوجيا الإبداعية، لابد من المرور بمراحل أساسية، وذلك حسب مسار التعلم، وتعاقب أسلاك المدرسة من المستوى الابتدائي حتى المستوى الجامعي. وتبدأ البيداغوجيا الإبداعية منهجيا بالتقليد والمحاكاة والتدريب والتمرين، وتمثل ماهو جاهز سلفا في الأسلاك الدراسية الأولى بشكل مؤقت، لننتقل- بعد ذلك- إلى مرحلة التركيب، وإعادة الإنتاج والتوليد والتجريب في الأسلاك الدراسية المتوالية، لننتقل - في الأخير- إلى مرحلة الإبداع والخلق والتجديد والتحديث والانزياح، والاستقلال بتصورات ومشاريع علمية وتقنية وفنية وأدبية جديدة، لها مواصفات الملكية القانونية والإبداعية. وتنتهي هذه المراحل بالتطبيق، وإنجاز المشاريع الإبداعية إجرائيا وواقعيا في الميدان، وربط ماهو نظري بالممارسة والتطبيق الفوري.
وعليه، تعتمد البيداغوجيا الإبداعية على المراحل التالية:

1- مرحلة التقليد والمحاكاة والتدريب؛

2- مرحلة التجريب والتركيب وإعادة البناء؛

3- مرحلة الخلق والإبداع والتجديد والتحديث؛

4- مرحلة التطبيق والإنجاز والممارسة الميدانية.

وعليه، تستلزم البيداغوجيا الإبداعية، أثناء وضع المقررات والمناهج والبرامج الدراسية، أن تحترم هذه المراحل والخطوات البيداغوجية والديداكتيكية. ولابد كذلك من تمثل مبادئ الحياة المدرسية، وإيقاع التنشيط المدرسي، وتغيير استعمالات الزمن لتواكب هذه النظرية، وتأهيل الأطر التربوية والإدارية وأطر الإشراف لتكون في مستوى هذه النظرية البيداغوجية الجديدة.
وننبه المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم أن هذه النظرية لا يمكن أن تنجح إلا إذا شيدت مدارس الورشات والمختبرات والمحترفات. أي: لابد أن تكون المدرسة نظرية وتطبيقية، تجمع بين ماهو نظري وماهو مهني وعملي، وتكون بمثابة ورشة تقنية، ومختبر علمي، وقاعة للفنون والآداب، ومتحف لعرض المنتجات الفنية، ومسبح لتعلم السباحة ، وقاعة للرياضة البدنية لخلق أجيال رياضية، تساهم في رفع راية الوطن في أعالي السماء.

ومن هنا، فلابد أن يكون الإبداع شاملا ومترابطا ومتناسقا، ولابد أيضا من بناء مؤسسات تربوية خاصة بالمتفوقين والأذكياء والعباقرة، كما هو الشأن في الدول الغربية بصفة عامة، وفي روسيا بصفة خاصة، نظرا لما لهؤلاء من قدرات خارقة يمكن استغلالها في اختراع الأسلحة المتطورة، وإنتاج النظريات العلمية والأدبية والتقنية من أجل تحقيق التقدم والازدهار.وينبغي أن تكون المقررات الدراسية عبارة عن وضعيات مقلقة وصعبة، ذات مصداقية عملية وعلمية وواقعية، وذات أهداف مفيدة ونافعة في الحاضر والمستقبل.

8- مدرسة اليوم، ليست مدرسة الأمس، لكونها أصبحت ممأسسة على مجموعة من القيم المتمثلة في النجاعة والجودة وفق حكامة محكمة ؛ ما هو تصوركم العام لتحقيق هذه المقاصد في ظل عالم أصبح يوصف بقرية صغيرة ومحتكم لمنافسة؟

من الأكيد أن المدرسة المغربية بظروفها الحالية، وأوضاعها المتردية، وواقعها المحبط، لا يمكن أن تفرض نفسها في عالم اليوم، الذي يتسم بالمنافسة الحادة، والصراع الشرس بين مجموعة من الأقطاب الاقتصادية الكبرى (الصين، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والبرازيل، والتنينات الأربعة...). تلك المنافسة القائمة على العلم والثقافة، وإنتاج المعلومات وتسويقها، وتمثل التكنولوجيا المعاصرة في كل مستوياتها ومجالاتها المتنوعة.ومن ثم، لابد للمدرسة المغربية أن تنمو في محيط إبداعي يؤمن بالحرية، والديمقراطية، والجودة، والإنتاجية، واعتماد معايير الإنتاجية، والإتقان، والحداثة، والتميز، والاختراع، والابتكار، وإنتاج النظريات في مختلف مجالاتها المعرفية والعلمية. ويعني هذا الابتعاد عن مدرسة الثكنة المستبدة، واستبدال مدارسنا بمدارس التنشيط الثقافي والعلمي والفني، وتمثل مبادئ الحياة المدرسية، والأخذ بفلسفة الشراكة في تطبيق مشاريع المؤسسة، وتطبيق اللاتوجيهية في التدريس والتوجيه والتعليم ، والأخذ ببيداغوجيا الإبداع فلسفة وطريقة ورؤية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى