الأحد ٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم عيسى حموتي أور

مصيــــــر

ركبنا..أو بالأحرى وجدنا أنفسنا راكبين، كلنا، نحن سكان الأرض وبدون استثناء، في رحلة الحياة بكل الفصول،. وعدونا بخير المصير، ركبنا ونحن نتعلم أن قُطره بطول الأرض وبعرضها، أوهمونا بحركته، لما قالوا، وفق حركة عقارب الساعة، والساعة كانت قد توقفت. وقرأوا على مسامعنا النشرات، سمعنا عن المساواة والحقوق المشتركة والحياة المشاعة والآمال المشروعة والأحلام المطواعة مع استدراكات من حين لآخر،من جد وجد،ومن لا يزرع منهم،حصد. بل له يزرع وله يحصد كل ما زرع.ودفعنا ضريبة المواطنة بل فرضت جباية الدماء محاربة للإرهابات المختلقة.ندفع، نسدد الفواتير رعبا وقلقا، وصبرا ويدفع أكثر، ويبذل أكثر من عن له أن يرفع رأسه أو سوطه. يحظ بقدر ما بذل.

ركبنا وما دلونا على سائق أو طيار أو ربان،تعدد أمراء المركبة.ولا أمير لها. قد يقاد الصحن من طرفهم كلهم.وهل إلى مرفئها وصلت سفينة يقودها أكثر من ربان؟ وقد يقاد آليا بغير خارطة طريق وهم منشغلون عنا وبنا على طاولات القمار:

ــ أراهن بقطعة إفريقية

ــ أزيد عليك وأراهن بقطعة شرق-أوسطية

ــ هل تصلح قطعة من العالم الإسلامي للمراهنة؟

ــ أية قطعة تقصد ؟... دعك منها..إنها قطعة تستفيد منها كل الجماعة، وفي المقابل نحن نحميها من الإسلام

ــ ما رأيك أن نراهن بالأعراض

ــ ليس قبل أن أتذوق طعمها

ــ كم من الوقت تحتاج ؟...

لم يتحرك الصحن بعد أخذت الحرارة تملأ المقصورات هرول الناس في اتجاه الحجرات ذات التكييف الهوائي فكانت مغلقة،بل موصدة. ازدحم الناس في هذا الجحيم. والعرق يتصبب، والناس يموتون، بالمئات بالآلاف والمنافذ موصدة بإحكام. والآلات النارية لا توقف ضخ النار.قال قائل إن محور الصحن أحمر متوهج، كله متفجرات.وفتيلها قاب قوسين أو أدنى من التيار الكهربائي.

حركة الناس عموما عادية اللهم بعض الأصوات الشاردة تصطدم بآذان مقفلة أو لا طبلة لها... ترى الناس منهم من يتألم ويبكي، ومنهم من يضحك ملء فيه، ومنهم من في غفلته يلهو لا يعير اهتماما لما يجري من حوله. والمقصورات المكيفة المغلقة تحوي إنسانا من طينة أخرى، نسيج وحده منشغلا بالقمار والمقامرة، ليس بين أيديهم أوراق مالية، بل كانوا يتخذون منا موضوع مقامرتهم.

طرق سمعي صراخ أحدهم وقد" تمرفز"إنه "راكادوكا"

ــ ما الذي حل بي يا إلاهي،ما الذي حل بي كيف ..؟!!!

ــ أو لم تسمع؟ قبل قليل سمعت عبر جهاز تكبير الصوت أنك أصبحت أوروبيا ولقد غبطتك على انتمائك الجديد

ــ رباه فعلا، لقد ابيض لون وجهي و كفي. ولما لم تنبهني يا صديقي في عدم الانحياز؟

ــ و ما الفائدة، سواء نبهتك أم لم أفعل،ليس لدينا قدرة الفاعلية، في تقرير المصير.. على كل حال لونك سيتغير مرات ومرات حتى إذا لم يغيروه، حولته أنت، لتتنكر لذاتك ولبني بجدتك..سنة وبدعة..

ولما تفحص لونه الأسود وشفتيه الغليظتين المتدليتين وجد نفسه بعينبن زرقاوين، كم حلم بهذا الشكل، سيتزلف إلى مالك رقه ليبقيه على حاله الجديد، و يطلب منه أن لا يفعل مع إخوته في النفاق لكي لا ينافسونه.

ليس الوحيد الذي يبغي هذا. وترى في لحظة قصيرة ألوان الوجوه تتغير وتتغير مرات ومرات والألوان لم تعد ألوانا والناس لم يعودوا أناسا. تساءل الناس عما يحدث من حولهم، ولأبواق تردد "العولمة" "العولمة" "" الديموقراطية " التنمبةا"الأسلحة النووية" الإرهاب"
الشبكات..."الأقمار " الأورنيوم" البترول"...اختلطت الألوان فينا حتى أصبح المرء الواحد بألوان لا تحصى أو بعبارة أصح لا تستقر على حال. وإذا سئل عن لونه عجز عن تحديده. بعد لحظات سمع صوت من المكبرات: رجاء لا تنزعجوا من تغير ألوانكم، يقول من هم في المقصورات صبرا إن هذه الألوان سرعان ما تحول وتختلط فيما بينها لتعطي لونا واحدا فلا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون..

صوت من مقصورة التكييف دغدغ الآذان حمل معه نسمة برودة أسرت القلوب، يخبو لفترة طويلة ويعود للحظة قصيرة ترى الأعناق تشرئب والخياشيم تتسع حتى تشفط أكبر كمية ممكنة من البرودة تخزنها وتدخرها ليوم الانفجار.انطلقت المركبة والقلوب الحية واجفة، والبال مشنغل بمستقبل المركبة تحمل على متنها البشرية.

صاح عبد السلام الأخضر:

ــ ما مصير هذا الجنس؟ لم يراد انقراضه؟ ما المصحلة من وراء ذلك ؟ومن صاحب هذه المصلحة؟ أهو من هذا الجنس أم هو جسم غريب ينتحل شخصية الإنس؟ لا يمكن أن يكون غريبا وحتى إذا كان كذلك فمن يتواطئ معه من بني كوكبنا؟

ــ من بعيد وصل صوت الأقزام:

ــ إلى أين يسار بنا؟ متى سيندلع الجحيم؟ أتكون فكرة هتلر حية؟

في الفضاء أخذ الجميع يشعر بالتعب والإرهاق خف السمع وهفت البصر وكأن الناس تعرضت لتخذير طبي،وأنا أنظر حوالي ببطء يشبه ما نراه على التلفزيون من حركات بطيئة حتى تنجلي الصورة. فإذا الحياة تسير نحو الزوال...

أخذت المركبات تنفصل عن الصحن الواحدة تلو الأخرى تحوم، وتحوم ثم تنطلق عائدة من حيث صعدت.أما المركبة الأم ألمركبة العملاقة فآليا تواصل شق الفضاء. إلى حيث لا هواء لا تنفس لاحياة.. وأنا الآن في غيبوبة أحاول قدر الإمكان موافاة التاريخ بهذا التقرير. قد يفيد يوما في تقويم ما ينحله تزوير التاريخ. ففي الفضاء البعيد حيث تنعدم شروط الحياة، انفصلت المراكب عن بعضها، لتعود مركبة المقامرين أدراجها، وقد تخلصوا من سقط المتاع الذين طالما عكروا صفو حياتهم وزاحموهم على الخيرات والماء والهواء

الإمضاء: سلم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى