الاثنين ٣٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم عبد الرحمن مصطفى حسن

ليالي اليأس

ليالي اليأس قاتلة.. تتباطأ فيها خطى الزمن، لا عن عجز أو كسل، بل لإحراج روح الأمل.

يتكرر المشهد كل ليلة.. إحساس بالضياع.. خسارة في الوقت.. أقوم لأطل من نافذتي فأجد شارعا صامتا كالموتى، وسيارات متراصة كقطع الدومينو، رجلا يكتم أنفاسه رهبة من كلاب الحي الجائعة.. لا يؤنسني إلا الموسيقى الهادئة التي انتثرت في أرجاء حجرتي... مستقبلي يتحدد في أسابيع قادمة.. أيام.. ثوان، يتخلى عني الوقت هاربا من كآبة حالي.

***

جرس الهاتف في الثالثة صباحا..؟!!

اللعنة..!!

لم أشغل جهاز الرد على المكالمات... دقات قلبي أسمعها واضحة.. أشعر بالدماء تندفع من قلبي إلى رأسي المشغول.

 آلو.. أحمد..؟؟

 نعم.. أنا..

ينقطع الاتصال لتزداد الوحشة ..

من بعيد.. تجري استعدادات لصلاة الفجر، نداءات وأدعية عبر الميكروفونات، تذكرت آية .. إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. (سورة يوسف آية 87).
شعرت أن نداء الصلاة ليس لي .
فلا مكان ليائس بالمسجد.. لا مكان لكافر بالمسجد.

***

أنعشتني الفكرة، دبت في أوصالي روح الحماس، قررت أن أترك سجني.. أن أعلن إيماني.. سأذهب لأصلي..في المسجد.. فأنا مؤمن لست بكافر، محبط لست بيائس.. في المسجد متسع لأمثالي.
صلاة.. دعاء.. تضرع، لم تحدث المعجزة، لم يزل الإحباط.. عدت، فتحت كتب الدراسة، تابعت ما تركته، شعرت لأول مرة بقيمة ما ضاع من وقت، ربما الآن يستجاب لدعائي ،ويزول إحباطي.. من الآن لن أفكر إلا في اليوم فقط، لا قبل ولا بعد، سأصبر ليرضى عني الإله.

***

تمنيت لو أوتيت من منطق الطير ما يفسر لي أصوات تلك الطيور البريئة المغردة .. أهي تسبح بحمد الله..؟! أم تعبر عن إحساسها بالغربة..؟!
سؤال وجهته إليهم..
كيف يكون إحساسكم بالإحباط..؟ كيف ترون اليأس..؟
أجابني المنطق مقاطعا: الطيور لا تيأس يا بني، لا ييأس إلا البشر.. هم فقط من لديهم الوقت لليأس.
صدقت عزيزي المنطق .. لأكن طيرا لا ييأس.. لا يكفر.
الآن..
أنا الطير المؤمن الذي لا يعرف اليأس.
وداعا ليالي اليأس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى