الأربعاء ١٨ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار خاص مع الدكتور عادل حدجامي

بداية من هو الدكتور عادل حدجامي؟

أفضّل التعريف الرسمي لأنه الأفيد و الأكثر عملية، و لنقل إني باحث جامعي، من مواليد الرباط 1976 أشتغل بتعليم الفلسفة كأستاذ بجامعة محمد الخامس و بالمدرسة الدولية بالدار البيضاء، مجال اهتمامي هو فلسفة الأخلاق، مع اهتمام أيضا بفلسفة الجمال و الموسيقى خصوصا بحكم تكويني الموسيقي، إذ أني عملت مدرسا للموسيقى في فترة معينة، لهذا فلنقل على باب الجملة إن مجال اهتمامي هو فلسفة القيم، سواء الأخلاقية منها (الإيتيقا) أو الجمالية ( الإستطيقا).

باعتباركم من الباحثين في المجال الفلسفي، مارأيكم في المشاريع الفلسفية المطروحة (مشروع الجابري رحمه الله وحسن حنفي وطه عبد الرحمان..)؟

لست أدري هل لي الحق في أن أقوّم مثل هذه المشاريع، خصوصا و اثنان من الأسماء التي ذكرت هم أساتذة لي درسوني مباشرة، بل منهم من كانت تربطني به علاقة وطيدة في فترة من الفترات( طه عبد الرحمان) قبل ان نتباعد لاختلاف في الرؤى.

إذا تجاوزنا هذا الاعتبار المبدئي يمكن أن أقول إن هذه المشاريع تختلف و تتفاوت في المرجعيات و المقاصد و المناهج، وهي على العموم ليست في تصوري مشاريع فلسفية، بل هي مشاريع "ثقافية"، و الفرق بين الاثنين أن المشروع الفلسفي يكون ذا نفحة إنسانية كلية، يخاطب الإنسان بما هو إنسان بدون نظر في انتماءاته القومية أو اختياراته الإديولوجية أو حتى ظرفيته التاريخية، فخطاب الفيلسوف هو خطاب كلّي يخاطب العقل من حيث هو عقل حيثما كان، أما المثقف فهو صاحب خطاب موجه لقوم مخصوصين في زمن مخصوص و بأغراض مخصوصة. بالطبع قد يتداخل الاثنان و قد يصير الفيلسوف مثقفا في لحظة أو العكس، و لكن لا ينبغي أن نخلط بين الإثنين، فمشروع نقد العقل الكانطي مشروع فلسفي لأنه لم يكن يستقصد الألمان دون غيرهم، أو أهل القرن الثامن عشر فقط؛ و حديث ابن رشد لم يكن للعرب المسلمين بالحصر، بل كانت غاياته كونية، لهذا فهو لم يجد حرجا في أن يستند إلى حكماء اليونان السابقين على الإسلام، و المسوّغ الذي أباح له الاستناد إليهم، و إلى أرسطو تحديدا، هو إيمانه بكونية خطابهم، أي كونه خطابا غير خاص ب الثقافة اليونانية الوثنية للقرن الرابع و الثالث قبل الميلاد، في حين أن حديث الأسماء العربية التي ذكرت هو حديث ثقافي، أو لنقل بلغة غرامشي حديث "عضوي"، لأن مشاريعهم تأخذ غاية لها أسئلة النهضة و العقلانية و التحديث و ما إليه من انشغالات عرب اليوم، و هذا واضح عند الجابري و حنفي، مع أن الأمر عند طه عبد الرحمان أعقد نسبيا، لأن مشروعه متفرق و عرف تحولات، فكتاباته الأولى كانت ذات صبغة تقنية، خصوصا ما تعلق منها بالجانب المنطقي، بعد ذلك ستصبح ذات نفحة فلسفية مع أواسط التسعينيات، خصوصا مع مشروعه " فقه الفلسفة".

أما في الفترة الأخيرة فالأستاذ طه سيتحول للحديث بلغة ثقافية واضحة، خصوصا مع نصوص من مثل (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري)

و في نظري هذه المرحلة هي الأقل أهمية، في حين أن نصوصه الفلسفية الخالصة و التقنية أهم بكثير، و لو كان عكف على إتمام مشروعه "فقه الفلسفة"، و الذي ابتدأه دون أن يكمله لكان في ذلك إفادة أكبر.

حتى لا ندخل في أحكام قيمة ليست بالمفيدة لنقل إن هذه مشاريع مهمّة، و ليس لي أن أفاضل بينها، فمشروع طه قوي من الناحية المنهجية و من حيث احتكامه لشرائط البحث العلمي، أما من ناحية مقاصده و غاياته فلا أشاطر أيا منها، لأنها خليط من نزعة أخلاقية مشوبة بنوع من الطوباوية الصوفية الصادمة، فمن الصادم أن تجد مفكرا و عالم منطق بحجم طه عبد الرحمان يبني أحكامه بذلك التماسك و تلك القوة ينتهي في الأخير إلى نفي العقل و المنطق أو ما يسميه هو ب"العقل المجرد" لصالح التصوف و التسليم الروحي أو ما يسميه هو ب"العقل المؤيد". و قد ذهلت مرة عندما قرأت رسالة رفعها هذا المفكر إلى شيخ طريقته، و عجبت لحجم التقديس و الخضوع الذي يعلنه فيها لهذا الشيخ، أمر عجيب جدا.

أما عن الجابري فالعكس تماما، صحيح هناك لحظات ضعف منهجية و معرفية في فكر الرجل، وهناك أحكام مزعجة في مشروعه، بل ربما هناك أخطاء كما بيّن طرابيشي، و لكن الغايات و المقاصد النهضوية التي عمل من أجلها لست اعتقد أنه من الممكن المكابرة فيها. الجابري مثقف عضوي حقيقي و رجل من طراز رفيع استطاع بعصامية نادرة أن يضع و يعمق أسئلة قوية ، حتى و إن كنت أتحفظ قليلا على النجومية التي كان و لا يزال يتسم بها اسمه وعلى بعض أحكام القيمة القطعية التي نجدها عنده و التي سببها ربما بعض ما يشوب خطابه من نزعة وضعية مستترة.

بالنسبة لحنفي فلست مطّلعا بما يكفي على أعماله، ما عدا الترجمات و كتابه "مقدمة في علم الاستغراب"، لهذا فلست أجد في نفسي الكفاءة للحديث عنه.

هل تتفقون مع الذين يقولون بأننا نعاني من أزمة منهج وليس أزمة مشاريع فلسفية؟

نحن نعاني من أزمة معمّمة، و حتى كلمة أزمة ربما لا تفي بالغرض، لأن الازمة تفترض العرضية، و الحال أن وضعيتنا ثابتة و منذ فترة طويلة، و لا يبدو في المدى المنظور أنها ستتجاوز. نحن لم نعرف نهضة حتى نعرف أزمة، و إن كنا عرفنا نهضة فهي قديمة و سابقة على "عصور ظلامنا" ، فمشكلة الثقافة العربية أن عصر أنوارها (كما يقول دوبري) سبق عصر ظلماتها ،إن جاز القياس و التعميم، لهذا فلنقل إننا نعيش تخلفا و ليس أزمة، و هذا التخلف يدفعني للقول إنه لا وجود لمشاريع فلسفية عندنا، هناك اقتراحات يتداخل فيها الثقافي بالفلسفي كما قلت، و هذه الاقتراحات تبقى محصورة و غير ذات فعل في الواقع نظرا للوضع العام، فمستوى التعليم متدني و القراءة ممارسة نادرة و ما فتئت تزداد ندرة، و السياسة و سلطة المال و الإعلام و التجارة تكتسح كل شيء . في واقع مثل هذا من الصعب القول بأن الأزمة منهجية فقط و أن المشاريع موجودة، لأن أزمة المنهج ستكون هي عينها أزمة المشاريع. و للتنويه فالأمر طبعا ليس محصورا في الفلسفة، بل هو كذلك في العلم و في الإبداع .... الأمر في الحقيقة مؤسف، و عطفا على ما سبق من ذكر للجابري في السؤال السابق تحضرني حادثة، أذكر أن أحد زملائي من الطلبة في درس من دروس السنة الرابعة كان قد نهض و شمّر عن ساعديه و دخل في نقاش مع الجابري حول أمر من مثل هذا ، المنهج و النهضة و المشاريع النهضوية... كان جواب الجابري "يا ابني هوّن عليك، هذه أحاديثنا نحن في هذه القاعة،أما إذا خرجت من هنا فستجد أن بين نقاشنا و ما يحدث في الواقع سنوات ضوئية"، القضية معقدة كما ترى . وضع الفلسفة عندنا اليوم هو نفسه وضع العلم و الأدب و الفن. التخلف كلّ لا يتجزأ كما تعرف.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن فلسفة ما بعد الحداثة ,هل فعلا نحن نحتاج إلى فلاسفة ما بعد الحداثة في حين أن حداثتنا لم تكتمل بعد؟

هذا سؤال فيه نظر كبير، و قد احترف جماعة من الناس فعلا ذم ما بعد الحداثة و مدح الحداثة و كأن الأمر يتعلق بفريقي كرة القدم . و الأمر بعيد كل البعد عن منطق المدح و الذم. في محاولة الجواب عن هذا السؤال نحتاج لبسط أمور قد تطول، وقد حاول كثير من أساتذتنا أن يعرضوا بعضها ، أذكر من بينهم الدكتور محمد سبيلا الذي خصص كتابا ممتازا لهذه القضية تحت عنوان "الحداثة و ما بعد الحداثة"، و أنا شخصيا اجتهدت في الجواب عن جزء من هذه القضية في مقال بعنوان " العقل المستحيل" و أعتقد أنه موجود على شبكة الأنترنيت. و قد بينت أن من يطرح مثل هذا السؤال يغفل عن أن يجعل من سؤاله هذا موضوعا للمساءلة، وهو إن فعل فإنه سيجد ثغرات و عيوبا كثيرة تسكن منطق تفكيره.

من الأمور التي يمكن أن نطرح كأسئلة على هذا السؤال مقصوده أولا من كلمة "الحداثة" ، فهل يقصد بها كونها فترة تاريخية (القرن السابع عشر مثلا) أم تيارا فكريا (ما سمي بالنزعة العقلانية)، أم رموزا، أم شعارات حملتها نخبة معينة في فترة ما من تاريخنا؟ هل نقصد بها عصر الأنوار مثلا ؟ ثم ما معنى هذه "المابعد" التي في كلمة ما بعد الحداثة؟ هل معناها زماني – كما تساءل الاستاذ بنعبد العالي مرة-؟ أي هل ينبغي لنا أن نفهم الأمور بسذاجة فنقول لقد جاءت الحداثة ثم بعدها جاءت ما بعد الحداثة في تتال زمني؟ و إن كان الأمر كذلك هل ينبغي أن نوقف الزمن لنمر بالحداثة ثم لما بعد الحداثة؟ ثم كلمة " نحتاج" هذه أليس فيها نظر ؟ هل هناك شيء لسنا محتاجين إليه؟ هل نحن مثلا في غير ما حاجة إلى آليات التحليل و النقد الماركسيين الذين حاولا تجاوز أفكار العقلانية الحديثة ؟ هل نحن في غير ما حاجة للتحليل النفسي ؟ ثم لنحدد أمرا، في أي مجال نتحدث أولا ؟ هل نتحدث عن ما بعد الحداثة في الفن أم في الأدب أم في ماذا ؟ أليست ما بعد الحداثة التي نتحدث عنها داخلة في الإعلام المعمار و اللباس و المطبخ و اللغة ؟ كيف سنفعل مع هذا المفهوم مثلا في المعمار ؟ و في الموضة؟

كلمة ما بعد الحداثة لا تستعمل عند فلاسفة الغرب الكبار إلا نادرا، و الذي استعملها في كتاب هو ليوتارد بقصد وصف وضع أو "شرط" condition كما قال هو و ليس تسمية لمذهب. كان استعماله لها إذن وصفا لواقع نحياه و ليس واقعا نريده، إذن فما بعد الحداثة ليست مذهبا فكريا أو دعوة فلسفية، بل هي توصيف لتحول تمّ رصده في الواقع، و هو التحول الذي ابتدأ خارج الفلسفة، في المعمار و التشكيل و الموسيقى، و ما فعله الفلاسفة المعاصرين الذين يوسمون بكونهم "بعد حداثيين" هو أنهم حاولوا فهم ما يقع في الواقع و هذه مهّمتهم. فعندما يحلّل فوكو الزمن المعاصر أو عندما يتحدث عن نهاية التصور التقليدي عن الإنسان ليس معناه أنه هو من يدعو إلى إنهاء مفهوم الإنسان، فأن نقول بالتالي بأن من يتحدث عن شرط ما بعد الحداثة يدعو إلى ما بعد الحداثة هو أشبه بالقول إن من يصف مريضا بأنه مصاب بمرض ما هو داعية لذلك المرض.

ثم هب أننا من السذاجة بحيث نفهم ما بعد الحداثة باعتبارها دعوة، و أننا متفقون بأننا لسنا محتاجين إليها، و أننا سنقتصر على الحداثة ، هل هذا يكون ممكنا عمليا كيف سنفعل مثلا، أن نمنع منتوجات ما بعد الحداثة؟ أن نقول للناس مثلا بأن تلبس بطريقة ليست مابعد حداثية؟ ان نلبس بعقلانية معناه ؟أن نمنع تدريس ما هو معاصر و ن نقرر بأن لا ندرّس إلا الأدب و الفن و الفكر الحديث؟

طيب، أي فائدة عملية ستكون لذلك ؟ و هل سيكون ذلك ممكنا أصلا ؟

و لنفترض ان الجواب نعم، فهل سنصنع شرطة لتراقب الأمر؟ و لنفترض أننا سنطبقه في الفلسفة فقط (و هذا غريب جدا) فهل سيكون ذلك ممكنا ؟ هل من الممكن ان نقول للناس "لا ندرس نيتشه"؟ هل هذا ممكن في عالم اليوم؟ ثم حتى إن كان ممكنا فبأي حق سنقول ذلك ؟ بـأي مبرر سنسمح لأنفسنا بهذه السلطة؟ هل سننظّّر لأصولية فلسفية؟ ثم لم سنحتجّ حينها على من يقول لسنا محتاجين لهذه الفلسفة أصلا لا حديثة و لا ما بعد حديثة ، و هذا حاصل في جملة من الدول العربية؟

و حتى إن نجحنا في الفلسفة و منعنا الناس من دراسة نيتشه و أصدرنا فتاوى بتجريم دراسة هايدغر مثلا، تماما كما كان الإكليروس الكنسي يجرم تدريس ديمقريطس و و لوكرس في القرون الوسطى بدعوى مخالفة أفكارهم لروح "العقل"السليم، فما القول في غير الفلسفة؟ نيتشه اليوم ليس خطابا فلسفيا بل هو شيء يمر عبر الإعلام و في الأدب و اللباس و المطبخ "كمنطق عمل" و إن لم يكن يمر كنصوص، فهل للفلسفة سلطة لتسيطر على كل هذا؟ و ماذا ستكون الفلسفة حينها أليست هي نفي الفلسفة ذاتها من حيث هي بحث عن حرية الفكر و النقد؟ هل يعقل باسم الفلسفة أن نضع ما يجوز و ما لا يجوز ؟ ألن نتحوّل حينها إلى إكليروس؟ و ليته يكون إكليروسا ذا سلطة ، فواهم من يعتقد أن للفلسفة سلطة على المجتمع.

حقيقة لا استطيع أن أمنع نفسي من ربط مقارنات بين من يدعو لحداثة صافية أصلية بمن يدعو لدين أصلي صاف ، و لا من يمنع نقد الحداثة بدعوى أننا لم نعش الحداثة بمن يدعو لعدم نقد أسس الدين لأننا لم نطبقه بعد.

فلسفات نيتشه و ماركس و فرويد واقع معرفي، شئنا ذلك أم أبينا، وهي واقع خلخل مسلمات العقل الغربي شاء ذلك هذا العقل أم لم يشأ، و لن يجدي عندنا أن نتناسى النتائج التي توصلت إليها هذه الفلسفات، و من يفعل ذلك و يدعو إلى إهمالها لا يمارس الفلسفة، هو تماما كبعض الرجعيين الذين يدعون اليوم لإهمال دراسة البيولوجيا و الفلك لأنها تعارض فكرتهم التقليدية عن الخلق و نظام الكون ، أو كمن كان في نهاية القرن السابع عشر يدعو لعدم تدريس ديكارت لأنه يناقض مبادئ "العقل " التقليدي. هذه الفلسفات أنتجت تحولات معرفية صارت ضرورات فكرية لا يمكن تجاوزها، قل لي مثلا كيف يمكن فلسفيا أن ننفي التحليل النفسي أو أنثروبولوجيا ستروس أو سوسيولوجيا ماركس أو نقد القيم النيتشوي؟

المسألة إذن ليست مسألة اختيارات شخصية، كأن يقول شخص أنا لا أحب نيتشه أو هايدغر، يا سيدي لا أحد يطلب منك أن تحبّهم أو تكرههم ، المطلوب هو قراءتهم و مناقشة أفكارهم و تجاوزها إن أمكن، فالفلسفة ليست مجالا للتحابّ، بل مجال صراع بالحجج، و كل حجة لا نستطيع دفعها بما يكفي تكون ملزمة لنا.

الخلاصة إذن أن ما يسمى بما بعد الحداثة - إن تجاوزنا مشكل التسمية - ليس صفة لتيار، بل توصيفا لواقع، هو هذا الذي يحكم وجودنا اليوم؛ ما بعد الحداثة هي هذه النيت التي سنرسل فيها هذا الحوار ليقرأه أشخاص غير متعيّنين في زمن غير متعين و سيكون له فعل أو لا فعل غير متعين؛هي ألبسة الناس و مطعمهم و مشربهم الحالي. ليس هناك فريق يدافع عمّا بعد الحداثة و آخر يدافع عن الحداثة، الأمر ليس بهذه التقسيمات "الكروية". بل إن أكثر الموسومين بمابعد الحداثيين هم أكثر الناس ولعا بنصوص الفلسفة الحديثة المؤسّسة، فهل هناك أكثر من دريدا قارئا لتاريخ الفلسفة ؟ هل هناك فيلسوف قتل كانط درسا و تحليلا أكثر من هايدغر و فوكو ؟ هل هناك مؤرخ فلسفة كتب و قرأ سبينوزا أكثر من دولوز؟

نحن نخطئ أكيد حين نتصور بأن الحداثة "فترة" ذهبية أو تعاليم ساكنة واضحة ينبغي التماهي معها، تماما كما يعتقد الأصوليون بخصوص فترات التأسيس الأولى، إذ الحداثة ليست في العمق إلا سلسلة لا متناهية من القطائع التي لا تنتهي، ليست إلا الوعي بالعبور و العرضية نفسه. نكون حداثيين حين نفهم منطق العصر الحديث، أي حين نفهم بأن جوهر الحداثة هو إيمانها بالزمن باعتباره العنصر الفاعل، و ليس حين نجعل من أنفسنا مدافعين عن "حزب" الحداثة ضدا على نزعة" زنديقة مارقة" عن "صحيح" العقيدة الحداثية هي "مابعد الحداثة". الأمر معقد كما ترى و أغلب من يتحدثون في هذه الأمور لا يعرفون عما يتحدثون.لأنهم يريدون أن يدافعوا عن "الحداثة" بمنطق ما قبل حداثي، منطق تقليدي لا يفهم أن جوهر الحداثة كما قلت هو الوعي بكون التحول و التغير و التطور و التجاوز هو سمتها المميزة؛ الخلل في منطقنا و طرق تفكيرنا و خطط إدراكنا التي ينبغي أن نغيرها، و هذا جزء بسيط جدا من الأمر.

في سياق الدفاع عن الحداثة يبرز اسم هابرماس ماذا عسانا أن نستفيد منه في العالم العربي؟

نحن مطالبون بالاستفادة من كل شيء، من هابرماس و غيره، نحن ثقافة تلقت ديكارت في نفس الفترة التي تلقت فيها نيتشه و هابرماس و دولوز و هايدغر و.. هذا قدرنا و التاريخ لن يوقف عجلته لكي يفسح لنا مجالا، قدرنا أننا تلقينا كل هذا دفعة واحدة و بقوة، و لن يفيد في ذلك أن نمنع أو نقنن، الأمر مأساوي في العمق لأننا ثقافة يطلب منها أن تتهجى الحداثة و أن تتهجى حدودها في نفس الوقت، قد يكون هذا مصدر خلاص لست أدري، الأمر رهين بحكم التاريخ. شخصيا أعرف هابرماس لأني أعددت حوله أول دبلوم للدراسات العليا، و لكني لا أرى مبررا يجعلني أجعل منه بالحصر مرجعا، علينا أن نستفيد منه و من غيره، لكن الاستفادة تتطلب أولا الفهم و الاستيعاب و الترجمة، فهل عندنا من هو مستعد لذلك؟

إلى جانب هابرماس كم من الأسماء ينبغي أن نستفيد منها؟ المئات و بجميع اللغات.
أنت ترى أن ما هو مطلوب منا صعب جدا و معقد، نحن ثقافة تعيش زمنا تراجيديا بالمعنى الإغريقي، ولكن لحسن، أو لسوء حظها، لا تعيه.

في الأخير ما هي مشاريعكم المقبلة ؟

ليست لي مشاريع هناك اهتمامات، أصدرت قبل أشهر كتابا، و أعد لعمل قادم، و سيكون عبارة عن ترجمة، تماشيا مع ما قلته سابقا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى