الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم موسى حوامده

أُعد للنهار مائدةَ الذكرى

المدينةُ عادتْ لموتِها السريري ونعشها الحجري، المسافاتُ صارتْ بعيدةً، بينما أسفي غابةٌ تنمو، تعلو فيها أشجار الأسى، ثمارها مرةٌ وحنظلها سيد عتيد، وهنا يقبع في صدري حزن مثخن بالغياب، نائم مثل كاهن بوذي يتكور من الطوى والتعبد، بينما يذرفُ الصديدُ قطراتِه على وجه المدى، تُعلق أيقونةُ الصمت في جدار العزلة، يسقط غصن طري في فم عصفور مبلل بالمطر، تذوي المواقد، تجف حبات الكستناء، تفرغ الكؤوس، بينما شموع الليالي تخبو حتى تنطفئ.

يا ابنةَ الحيْرة والبهجة أين ملائكة النأي؟

أجدُها تُعاودُ مهماتِها الشرسة في تجويف الرعشة من سحر الإنبهار، تصنع تابوت الكلمات، من نحت الزمن الجائم فوق قلاع الدهشة.

المفازاتُ اتسعت وازداد عناء جلجامش، بينما الخديعةُ لم تطاوع أجاممنون، ولم تقبل بريسيس الانعتاق من اخيليوس، ولم يحقق زيوس وعده، ولم يخترق الحصان طروادة المستعصية على العائدين من غبار الاساطير.

تذكرتُكِ وأنا نائم،

حلمت بالكون يشرق من بين أصابعك، رأيت أفروديت تضئ بالتاج الأنثوي وحين مددت يدي لألمس وشاحَها الذهبي، اختفت يدي في ضباب الوقت المتلاشي في بخار العاج.

نسيتك عند روحي.

هناك أقمت لك عرشا مسيَّجا بالتذكر، مددتُ بساطا من خيلاء الشعر، مطوقا بجدران المغزى المكتنز في جوهر الفراق،المغلف بطلاء الوجد المزين بنشوة الريح.

نمت وحيدا مثل زيتونة يتيمة في سفح جبل شرقي، ولما أفقتُ وجدت الزيت يتصبب من فؤاد الشجرة، بينما الأوراق تلوح مبشرة بظل ما يزال يرسم على الطين وجهَ جميلة كانت تبتسم لظلال الكلمات وهي تعد مباهج العمر.

نمتُ، أفقتُ، وكانت السماء بعيدة تشير لغيوم عابرة تحمل خصبا لم يمكث فوق رأس التاويل، ستمطر، قالت النشوة، لكن رذاذ الشوق صلى صلاة الاستسقاء وهطلت ذكرى لم تبتعد.

أدنو من شفة الأصيل، أبوح للمدى بغواية الكلمات، أجرح بستان الإنتظار، وأعد للنهار مائدة الذكرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى