الجمعة ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠١٢
بقلم فاتن رمضان

جسور النار ....

إلى أرواح الشهداء التى امتزجت بالأرض وتحررت إلى السماء لتصنع لنا ألف أنشودة للخلود

أمسكت بيدى وأغمضت عينيها ووقفت أمامى حائرة مستسلمة كأنها تؤدى صلاة صامتة قاسية ثم تمعنت فى خطوط يدى الشائكة وطافت بأصابعها عليها وكأنها تقرأ المجهول ..........

كنت أراقب عيونها الحزينة وفمها المتجمد وتجاعيد وجهها الدقيقة التى اضفت عليها هالة جمال بديع .....

كنت أراقب ذلك وكلى نهم لقراءة أفكارها الصامتة لكنها قطعت محاولاتى واستيقظت من صلاتها وربتت على كتفى وتركتنى ومضت خلف جسور النار .

كانت أشعة الشمس القاسية تخترق أجسادنا وتصل إلى أرواحنا الطفولية وقلوبنا الصغيرة وتحرق فيها كل شعور بالتراجع فنصمم أن نصرخ ونصرخ ونصنع المستحيل، وتزيدنا الايام عنادا وإصرارا، ورغم قسوة التدريب النهارى الا أنه أرحم من وحشة الليل فالغرف ضيقة ورائحة العرق الصيفى الممتزج يتصاعد منها ويفوح حتى طرقات العنبر ليغطى على رائحة المراحيض ومعها القلق والأرق الذى يهاجمنى ويطردنى لأتجول خلف العنبر لأبصر الصحراء التى تصبح فاتنة فى الليل الصيفى القصير وتفتح أحضانها لكل روادها ومريديها ولا ترد أحدا
ورغم إغواءها لى واشتهائى لها فأنا أرفضها .........

دائما على البعد أراها تقف عند التل وحيدة شاردة تخترق بعيونها الفضاء لتصل إلى جسور النار، لا أفهمها لكنى أحزن لها فأنا أبصر بداخلها كلمات لا حروف لها ومعانى لم يصل إليها إنسان بعد، وهى بالنسبة لى جزء مفقود غامض قررت أن أخترقه............

تعجبت لأننى الوحيد الذى يراها فصعدت ذات مرة وجلست بجانبها لكنها لم تعرنى أى أنتباه فعيونها ظلت معلقة بالمدى البعيد وتكرر لقاؤنا وكأننا على موعد دائم من الغروب والصمت .

حتى قرر آدم بداخلى أن يحترق هذه الحواء فسألتها : من أنت ؟

فردت على وهى تائهه: متى تبدأ الحرب ؟

تعجبت من أنها ردت على سؤالى بسؤال ولم تجبنى، فكررت سؤالى عليها فهبت واقفة وصرخت فى باكية .........متى الحرب ؟

استيقظت على كلماتها التى لم أفهمها فى البداية وتذكرت جسور النار هناك وجسور النار فى قلبى وعدت طفلا أحلم بالحلوى والدمى، وفى خضم حلمى ألمح أختى التى تختفى إلى اللاعودة ......... أذق مرارة الظلم على لسانى وأسقط واصرخ لمن حرمنى دميتى ......... اكتشف انى أتيت لأنتقم ممن سرق عمرى ممن أذلنى .
كرهت حواء القابعة أمامى لأنها ضغطت على جرحى الماضى , وهربت منها .

وظللت مستيقظا طيلة ليلتى أتقلب على أشواك الأرق حتى أعادتنى شمس الصباح إلى وعيي فقمت إليها وصرخت بها: من أنت .
فردت على وهى راحلة: أنا فاطمة

لم أمهلها فرصة الرحيل فقبضت على ذراعها بقوة وأعدت السؤال ..... تدافعت الدموع من عينيها وجذبت غطاء رأسها وأشارت إلى ضفائرها المقصوصة وخمارها الممزق ومعها جسور النار .

فهمت ..... فتركتها ومضيت .تذكرت دميتى .......أختى ......غلى الدم فى عروقى .....بكيت ....ضحكت ..... قذفت برأسى للحائط ومعها أفكارى، تصاعدت رائحة الدم فى جسدى وحين سقط من إلى فمى تحول جسدى لكتل’ نار حية .

كرهت الصحراء وظهرت لى كأنثى ساقطة تشمت بى وبفاطمة , فركلتها بقدمى وبصقت فى وجهها .....
حلمت بفاطمة بداخلى وعلى كتفى حملت بندقيتى ولم أتردد هذه المرة فقد اندفعت لأحطم جسور النار ........تحولت لوحش جائع يتلذذ بالدم

وفى اليوم التالى ....امتزجت بالنار ورضخت لنداء الأرض وقبل ذلك أرسلت لفاطمة ضفائرها وخمارها
ولأول مرة تزغرد فاطمة وتنزع الثوب الأسود ..........

لكنها.....

رغم ذلك .....

ظلت تنتظرنى على نفس التلة فى ثياب العرس .

إلى أرواح الشهداء التى امتزجت بالأرض وتحررت إلى السماء لتصنع لنا ألف أنشودة للخلود

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى