السبت ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم أحمد زياد محبك

الحرف اليدوية في الحكايات الشعبية

ملخص البحث

يعنى هذا البحث بالعلاقة بين الحرفة اليدوية والحكايات الشعبية، فيقدم تعريفاً سريعاً للحرفة اليدوية ويميزها من المهنة، كما يقدم تعريفاً للحكاية، ثم يتتبع أشكال ظهور الحرف اليدوية في الحكايات الشعبية، ويصنفها في خمسة أصناف، هي: حكايات تمجيد الحرفة، وحكايات انتقاص بعض الحرف، وحكايات تحمّل الحرفة فكرة أو قيمة، وحكايات عن نساء يعملن في حرف يدوية، وحكايات تنتقد غياب الحرفة، ثم يستخلص البحث خصائص هذه الحكايات، ويسعى بعد ذلك إلى ربطها بقيم الإسلام ومبادئه من خلال ربطها ببعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ثم يربطها بأشكال تراثية أخرى كالأمثال، ويحرص البحث على سرد ملخّص سريع لكل حكاية وتحليلها، وتوثيقها، ويحرص البحث على رواية الحكايات بالعربية الفصيحة لا العامية، لأن قيمة الحكاية في عناصرها المكونة وبنيتها لا في لغتها، في حين رويت الأمثال بالعامية، لأنه من الصعب روايتها بالفصيحة.

أولاً ـ مقدمة

تدلّ الحِرْفة على المهارة في الصناعة والعمل باليد، وغالباً ما يتم تأكيد دور اليد بالقول: الحرف اليدوية، وهي العمل المرتبط بالاستعانة باليد وبأداة لإنتاج شيء محدد أو القيان بتحويل وإجراء تغيير، من مثل النجارة والحدادة والخياطة والصياغة والحلاقة والتحطيب والنسيج والغزل والحياكة وصنعة الفران والجزّار وغير ذلك، ويمكن تمييزها عن المهنة، من مثل مهنة الطبيب والمعلِّم وسائس الخيل والشحّاذ والزارع والقاضي والوزير والأمير والملك، وغير ذلك من المهن، وإن كان هذا التصنيف مؤقتاً، وليس قاطعاً، ولا يعني الفصل الكلّي بين النوعين، ويمكن أن تتداخل المهنة والحرفة في كثير من الحالات.

والحكاية هي أحد أشكال التراث الشعبي، وهي قصة يتم تناقلها شفهياً من جيل إلى جيل، وتروى مشافهة ببنائها العام، وبما تضم من مكونات وعناصر أساسية تتكرر في كثير من الحكايات وتكون ما يشبه وحدات ثابتة، أو ما يصطلح عليه بالموتيفات، ولا يُعرف واضعها، ولا راويها الأول، فهي نتاج تراكمي، يبدعه أفراد مجهولون في الشعب، وهم موهوبون، وغالباً ما يتم التغيير فيها والتحوير والتقديم والتأخير، لأنها لا تُروى بنص ثابت، ولا بأسلوب واحد، وإنما تتعدد فيها الأساليب بين نقص وزيادة، وتجويد وإهمال، وفق مهارة راويها وبراعته في الإنشاء والرواية، ولغتها هي اللهجة العامية، بحسب البلد الذي تروى فيه، ويلاحظ التشابه الكبير بين الحكايات، ولا سيما في أقطار الوطن العربي، وأحياناً مع بلدان أخرى في العالم، حتى لتبدو ذات أصل واحد، أو لعلها خضعت لكثير من التواصل والتبادل بين الشعوب عبر العصور بوساطة الحروب والتجارة والأسفار، وهي غير محددة بزمان ولا مكان، وغير معنية بالتفاصيل والجزئيات، وهمها الأول القيمة أو المغزى، وهي تحمل رؤية شعبية تعبّر عن حسٍّ عام.

وحين يستقصي المرء الحكايات الشعبية الشائعة في بلاد الشام المتعلقة خاصةً بالحِرَف اليدوية يجدها قليلة نسبياً، في حين يجد الحكايات المتعلقة بالمهن كثيرة، إذ تبدو الشخصيات العاملة في المهن أكثر نمطية، ولا سيما شخصيات بعينها، من مثل القاضي والأمير والوزير والسلطان والملك، وهي كثيرة الظهور في الحكايات، وهي تظهر بصفتها العامة، ولا تملك خصوصية، فالملك هو الملك نفسه في معظم الحكايات، في حين يبدو ظهور الشخصيات العاملة في الحرف اليدوية قليلاً، كالحداد والنجار والخياط والصائغ، لأن مثل هذه الشخصيات أكثر خصوصية، ولها سماتها المميزة، ويبدو التعبير عن العام هو ما تعنى به الحكاية الشعبية، في حين نادراً ما تعنى بالتعبير عما هو خاص ومتفرد.
وما سيُعنى به البحث هو الحكايات المتعلقة بالحرف اليدوية لا بالمهن، على نحو التمييز الذي تقدم، ومن خلال الوقوف على أكثر من عشرين حكاية ذات علاقة بالحرف اليدوية يمكن القول إنها تتوزع على خمسة أنواع:

ثانياً ـ حكايات التمجيد:

ثمة حكايات تمجد الحرفة وتُعْلي من شأنها، وتُبْرز مكانتَها الاجتماعية، وتفضلها أحياناً على العبادة، وهي الحكايات الأكثر، ولعل أكثر الحرف اليدوية التي تصورها هذه الحكايات هي النجارة والحدادة والخزافة.

حكاية النجار والخياط والعابد:

ومن الحكايات التي تمجِّد الحرفة حكاية عن نجار وخياط وعابد، وهي عن ثلاثة رجال خرجوا في سفر، فلما خيَّم عليهم الليل، اتفقوا على أن يتناوبوا على الحراسة، وكان الثلث الأول من قسمة نجار، وكي لا ينام، جمع الأخشاب، وصنع منها دمية، وكان الثلث الثاني من قسمة خياط، فخاط ثياباً لتلك الدمية، وكان الثلث الأخير من قسمة عابد متنسك دعا الله ربه أن يبث فيها الروح، ومع الفجر وجد الثلاثة أنفسهم أمام امرأة تدب فيها الحياة، فمن حظ مَنْ ستكون؟ والحكاية تدل على قيمة حرفتين اثنتين هما النجارة والخياطة، وتؤكد أنهما حرفتان إبداعيتان، تتكاملان مع العبادة والتنسك، وبالعبادة الحق يتم الخلق، وهي تؤكد التكامل أكثر مما تثير الصراع، ولكنها تؤكد من طرف خفي أن المحل الأول في الإبداع هو لصاحبي الحرفة ثم يأتي العابد ليتم العمل، ولم يكن دور العابد هو الأول ولم يكن في البداية. وتكشف الحكاية بصورة غير واعية عن قيمة التجويد في العمل وأهميته، كما تكشف عن تلبّس الحرفة صاحبها، فهي تلازمه في ليله ونهاره، في حلِّه وترحاله، وتؤكد الحكاية أن صاحب الحرفة الحق المبدع في حرفته يستطيع أن يبدع في أي وقت وفي أي مكان، ولو من غير أدوات عمله أو بعيداً عن مكان عمله.

حكاية العبادة بين السيقان لا بين القيقان:

ويؤكد فكرةَ الحكايةِ السابقة حكايةٌ أخرى تفضِّل العمل على العبادة، وإن كانت لا تدخل في باب الحِرَف اليدوية، ويمكن الاستشهاد بها لدعم الموقف، وهي عن رجل عابد تقيّ، يعمل في محل لبيع الألبسة والحاجات النسائية، علّق فوق رأسه في المحل سلّة من أعواد القصب فيها ماء، والماءُ لا يتسرب منها، دلالةً على تقواه وورعه، وله أخ عابد مثله، ولكنه يتعبّد ربه في رأس جبل بعيداً عن الناس، وهو يعيب دائماً على أخيه عمله في السوق لبيع الحاجات النسائية، وينكر تقواه وورعه، ويؤكد أن العبادة الحق هي في قمة الجبل بين القيقان، أي الغربان، لا بين السيقان، أي في السوق وبيع الحاجات للنساء، فتحداه أخوه وطلب منه أن يقعد في محله، وجلس العابد في السوق، وجاءته الصبايا، فتحركت في نفسه الرغبة، وإذا بقطرات من الماء تسقط من السلة التي فوق رأسه، فأدرك عندئذ أنّ أخاه أكثر تقوى منه، وصح لديه أن العبادة الحق بين السيقان لا بين القيقان.

والحكاية تؤكد فضل العمل على العبادة، وأن العبادة الحق يجب أن تقترن بالعمل، وبعفة النفس وتقواها، على الرغم من حضور المغريات والمثيرات، لا في غيابها. والحكاية تنتمي إلى بيئة حلب في شمال سورية، بدليل المثل الذي يلخصها، وهو "العبادة بين القيقان لا بين السيقان"، لأن القيقان لفظ في اللهجة العامية بمدينة حلب، وهو جمع مفرده قاق، ويعني الغراب، وهو صوته، ويلفظ حرف القاف فيه همزة.

حكاية السرّاج والسرج العتيق:

ومن الحكايات التي تمجّد الحرفة اليدوية وتقدر قيمة الصدق فيها والإخلاص، حكاية عن سرّاج كان يدّخر كل ما يفيض عن حاجته من مال في سرج عتيق يعلقه في عمق محله، وذات يوم ذهب للصلاة وترك ابنه في المحل، وجاء رجل يريد شراء سرج، فعرض على ابن السراج أن يشتري ذلك السرج العتيق بثمن يناسبه، فباعه الولد، ولما رجع والده من الصلاة أحزنه بيع السرج، لأنه فقد كل ما ادّخره فيه، وتمسك بالتسليم لقضاء الله، وبعد بضع سنين وقف أمامه رجل على جواد مطهم، وطلب منه سرجاً فاخراً، وبعد أن اشتراه، قال له: كنت اشتريت من دكانك هذا السرج القديم ولم أكن أملك يومها إلا القليل من المال، واليوم وقد رزقني الله، فإني أترك لك هذا السرج القديم، وأسرع السراج إلى السرج، فشقّه، فوجد المال فيه.
تدل الحكاية على أن المال المكتسب بالتعب وبالحرفة اليدوية وما فيها من مشقة هو مال حلال، وهي بذلك تمجد الحرفة والصدق فيها، وتؤكد تقوى الله وحسن التوكل عليه مع العمل.

حكاية الخزاف والزارع:

ومن تمجيد الحرفة اليدوية حكاية عن عجوز أخبرت زوجها أنها ذاهبة لزيارة ابنتيها مع بداية الربيع، وكانت كل منهما تسكن في قرية، وزارت الأولى، وكان زوجها خزافاً، ولما سألتها عن أحوالها أخبرتها أن زوجها صنع عدداً من الجرار، وطلبت منها أن تدعو الله أن تسطع الشمس وألا ينزل المطر، حتى تجف الجرار، ثم ودّعتها الأم ومضت إلى ابنتها الثانية، وهي في قرية مجاورة، وسألتها عن أحوالها، فأخبرتها أن زوجها قد زرع القمح، وطلبت منها أن تسأل الله أن يرسل المطر، حتى تكتنز السنابل، ولما رجعت إلى البيت، سألها زوجها عن حال ابنتيها، قالت له:"والله حرت في أمري، إذا أمطرت خسرنا، وإذا ما أمطرت خسرنا".
وتدل الحكاية على ما قد يكون من صراع بين مهنة عادية، وهي الزراعة، وحرفة يدوية، وهي صناعة الجرار، وتشير من طرف خفي إلى تطور المجتمع وانتقاله من الزراعة إلى الصناعة، وإن كانت صناعة بدائية، ومن الصعب الجزم بالموقف النهائي للحكاية.

حكاية الحداد والزارع:

ولعل الموقف الواضح هو ما تعبر عنه حكاية أخرى تنتصر للحرفة اليدوية على العمل المهني العادي، وهي عن فلاح قدم من الريف إلى حداد يطلب حدوة لحصانه، فأعطاه الحداد حدوة، فأمسكها الفلاح بين يديه وثناها، وطلب أفضل منها، فأعطاه حدوة ثانية وثالثة، وكان الفلاح في كل مرة يثني الحدوة ببساطة، وأخيراً قال للحداد: أنا مضطر لشراء حدوة من صنعك مع أن ما تصنعه ليس جيداً، ولكن يجب أن تبيعني الحدوة بسعر أقل، ثم ناوله ليرة فضية، فتناولها الحداد بين إصبعيه وفركها، فمحا ما عليها من نقش، وردها إليه، وهو يقول: قطعة نقدك ممسوحة، ولا أقبل بها، فناوله قطعة أخرى ففعل بها مثلما فعل بالأولى، وهكذا فعل بعدة قطع أخرى، فقال له الفلاح:"لا بأس سأعطيك كل ما تطلب، ولكن لا تمسح بعد الآن نقودي".
وتدل الحكاية بشكل واضح على الصراع بين الفلاح والحداد، بين صاحب المهنة وصاحب الحرفة اليدوية، وتؤكد أن صاحب الحرفة أقوى من الزارع، وتعلي القصة من قيمة الحرفة، وتؤكد حاجة الناس بعضهم لبعضهم الآخر، وما يكون من تكامل بين الناس، وهي تدل أيضاً على تطور المجتمع وانتقاله من الزراعة إلى الصناعة.
حكاية أجير الصائغ:
ومن الحكايات التي تمجد الحرفة حكاية عن أجير صائغ، كان معلِّمه يبخسه حقه، فقرّر الارتحال في طلب الرزق، وأخذ يباشر عمله عند صائغ آخر في بلد غير بلده، ولكن هذا الصائغ لم يكن بأفضل من سابقه، ولكنه رضي وصبر، وذات يوم دخل الدكان خادم الملك، وطلب صوغ سوار متميز لابنة الملك، فأمر الصائغ أجيره أن يعدّ السوار فأكبّ الأجير على العمل، ثم نقش عليه من الداخل هذه الأبيات:

مصائب الدهر كفي
خرجت من أجل رزقي
كم جاهل في الثريا


إن لم تكفي فعفي
 رأيته متوفي
كم عالم متخفّي


وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله المعلم السوار، وأخذ منه مكافأة كبيرة، ولم يعط الأجير شيئاً، وفرحت ابنة الملك بالسوار، وذات يوم، وهي تضعه في معصمها، تنبهت إلى الأبيات المنقوشة عليه من الداخل، فعرضته على أبيها، ورجته أن يعرف قصة الأبيات، وأرسل الملك وراء الصائغ، ليسأله عمّن صاغ السوار، فأكد له أنه هو، فطلب منه سواراً آخر يشبهه، وأسرع الصائغ إلى أجيره يطلب منه سواراً آخر كالسوار الأول، فصاغ سواراً آخر، نقش عليه من الداخل الأبيات نفسها، وفي الصباح حضر خادم الملك، فناوله الصائغ السوار، وتلقى منه المكافأة، ولم يمنح الأجير شيئاً، ولما رأت بنت الملك السوار دهشت، لأنه كان كالسوار الأول، وقد نقشت عليه من الداخل الأبيات نفسها، فأسرعت إلى أبيها ترجوه أن يعرف قصة الصائغ، وأرسل الملك وراء الصائغ فلما حضر سأله عمّن صاغ السوار، فخاف، وظن أن الملك لم يعجب به، فأخبره أن أجيره هو الذي صاغه. وأرسل الملك على الفور وراء الأجير، ولما حضر سأله عن قصة الأبيات، فروى له حكايته، وأكد له ندمه على غربته وبعده عن زوجته وأولاده، وعندئذ أمر الملك بتعيينه وزيراً في مملكته، وأرسل وراء زوجته وأولاده ليعيشوا معه في هناء وسرور.

وتدل الحكاية على تمجيد الحرفة، ولا سيما الحرفة اليدوية التي تحتاج إلى مهارة وحذاقة وإخلاص، وتدل على ما يكون في الحِرَف من ظلم، ولا سيما الحرف التي تعتمد على المهارة في العمل والبراعة، والتي تعتمد على عامل ورب عمل، فالأجير يملك المهارة في العمل والإتقان، ولكن لا يمكنه افتتاح محل لشراء الذهب، ولذلك فهو مضطر للعمل أجيراً، ويستغله رب العمل، ولكن يحصل في النهاية على الإنصاف، ويكون إنصافه على يد قوة عليا مطلقة، هي الملك، مما يعني أن العدل نادر التحقق، وهو مرتبط بقوة عليا خاصة، ولا يخلو هذا التحقق من مصادفة.

حكاية ابن الملك ونسج السجاد:

ومن الحكايات التي تمجد الحرفة حكاية عن ابن ملك رأى فتاة جميلة، فطلب من أمه أن تخطبها له، ولما تقدمت إلى خطبتها سألتها البنت عن حرفته، وكان الجواب أنه ابن ملك، وسيرث الملك، وليس بحاجة إلى حرفة، فرفضت البنت الزواج منه إلا إذا امتلك حرفة، وعلم بالجواب، فطلب من أبيه أن يأذن له في السفر، لعله يكتسب خبرة ويتعلم حرفة ما، فزوده الملك بالمال والهدايا، فتنكر في زي تاجر، وأخذ يتنقل في البلاد، إلى أن حط به الترحال في بلاد العجم، ونزل في خان، وفي إحدى الليالي سرقت أموال تاجر كبير ينزل في الخان نفسه، فسيق كل مَنْ في الخان إلى السجن، وكان على السجناء أن يعملوا في نسج السجاد، فأحب ابن الملك العمل، وبرع فيه، فأعطوه نولاً خاصاً به، وأخذ يكتب في نهاية كل سجادة وفي طرف منها اسمه، وفي الطرف الآخر اسم الفتاة التي أراد الزواج منها، ومرت الأيام، وإذا هي عام أو أعوام، ثم إنه نصح لهم أن يرسلوا ما ينتجه إلى بلاده، من غير أن يذكر لهم أنه ابن ملكها، ودلهم على تاجر فيها، هو والد الفتاة التي يرغب في الزواج منها، واشترى والدها أكثر من سجادة من صنع يده، وحمل إحداها إلى بيته، ورأتها ابنته وقرأت اسمها واسم ابن الملك، فطلبت من والدها أن يتصل بالملك ويخبره بالأمر، وتقصّى الملك الخبر، وعرف أن ابنه سجين، فأرسل الأموال يفتديه، ورجع ابنه إلى المملكة، وأقيمت الأفراح بعودته، وتم زواجه من ابنة التاجر، بعد أن امتلك حرفة.

وتدل الحكاية على قيمة الحرفة وأهميتها، فهي أهم من المنصب ومن المال المجموع، بل إن الحكاية تفضل الحرفة اليدوية على السلطة والملك، ولعل راوي الحكاية الأول أراد أن يعبر عن نقمته على الملوك، ولاسيما على أبنائهم الذين يرثون السلطة، ويحظون بالجميلات من الصبايا، لا لشيء إلا لأنهم أبناء ملوك وسلاطين، وقد انتقم الراوي بأن جعل ابن السلطان يسجن، ولكن كان لا بد في النهاية من المصالحة، ومنح الملك وابنه ما هما جديران به، وفق التصور الشعبي، بوصف الملك رمزاً للسلطة العليا والعدل، وتدل الحكاية على مكانة المرأة في المجتمع وقدرتها على اتخاذ القرار واختيار شريك حياتها ورسم مستقبلهما معاً.

حكاية ابنة الفوال وابن الملك:

وبعض الحكايات لا تمجد الحرفة، إنما تنتصر لها، ولا سيما إذا نال أصحاب الحرف المتواضعة حيف من السلطان، ومنها حكاية عن فوال له ابنة، كلما مرت في الطريق تصدى لها ابن السلطان، وكان يقول لها:"بنت الفوال، طاب فولك إلا ماطاب"، وكانت لذكائها وجرأتها ترد عليه فتقول:"طاب واستطاب، وما دخلك ياسير القبقاب"، فاستاء منها، وفي اليوم التالي تنكر بزي بائع حليب، فخرجت إليه لتشتري بعض الحليب، فاقتحم عليها الدار، وأخذ يقبلها، ثم خرج، وفي اليوم التالي مرت به، فسألها السؤال نفسه، فأجابته كشأنها كل يوم، فقال لها:"قبلتني وقبلتك، غلبتني إلا غلبتك"، فعرفت أنه تنكر بزي بائع الحليب، وفعل ما فعل، ثم أوقع كل منهما الآخر في مقالب مختلفة، إلى أن أقر لها بالذكاء والغلبة وتزوجها.
وتدل الحكاية على نظرة رجال السلطة الحاكمة إلى الفقراء وأصحاب الحرف البسيطة، ومنها حرفة الفوال، ولكن الحكاية تنتصر لها، وتمجدها، كما تدل على انتقام من السلطان ومن ابنه، ولكنها تنتهي بالمصالحة مثل كل الحكايات، إذ يبقى السلطان رمز السلطة المطلقة، وإذا كانت ابنة تاجر السجاد في الحكاية السابقة قد أخضعت ابن الملك لإرادتها فاضطرته بصورة غير مباشرة لتعلم نسج السجاد، فإن ابنة الفوال في هذه الحكاية قد استطاعت ترويض ابن السلطان وكسر غروره.
ويلاحظ كثرة الحكايات التي تمجد الحرفة، وتفضلها في بعض الحالات على بعض الأعمال، كالزراعة، وهي تدل على تطور المجتمع، وانتقاله من الزراعة إلى الصناعة، وفي حالات أخرى ترى الخلاص في الحرفة من قرار ظالم يتخذه الملك في حق أقرب الناس إليه وهي ابنته، لأنها لم تتملق غروره، وتفضل حكاية أخرى الحرفة على السلطة والحكم، وهي بذلك تنتقم للفقراء والمظلومين من ظلم الحكام.
وتدل الحكايتان السابقتان على ما كان للمرأة من دور في الواقع، فهي تتصدى لابن الملك أو ابن السلطان، وتتخذ قرار زواجها، وترسم لنفسها ولزوجها خطة الحياة، وسوف تظهر حكايات أخرى تصور المرأة وهي تباشر العمل في الحرفة مباشرة.

ثالثا ـ حكايات النساء والحرف:

تحكي بعض الحكايات عن نساء يعملن في حرف قليلة أبرزها غزل القطن، وهي حكايات قليلة، وتدل على مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لمساعدة زوجها، وهذه الحكايات قليلة، ولكنها ذات أهمية كبيرة، فهي لا تدل على عمل المرأة فحسب، ومشاركتها في الحياة العملية، بل تدل على ذكائها، واجتراحها فرص العمل، على الرغم من الظروف غير المواتية، بل على الرغم من الظروف المعادية، وكان العمل بالنسبة إليها خلاصاً لها ولزوجها ولكل من حَولها، وكانت مثلاً لقدرة المرأة على صنع الحياة.

حكاية ابنة الملك وغزل القطن:

ومن ذلك حكاية عن ملك دعا بناته الثلاث إليه وسألهن واحدة واحدة عن مقدار حبهن له، فبالغت الأولى فزوَّجها من وزير الميمنة، وبالغت الثانية فزوجها من وزير الميسرة، وقالت له الثالثة أحبك كما تحب كل فتاة أباها، فغضب عليها، وزوّجها من وقّاد في قمين حمام، فعاشت في غرفة صغيرة يخزن فيها الحطب والقمامة، وسرعان ما طلبت من زوجها أن يشتري لها بعض القطن، وأخذت تغزله، وظلت على هذا المنوال إلى أن ادخرت مبلغاً استطاع به زوجها أن يعمل في تجارة القطن، وتحول عن العمل وقاداً إلى التجارة، ثم اشترى داراً فخمة قبالة قصر الملك، ثم دعا الملك إلى زيارته، وأعدت له زوجته حساء وضعت في صحنه خاتمها، فلما رآه عرف أنه خاتم ابنته، فاعتذر إليها، وأغدق عليها النعم والعطايا.
والحكاية تدل على ذكاء المرأة وعملها في حرفة يدوية بسيطة، وقدرتها على اجتراح الحلول الإبداعية على الرغم من قسوة الظروف، وتحقيقها النجاح لنفسها ولزوجها وتطوير حياتهما، والحكاية تنتقم بصورة غير مباشرة من السلاطين وتصور سفههم وأنانيتهم وغرورهم وحرصهم على تمجيد ذواتهم، وتظهرهم متعسفين لا يترددون في اتخاذ قرارات جائرة وفق أهوائهم ولو كانت هذه القرارات بحق أقرب الناس إليهم، إذ لا يهمهم سوى أنفسهم، والحكاية تصور الحرفة اليدوية على بساطتها وسيلة شريفة للتعاون بين الزوجين وتحقيق الخلاص.

حكاية الأخوات الثلاث والفأرة:

وثمة عدة حكايات عن بنات ثلاث تُوفِّيَ أبوهن ولم يترك لهن شيئاً من مال، فكنّ يغزلن القطن ويبعنه، ليتعيشن بما يعملن، وهن يفوضن الصغرى منهن ببيع الغزل، ويصادف بعد ذلك أن تصنع الخلاص بالزواج من ابنة الملك، ومن ذلك حكاية عن مثل تلك الصغرى، باعت الغزل واشترت بها فأرة في قفص، ولما رجعت بها إلى البيت طردتها أختاها، فذهبت إلى المقبرة، ونامت بجوار قبر أمها، واستيقظت في الصباح لتجد الفأرة قد وضعت ليرة ذهبية، ويمر بها ابن الملك، فيأخذها إلى القصر، ويرعاها هي وفأرتها، وتكيد لها أختاها، بعد أن يعرفن ما كان لها من عيش في القصر، ولكن في النهاية تنتصر على أختيها بفضل الفأرة، ويتزوجها ابن الملك.

والحكاية تؤكد عمل المرأة في حرفة، أو بالأحرى اضطرارها إلى اتخاذ حرفة، ولكن خلاصها الحق لا يكون بالحرفة، إنما بقوة سحرية، هي الفأرة، وبسلطة هي سلطة ابن الملك، رمز السلطة العليا.

حكاية فطيم بسوق الغزل:

وثمة حكاية عن امرأة اسمها فطيم، كانت تعمل في غزل القطن، وكانت تنزل كل يوم أو يومين لتبيعه بسوق الغزل، كي تعين زوجها على أمور الحياة، وذات يوم تأخرت في السوق، فنزل زوجها إلى السوق، فسأل هذا التاجر وذاك عن زوجته، وكان كل منهم يقول له:"من هي فطيم بسوق الغزل؟"، فقد كان في السوق كثير من النساء اللواتي يبعن الغزل، وأكثرهن يحملن اسم فطيم.
وتدل الحكاية على مشاركة المرأة زوجها في تأمين شروط الحياة، كما تدل على عمل نساء كثيرات في هذه الحرفة اليدوية السهلة، التي يمكن أن تمارسها في بيتها، إذ تغزل القطن بمغزل، وهو أداة مخروطية الشكل، فتحول أكوام القطن إلى خيوط، تستعمل فيما بعد في النسيج، وتدل الحكاية على نظرة تجار القطن في السوق إلى النسوة اللواتي كن يعملن في هذه الحرفة، فهن في نظرهم كثيرات ومتشابهات ولا تمايز بينهن، يؤكد ذلك تصغير اسم فاطمة إلى فطيم، ويؤكد ذلك أيضاً صيغة المثل الذي تتنهي بها الحكاية:"مني فطيم بسوق الغزل؟!" أو "كم فطيم بسوق الغزل!!"، وهو في الواقع جواب التاجر عن سؤال الزوج عن زوجته فاطمة.

حكاية الندّافة:

وثمة حكاية عن اضطرار المرأة إلى العمل، أو إجبارها عليه، وهي عن امرأة كان زوجها يضطرها إلى العمل في ندف القطن، فهو فقير، ولا عمل له، وفي رواية أخرى هو كسول، وكان يأتيها كل يوم بكيس من القطن في الصباح، فتندفه، بفصل البذور عن القطن، ولم تكن يومئذ المحالج قد عرفت، وبعد العصر يعود به إلى صاحبه، ويأخذ أجرة ندفه، وهو لا يعمل شيئاً، وإذا تأخرت يوماً عن إنجاز الكمية ضربها بالعصا، فكان عليها أن تعمل في ندف كيس القطن، والعمل على إعداد الطعام، حتى ضجرت منه ومن حياتها، وشكت أمرها إلى جارتها، فدلتها على طريقة للتخلص من شقائها، وعملت بما نصحت لها، إذ صنعت العجة، وأخذت تقليها بالزيت في الفناء وراء باب الدار، ولما وصل شم الرائحة، وكان يحب العجة، فقرع الباب فلم تفتح، فأخذ يصيح، واجتمع الجيران، فاشترطت عليه ألا يضربها بعد اليوم، وأن يساعدها في ندف القطن، كي تتمكن من إعداد الطعام وتنظيف المنزل، فوافق على ذلك أمام الجيران.

وتدل الحكاية على مشاركة المرأة زوجها في تحمّل أعباء الحياة، بسبب الفقر، وهي تعمل مضطرة، إذ يضطرها إليه زوجها، وهذا دليل على حالة العجز التي وصل إليها هو نفسه، لا لكسل، ولكن عن قهر، لأنه لا يجد عملاً، والحكاية لا تصرح بذلك، ولكنها تكشف عنه، وتؤكده من خلال النهاية، إذ يوافق على مساعدة زوجته والتوقف عن ضربها.
ويظهر من خلال الحكايات القليلة عن عمل المرأة في بعض الحرف أن المرأة كانت تشارك الرجل في العمل، لمواجهة مصاعب الحياة، وكانت في بعض الحكايات تُجْبَر على العمل وتضطر إليه، وفي بعضها الآخر تبادر إلى العمل لصنع الخلاص وتحقيق الذات، ويبدو غزل القطن ونسجه الحرفة الأكثر بروزاً في حكايات النساء، وهي الحرفة اليدوية السهلة، والتي لا تحتاج إلى أدوات كثيرة، ويمكن أن تمارسها المرأة في المنزل، بما يتفق وعادات المجتمع العربي.

رابعاً ـ توظيف الحكاية:

توظف أكثر الحكايات الحرفة للتعبير عن قيمة عليا، وتبدو الحرفة مجرد وسيلة للتعبير عن فكرة ما أو قيمة، وليست مقصودة لذاتها، وهي قليلة.

حكاية للملك قرون:

ومن ذلك على سبيل المثال حكاية عن ملك كان له قرنان في رأسه، وكان يغطيهما بتاج الملك، وإذا أراد أن يحلق رأسه، دعا إليه الحلاق، فاختلى به، ثم يأمر السياف بقطع رأسه، وظل على هذه الحالة مدة، حتى خشي أن يفتضح أمره، فدعا إليه حلاقاً ثم أوصاه ألا يذيع السر، وذهل الحلاق لما رأى، ثم حاول أن ينسى ما رأى، ولكن أمر القرنين ظل يشغله، فمضى إلى بستان، ومر بصفّ من شجر القصب، فمال عليه وأخذ يهمس: "للملك قرون، للملك قرون"، ورجع إلى البيت مرتاح النفس، ولكن ما إن صار أمام داره، حتى رأى الحرس في انتظاره، وساقوه على الفور إلى الملك، فأمر السياف بضرب عنقه، لأن المدينة كلها تذكر القرون، فأقسم أنه لم ينطق بما رأى إلا مرة واحدة أمام القصب، فأمر الملك أحد وزرائه أن يذهب على الفور إلى حيث القصب، ورجع الوزير ليخبره أن القصب يميل بعضه على بعض، ويهمس: "للملك قرون، للملك قرون"، وعندئذ أدرك الملك أنه لا ذنب للحلاق، وأن سره لابد منكشف، فعفا عنه، وظهر للناس بقرنيه.

وتدل الحكاية على متاعب حرفة الحلاقة، وهي حرفة تجعل الحلاق على صلة بالناس، وهو مضطر إلى الحديث معهم ومحاورتهم، ويُعْرَف دائماً بأنه ثرثار وفضولي، يتعرف إلى كل زبون، ويعرف عنه كل شيء، وهو الموصوف على العموم بهذه الصفة يطلع على سر كبير وخطير، ويطلب منه أن يحفظه وألا يبوح به لأحد، وهنا تحدث المفارقة، ولذلك يضيق بالسر ذرعاً، ويضطر إلى البوح به للطبيعة، وعندئذ يذاع السر، مما يعني أن من طبيعة الأمور ألا يحفظ السر، وأنه من الطبيعي أن تعرف الحقائق وتكشف مهما سترت. وقد وظفت حرفة الحلاقة في الحكاية خير توظيف للتعبير عن قيمة نفسية اجتماعية وهي أنه لا يمكن كتم السر أو ستر الحقائق مهما طال الزمن، ولا بد من انكشافها. كما تدل الحكاية على ما في حرفة الحلاقة من مصاعب، إذ يطلع الحلاق على حقائق إنسانية، وعليه أن يكتمها.

الحلاق والوفاء للصديق:

وثمة حكاية أخرى عن حلاق، تم توظيف الحرفة فيها للتعبير عن قيمة عليا، وهي الوفاء للعهد والصداقة، وهي عن حلاق كان يتناول طعام الغداء في دكانه، فدخل عليه رجل غريب، سلم عليه، فرد السلام، وما دعاه إلى الطعام، ثم قص له شعره، وقبل أن يخرج الغريب سأله عن سبب عدم دعوته إلى الطعام، فأجابه بأنه لا يريد أن يكون بينهما خبز وملح، لأن هذا يقتضي الوفاء، ثم أخذ هذا الغريب يتردد كل يوم على الحلاق، وذات يوم اشترى الغريب طعاماً، وأحضره معه إلى دكان الحلاق، ودعاه إلى مشاركته، وهكذا نشأت الصداقة بينهما، ثم طلب من الحلاق أن يساعده على استئجار دار، وفي يوم آخر طلب منه أن يساعده على خطبة امرأة رآها خارجة من إحدى الدور، فطلب منه الحلاق أن يسير معه إلى موضع الدار ليرسل، وإذا بالغريب يسير به إلى داره، ويصف له ملامح المرأة، وإذا هي زوجته، ويبادر الحلاق إلى طلاق زوجته، ثم يذهب إلى أهلها بعد انقضاء العدة، ليخبرهم برغبة رجل في خطبتها، ويتم زواجها منه، وهو صديقه الغريب، وتمر الأيام والشهور، والصداقة قائمة بين الرجلين، والغريب لا يعرف من الأمر شيئاً، وكان للحلاق ولدان صغيران ضمتهما الأم إليها لتربيتهما، ثم أخبر الغريب صديقه الحلاق أنه عائد إلى بلده، وخرج الحلاق لوداع صديقه، فرآه ولداه، وصاح كل منهما:بابا، بابا، وعندئذ عرف الغريب الأمر، فطلق الزوجة، وعادت إلى زوجها الحلاق. وتذكر رواية أخرى أن الحلاق اعتذر عن الخروج لوداع صديقه، ومرت الأيام اكتأب فيها الحلاق، وضاق به العيش، فارتحل يطلب الفرج، ونزل في مدينة قصد فيها أحد المتاجر، وإذا صديقه هو نفسه صاحب المتجر، فرحب به، ثم دخل عليه ولداه، فعرفاه، وعندئذ عرف الرجل أن صديقه الحلاق طلق زوجته لأجله، ودعاه إلى الزواج من أخته.

وليست الحرفة موظفة في هذه القصة لذاتها، وإنما هي موظفة للتعبير عن قيمة وهي الوفاء للصديق، وقد ألزم الحلاق نفسه بأكثر مما هو ملزم به، لا بحكم الحرفة، وإنما بحكم الصداقة، ولاسيما المشاركة في الخبز والملح، أي المشاركة فيما يكوِّن جسد الإنسان وروحه، ولكن لماذا اختارت الحكاية حرفة الحلاق ولم تختر غيرها؟ يمكن تعليل ذلك بطبيعة الحرفة التي تقوم على الاتصال بالناس والتعرف إليهم واستمرار العلاقة بين الحلاق والزبون. ولا تخلو الحكاية في الواقع من مبالغة، ولها دلالات أخرى كثيرة منها الظلم الذي يقع على المرأة، إذ تظهر لا قرار لها ولا دور، يطلقها زوجها وقت يشاء من غير مبرر.

حكاية الحطاب والفأس الذهبية:

ومن الحكايات الموظفة للحرفة للتعبير عن قيمة حكاية الحطاب والفأس الذهبية، وهي عن حطاب فقير، كان راجعاً من الغابة، وفأسه على كتفه، وبينما هو يسير بجوار النهر، زلت قدمه، ووقعت الفأس في النهر، فأخذ يلطم وجهه ويبكي، فخرج له من النهر عفريت يحمل فأساً ذهبية، سأله إن كانت الفأس له، فأجابه:لا، فغط العفريت في النهر ثم خرج يحمل فأساً فضية، وسأله إن كانت فأسه، فأجابه، لا، ثم غط وخرج يحمل فأساً حديدية، فسأله إن كانت فأسه، فأجابه نعم، فأعطاه الفأس، ونبهه إلى أنها تنطلق وحدها، وتقطع أعتى الأشجار، وهكذا عاد الحطاب بحمل كبير من الحطب، حمله إلى التاجر الذي كان يشتري منه كل يوم ما يجمع من حطب بثمن بخس، وأخذ كل يوم يحضر له مرة أو مرتين وربما ثلاث مرات مثل هذا الحمل، ودهش تاجر الحطب من وفرة حظ هذا الحطاب، وألح عليه بالسؤال، فاعترف، فحمل التاجر فأساً ومضى بها إلى النهر، وألقاها، وخرج العفريت يرفع بيده فاساً حديدية، وسأله: هل الفأس لك؟ فأجاب:لا، ثم غط، وخرج يحمل فأساً فضية، وسأله عنها إن كانت له، فأجاب لا، وغط العفريت في النهر، وخرج يحمل فأساً ذهبية، وسأله إن كانت الفأس له، فأجابه التاجر:نعم، وغط العفريت في النهر، ولم يخرج.

وتكشف هذه الحكاية عن قيمة الصدق، كما تدل على قيمة العمل باليد وتفضيله على التجارة، وتدل على صدق العامل، وكذب التاجر، وهي تنتصر للبيئة الطبيعية على مجتمع المدينة، ففي الطبيعة العمل والصدق، وفي المدينة التجارة والكذب. والحكاية توظّف حرفة الحطاب للتعبير عن قيمة عليا وهي الصدق، وتبدو الحكاية مناسبة للتعبير عن هذه القيمة العليا، لأن مهنة الحطاب مرتبطة بالطبيعة الحية والطبيعة لا تعرف الكذب والخداع، ولذلك تبدو مهنة الحطاب مناسبة لتوظيفها للتعبير عن قيمة الصدق.

دقة بدقة لو زدتها زادها السقا:

وثمة حكاية تحث على العفاف والتقوى، وتحذر من استغلال طبيعة الحرفة في أمور مشينة، وتؤكد أنه كما تدين تدان، وأن على المرء أن يصون أعراض الآخرين، كي يصون الله عرضه، وهي توظف حرفتين للتعبير عن هذه القيم والمعاني، وهي عن شاب يعمل أجيراً عند جزار، وتقتضي طبيعة عمله أن يكون عفيفاً، إذ ينقل اللحم إلى المنازل، وغالباً ما تتناول منه اللحم سيدة في البيت أو ابنتها، وذات يوم فتحت له صبية الباب ومدت يدها للتناول اللحم، فقرصها في زندها، ورجع في المساء إلى البيت، فوجد أخته مكئتبة، فسألها عما بها، فطلبت منه أن يحضر لها الماء إلى البيت بنفسه، وألا يوصي السقاء بذلك، ولما سألها عن السبب أخبرته أن السقاء قرع الباب ففتحته ومدت يدها لتتناول منه الدلو، فقرصها في زندها، فغمغم في نفسه، وقال: دقة بدقة، ولو زدتُها زادها السقّا.

والحكاية ذات طابع تربوي توجيهي غايتها الوعظ، وهي تتخذ من حرفتين اثنتين وسيلة لتحقيق هدفها، ولكنها تدل بصورة غير مباشرة على طبيعة حرفتين اثنتين وهما حرفة السقاء وحرفة أجير الجزار، وكلتا الحرفتين تضعان العامل فيهما على تماس مباشر مع المرأة وهي في بيتها، مما قد يعرضها لتماس مباشر مع الرجل. وتبدو الحرفتان موظفتين توظيفاً ناجحاً لحمل الفكرة والهدف، وليستا مقصودتين لذاتهما.

ولعل معظم الحكايات قد صيغت للتعبير عن قيمة، ولتحقيق هدف، ومن الممكن تفسير كل حكاية على أنها توظف الحرفة للتعبير عن قيمة، لأن معظم الحكايات، وربما كلها، تروى من أجل هدف أخلاقي، ومن أجل قيمة، ولكن في بعض الحالات تبدو الحكاية لا غاية لها سوى التعبير عن القيمة، وتبدو الحرفة موظفة فقط لحمل هذه القيمة، وليس مقصودة في ذاتها، على نحو ما تقدم في الحكايات الأربع السابقة.

خامساً ـ حكايات الانتقاص:

وثمة حكايات تبخس الحرفة قيمتها، وتقلل من أهميتها، وتصور ما فيها من جوانب سلبية، وهي حكايات نادرة، وهذا الانتقاص راجع في الواقع إلى طبيعة الحرفة، وما قد يكون فيها من أساليب الغش، وأبرزها حرفة الجزار، ولعلها الحرفة الوحيدة التي نالها الانتقاص.

الجزار يغش نفسه:

ومن أشد الحكايات انتقاصاً لحرفة الجزارة حكاية عن أربعة أصحاب كانوا على سفر، ونزلوا في مدينة فدخلوا إلى محل شواء، وكان أحدهم جزاراً، فقال لأصحابه:"أنا سأطلب من الشواء اللحم، وسأقف أمامه أرقبه وهو يقتطع اللحم قبل فرمه، لأنه لا يستطيع أن يغشني"، ولما الشواء هم بقطع قطعة من اللحم، قال له:"بل اقطع من هنا"، ثم تدخل مرة ثانية، وثالثة، فسأله الشوّاء:"هل أنت جزار؟"، فأجابه:"نعم"، فقال له:"تفضل، اقطع بنفسك من اللحم ما تشاء"، ثم أخلى له موضعه، وأعطاه السكين، وإذا بهذا الجزار يقتطع مواضع من اللحم مناسبة للشواء، ولكنه فجأة أخذ يقتطع من مواضع من اللحم غير مناسبة، فيها عصب ودهن وشحم، فدهش الشواء، وسأله لماذا فعل ذلك، فأجابه:" هذه هي مهنتي، ومن طبعي أن أغش، وإذا لم أجد من أغشه غششت نفسي".

تدل الحكاية على امتهان حرفة الجزار، وما يكون فيها من غش، وتؤكد أن الغش هو جزء لا يتجزأ من طبيعة الحرفة ولوازمها، حتى غدا الغش من طبع صاحبها الذي يعتاد عليه حتى لا يستطيع منه فكاكاً. وكثيراً ما تروى هذه الحكاية، ويؤكد راويها أنه سمعها من فلان ويذكر اسمه وأنه كان مع صحبه في سفر وكان معه فلان الجزار ومحله معروف في الحي الفلاني، وهو ما يمنح الحكاية صدقها الوقائعي.

زوجة الجزار:

وتشبه الحكاية السابقة حكاية عن جزار كان يعنى بزبونة يعطيها من اللحم أفضل ما عنده، ويحرص على إرضائها، ولا يحاول غشها، ولاحظ زبائنه ذلك، فسأله أحدهم عن سر العناية بها، فأجابه بأن زوجها جزار مثله، وهي لا تطبخ مما يحضر لها من لحم، لأنها لاتثق به.

وتدل الحكاية على انتقاص حرفة الجزار، وهي لا تخلو من مبالغة، ولكنها ذات دلالة، وتدل على أن الغش عند الجزار ليس حالة فردية، إنما هو ظاهرة عامة، وهو من لوازم الحرفة.

الجزار والسكين:

وثمة حكاية عن جزار جاءه زبون لشراء اللحم، فأخذ يطلب منه أن يقتطع جزءاً من هنا، وجزءاً من هناك، وبعد أن اقتطع الجزار قطعة كان الزبون قد أشار إليها بنفسه، قال له:"لا أريدها، اقتطع غيرها"، واستجاب الجزار لطلبه، ولكن الزبون ألح عليه أيضاً باقتطاع قطعة أخرى بدلاً من غيرها، فضجر الجزار، فرفع يده في وجه الزبون، وصاح به، وكانت السكين بيده، فوقع الرجل على الأرض فوراً ميتاً، من غير أن تمسه السكين بخدش. وتدل الحكاية على انتقاص غير مباشر لحرفة الجزارة، لا بسبب الغش، فحسب، بل بسبب ما يكون فيها من ذبح الحيوان وإراقة الدم وتقطيع اللحم وفرمه، وهو ما يجعلها متعلقة بالعنف، ويؤكد ذلك أن الجزار بريء، فقد استفزه الزبون، ودفعه إلى الغضب، ولم يكن وجود السكين في يده عن قصد، إنما هو بحكم الحرفة، كما أنه لم يستعمل السكين، ولم يصب بها الرجل، ولكن طبيعة الحرفة اقتضت وجودها بيده، وكان ما كان. ويبدو واضحاً ندرة الحكايات التي تنتقص الحرفة، أياً كانت، ولكن تبدو الجزارة استثناء، فهي الحرفة الوحيدة من بين الحرف التي نالها الانتقاص، بسبب طبيعتها الداخلية.

سادساً ـ حكايات اللاحرفة:

وثمة حكايات تتحدث عن أناس لا حرفة لديهم ولا عمل، وتؤكد أهمية امتلاك الحرفة، وهي حكايات نادرة.

حكاية السبع والذئاب:

ومن الحكايات التي تؤكد أهمية الحرفة حكاية السبع والذئاب، وهي عن رجل كان عنده ولد وحيد، لم يفلح في الدراسة، ولم يتعلم أي حرفة، فاشترى والده حماراً، وحمّله بأقمشة وحليّ وأساور، وطلب منه أن يطوف بالقرى ليبيع هذه البضاعة، فانطلق الولد، وهو متأفف، ولما صار خارج البلدة، أخذ منه التعب، فاستراح في ظل شجرة، وبينما هو بين النوم واليقظة، رأى سبعاً يفترس غزالاً، يأكل منه ما يأكل ثم يتركه، وتأتي الذئاب فتأكل ما تبقى، وعلى الفور رجع إلى والده ليقول له:" لماذا العمل؟، وقد رزق الله الذئاب من غير تعب"، فأجابه الأب:" أريد أن تكون مثل السبع يأكل الناس من خيرك، أفضل من أن تكون مثل الذئاب تأكل من فضلة غيرك".

وتدل الحكاية على خطورة فقدان الشباب للحرفة، إذ تودي بهم إلى العجز والكسل، وتقودهم إلى التواكل، وفقدان الطموح، وهي تؤكد بشكل غير مباشر قيمة العمل، فمن غير عمل لا تستقيم الحياة.

حكاية ابن الحرامي:

وثمة حكاية تؤكد أهمية الحرفة في حياة الإنسان، وتشير إلى أن التربية الصالحة هي خير ما يسد الفراغ في حال غياب الحرفة، وإن كانت لاتغني عنها، وهي عن ولد تُوُفِّيَ أبوه، فوضعته أمه في الكتاب، ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن، ثم إن الشيخ جمع الشيخ تلاميذه، وقال لهم:"علمتكم القراءة والكتابة، وساعدتكم على حفظ القرآن، وفهم الأحكام، فليذهب الآن كلٌّ منكم في حال سبيله وليعمل في حرفة أبيه"، وأسرع الولد إلى أمه يسألها عن حرفة أبيه، ففتحت صندوقاً فيه حبال وكومة مفاتيح، وقالت له: "أبوك كان لصاً يتسلق الجدران، وينزل في البيوت بعد أن ينام أهلها، فيسرقهم أموالهم"، وبعد منتصف الليل حمل الولد الحبل والمفاتيح، وأخذ يطوف في الأزقة، ثم رأى بيتاً فرمى الحبل، وتسلق الجدار، ونزل إلى الفناء، ودخل إلى إحدى الغرف، فوجد خزانة، فتحها، فوجد فيها أموالاً طائلة، فأخذ يعدّها ويحسب ما يجب عليها من زكاة، ثم سمع أذان الفجر، فخرج إلى فناء الدار ونادى إلى الصلاة، فخرج إليه صاحب الدار، وسأله من يكون، فحكى له الولد قصته، فأدرك الرجل براءته ونقاءه، وزوّجه من ابنته.

والحكاية تؤكد حاجة الإنسان إلى حرفة، وإذا لم تكن له حرفة انحرف وضل، والتربية الصالحة لهذا الغلام حمته من الانحراف على الرغم من انحراف والده، ولكن لا بد للإنسان في المحصلة من حرفة، ففيها حياة الإنسان، وبها تتحق ذاته، ويتأكد معنى الحرية.

سابعاً ـ خصائص الحكاية.

يتضح مما تقدم قلة الحكايات عن الحرف اليدوية، ولا سيما إذا حدد معنى الحرفة بدقة، وهي العمل الذي يقتضي من صاحبه استعمال أداة في عمله، كالجزار والحداد والخياط والحلاق والنساج والنداف والغزال، وبهذا التحديد تستبعد مهن كالمعلم والقاضي والطبيب والتاجر والأمير والوزير والسلطان، ولذلك تستبعد حكايات كثيرة عن هذه الشخصيات، وهي أكثر من حكايات الحرف اليدوية، ويلاحظ أن أكثر الحكايات التي تحدثت عن الحرف لم يكن قصدها الحرفة بحد ذاتها، إنما كان قصدها في المقام الأول هو المغزى الفكري، والقيمة التي يمكن أن تمثلها الحرفة، أو يمكن أن تحملها الحرفة في داخل الحكاية، وهذه هي طبيعة الحكايات بصورة عامة، ولكن مع ذلك أمكن الوقوف عند عدد قليل من الحكايات كانت الحرفة فيها ذات دلالة بحد ذاتها، وقد تبين أن أكثر الحكايات تمجد الحرفة، حتى إن بعض الحكايات تحذر من غياب الحرفة، وتحث على امتلاك حرفة ما، وقد برز واضحاً في عدد من الحكايات عمل المرأة ولاسيما في غزل القطن، وكانت بعض الحكايات تصور عملها سبيلاً للخلاص وتحقيق الذات.

ويلاحظ الطابع الجدي على أكثر الحكايات المتعلقة بحرفة، وهي على الأغلب ذات نهايات سعيدة، وقد غاب عنها المرح، وتبدو نادرة جداً الحكايات الساخرة التي تتعلق بالحرفة، عدا حكايات جحا ونوادره المعروفة، وهي مستقلة بذاتها ومتميزة.
حكاية الليرة ورائحة الشواء:

ولعل من الحكايات الساخرة على قلتها حكاية الليرة ورائحة الشواء، وهي عن فقير وقف أمام شواء، وأخذ يأكل كسرة رغيفه اليابس، وهو يأتدم بما يشم من رائحة الشواء، ولما هم بالانصراف، طالبه الشواء بثمن ماشم من رائحة، وما كان من الفقير إلا أن أخرج ليرة، ورماها على مصطبة حجرية أمام الشواء، وهو يقول له: استمع إلى رنين الليرة فهو ثمن رائحة الشواء.
والحكاية قائمة على دعابة من الشواء، فهو لا يطالب الفقير بثمن الرائحة على سبيل الحقيقة، وإنما على سبيل المداعبة، وتكتمل هذه المداعبة بجواب ذكي من الفقير، فشم الرائحة، يقابله سماع الرنين، وفي هذا مقابلة واتفاق وتكامل، ويدل الجواب على ذكاء في الإجابة وسرعة البديهة، ولعل في هذا ما يزيد من مأساة الفقير، فما هو بغبي، وإنما هو ذكي، ولكن ذكاءه لم يساعده على نفي الفقر عن نفسه، وهذه ضريبة معظم الأذكياء على مر العصور، ممن لا يتحول ذكاؤهم إلى مكر وخبث.

حكاية الخزاف والعصا:

وتبدو معظم الحكايات متعلقة بالحلم وآملة بخلاص أسطوري، وهو طابعها العام، ومن الحلم المؤلم حكاية عن خزاف كان يجهد في عمل الجرار، وقد صفها على رف وراء رأسه، وذات يوم سرح به الخيال، فقد تجمع لديه عدد كبير من الجرار، وأخذ يحلم ببيعها، فقد آن له أن يختار شريكة حياته، وسيعيش معها ولو في بيت صغير متواضع، عسى أن يرزق منها بولد، ليربيه خير تربية، وإذا ما عصى أمره فلا بد من أن يضربه، ويحمل عصا إلى جواره، ويلوح بها بعنف، فتسقط على رأسه نثائر من فخار محطم، فقد أصابت العصا الجرار المصفوفة وراء رأسه.

وتدل الحكاية على بؤس تلك الحرفة، وفقر صاحبها، وما يعيش فيه من حلم، يمكن أن تطيح به أي هفوة، تتحطم معها الأحلام.

حكاية الصياد والجني:

ومن الحكايات التي ترى الخلاص عن طريق قوى خفية أسطورية حكاية عن صياد فقير، توجه ذات يوم كعادته إلى البحر، وفي الطريق مر ببائع فاكهة، فعرض عليه سلة من الفاكهة، فاعتذر لأنه لا يملك ثمنها، ولكن البائع ألح عليه فأخذها ومضى إلى البحر، وألقى شباكه، ثم سحبها وإذا فيها عفريت، توسل إليه أن يطلقه وأن يحضر له كل يوم سلة مثلها، مقابل ليرات ذهبية، وأخذ الصياد يأتي كل يوم بسلة الفاكهة ويقف عند ساحل البحر وينادي العفريت ليعطيه السلة مقابلها ليرات ذهبية، وهكذا تحسنت حال الصياد، وعاش في بحبوحة، وشعرت زوجته بالتغير، فألحت عليه لمعرفة السر، فباح به، وحدثت المرأة جاراتها، وذات يوم ذهب إلى ساحل البحر، ونادى العفريت، ولكن ما من مجيب.

ويبدو الخلاص في القصة أسطورياً جاء عن طريق العفريت، لا عن طريق الحرفة، وهو نوع من الحلم، يعيشه الصياد الفقير، ويحاول التخلص به من فقره، ولكن لاخلاص، وتظل حرفة الصيد مرتبطة بالفقر والحلم، وتبدو الحكاية في الظاهر وهي تتهم المرأة وتدينها، ولكنها في الحقيقة تقدم المرأة بوصفها الاستيقاظ على الواقع من الحلم الخادع.
وبصورة عامة لم تعن الحكايات بوصف أي حرفة، ولا تصوير أدواتها، أو طريقة العمل فيها، ولم تشر إلى متاعبها ومشكلاتها، وهذه هي طبيعة الحكايات الشعبية بصورة عامة، فهي لا تعنى بالتفاصيل، ولا تهتم بالجزئيات وإنما تكتفي بالخطوط العريضة، ولا تقدم إلا ما يخدم هدفها بصورة مباشرة.

ومن الصعب في الحقيقة تحديد زمن الحكايات أو بيئتها، فقد تحكي عن عالم البحار، ولكن راويها من عالم البر، لأن الحكاية لا مكان لها ولا تاريخ، وهي سريعة التداول والانتقال، وهي كثيرة التحوير والتغيير، فليس لها صيغة ثابتة، ولا رواية واحدة، فالروايات متعددة ومتداخلة، ولكن تبقى هناك عناصر مكونة ثابتة تتكرر وهي النمط الأساس أو ما يسمى الموتيفات.

ثامناً ـ الحكايات وقيم الإسلام:

وتبدو أكثر الحكايات ممثلة لقيم اجتماعية عالية تتفق مع الإسلام، ولاسيما مع آيات كثيرة من القرآن الكريم تحث على العمل، وتؤكد قيمته، كما تؤكد قيمة عمل المرأة والرجل سواء بسواء، يقول عزّ وجل في محكم التنزيل: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ] (سورة آل عمران الآية 195). وقد أشار المولى تعالى في القرآن الكريم إلى أن نوحاً عمل في بناء السفينة، [وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) (سورة هود الآية 36 ـ 38) وقد أشار تعالى إلى ذي القرنين وذكر أنه ساعد على بناء السور وصب عليه الحديد المذاب والقطران، قال تعالى عن ذي القرنين:"قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) (سورة الكهف الآيات 95 ـ 96) وأشار تعالى إلى داود وسليمان وكانا يعملان في الحدادة ويصنعان القدور وزرد الحديد، يقول تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ (13) (سورة سبأ ـ 10 ـ 13).

وقد وظف المولى عز وجل في القرآن الكريم مفهوم التجارة، وهي مهنة، وليست حرفة، لتحمل فكرة التقوى والإيمان والعمل الصالح، فقال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13)" (سورة الصف، الآيات 10 ـ 13). والغاية من هذا التوظيف تقدير هذه المهنة، بوصفها المهنة الأولى في الحياة الاقتصادية لدى العرب في العصر الجاهلي، فعليها مدار حياتهم، ولعلها عندهم توازي الرعي في الأهمية، وبعد هذا التقدير القائم على مخاطبة الناس بأعز ما عندهم، تأتي دعوتهم إلى تجارة أخرى، من نوع آخر، أسمى وأرقى، وما هي في حقيقتها بتجارة، وإنما هي موقف جديد من العالم، قوامه الإيمان بالله، والعمل الصالح والتقوى.

كما تتفق الحكايات في موقفها من الحرف اليدوية مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ". وجاء في سنن أبي داوود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ"، وجاء في صحيح البخاري عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ"، وقد عمل هو نفسه في رعي الغنم وفي التجارة وكان يجمع الحطب حين يخرج مع صحبه وفي غزوة الخندق عمل بنفسه في حقر الخندق. وجاء في الحديث الشريف توظيف المهنة لتحمل فكرة أو قيمة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:" مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً". وتلاحظ في الحديث الدقة في التوظيف، فقد وظف الحديث مهنة بيع العطر لتحمل فكرة الصاحب الصالح الذي يفيد صاحبه، في حين حمل كير الحداد، وهو موقد النار، فكرة صاحب السوء، ولم يحملها الحديث الشريف للحداد نفسه، وهذه دقة في التعامل مع حرفة الحدادة، ففكرة صاحب السوء لم يحمِّلها الحديث للحداد وإنما حملها للكير.

وفي رواية أخرى للحديث يحملها لنافخ الكير، ونص الرواية: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". ونافخ الكير ليس في المنزلة كالحداد.

وهذا يدل على أن الحكايات متفقة بصورة عامة مع قيم الإسلام ومفهوماته حول العمل، بل إن بعض الحكايات والأمثال تبدو مستوحاة من بعض الآيات أو الأحاديث، وإن كان الأمر في الحكايات لا يخلو من بعض الاستثناءات، لأن الحكايات تعبّر عن المجتمع لا عن الفكر والدين، وليس في حياة المجتمعات ماهو مطلق أو حتمي أو كلي الشمول، وإنما هناك قدر ما من العام المشترك الذي لا يخلو من المختلف.

تاسعاً ـ الحكايات الشعبية والتراث الشعبي

وتتفق الحكايات أيضاً مع بعض ماجاء في التراث من حكايات عن الحرف، ومنها حكاية تدل على انتقاص بعض الحرف، كحرفة الحجام والطباخ، وقد رويت الحكاية على النحو التالي:

حكاية ابن الطباخ وابن الحجام:

"قيل: أخذ العسس رجلين فقال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره


وإن نزلت يوما فسوف تعود
فمنهم قيامٌ حولها وقعود


وقال الآخر:

أنا ابن من تخضع الرقاب له أنا
تأتيه بالذل وهي صاغرة


ما بين مخزومها وهاشمها
يأخذ من مالها ومن دمها

فظنوهما من أولاد الأكابر، فلما أصبح سأل عنهما، فإذا الأول ابن طباخ والثاني ابن حجام".
وبقدر ما تدل الحكاية على ذكاء الغلامين، فإنها تدل على امتهان العسس أو رجال السلطة الحاكمة لهاتين الحرفتين، وقد وصف كل من الغلامين حرفة أبيه بألفاظ لا تخلو من تورية، تصف القريب ولكنها تريد البعيد، وهو وصف يدل على ذكائهما، وفي الحكاية انتقام من رجال السلطة الحاكمة التي لا تفهم ذلك الوصف، ولا تقدر ذلك الذكاء، وكأن الحكاية تدلل على غباء أولئك الرجال، في مقابل ذكاء الغلامين ولدي الطباخ والحجام بالذكاء. وتتفق الحكايات أيضاً في مفهوماتها وقيمها ومعانيها مع كثير من الأمثال الشعبية، ويمكن تصنيف الأمثال على النحو نفسه الذي صنفت به الحكايات، وفيما يلي مسرد تصنيفي للأمثال الشعبية المتعلقة بالحرف اليدوية:

أمثال تمجد الحرفة:

أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.
أعط خبزك للخباز ولو أكل نصفه.
شغل المعلم بألف ولو شلفه شلف.
صنعة في اليد أمان من الفقر.
العبادة ما هي بين القيقان، العبادة بين السيقان
الله بارك في التجارة والنجارة.
ما كل من صف صواني صار حلواني.
أمثال المرأة:
الشاطرة بتغزل على عود والعاجزة تقول مغزلي معووج.
أمثال التوظيف الحرفة لحمل فكرة:
لولا الكاسورة ما عمرت الفاخورة.
حمامي فتح أقرع عبر.
حنطة غيرك لا تحضر كيلها تتغبر ذقنك تتعب بشيلها
الذي بده يصير جمال لازم يعلي باب داره.
زامر الحي لا يطرب.
الصياد بيتقلى والعصفور بيتفلى.
كثير الكارات قليل البارات.
كل قمحة مسوسة ولها كيال أعور.
لا تبيّض فرايغ ـ
لا تبيع المي بحارة السقايين.
لاتقول للمغني غني ولا للرقاص ارقص.
أمثال انتقاص الحرفة:
ثلاثة لا تقبل شهادتهم الحلاق والحميماتي والذي يحلف بالطلاق.
إذا أفلس التاجر دوّر على الدفاتر القديمة.
اركض ركض الوحوش، غير رزقك لا تحوش.
إذا قلت للحداد اقرض لي إصبعي قال لك أعطيني أجرتي.
إسكافي وحافي.
الجزار إذا ما غش أحد غش نفسه.
الجزار ماله صاحب.
من جاور الحداد احترق بناره، أو احترقت دياله.
نجار وبابه مخلوع.
اسأل مجرب ولا تسأل حكيم (طبيب).
الله لا يحيجنا لا لحاكم ولا لحكيم(طبيب).

ولا تختلف الأمثال في طبيعتها عن الحكايات وفي أنواعها، ولكنها تشير إلى حرف أكثر، كإشارتها إلى الخباز والإسكافي واالمبيض والحمامي والكيال وغيرهم من أصحاب الحرف، وهناك أيضاً أمثال أكثر تتعلق بالمهن، كالقاضي والمعلم والأمير والوزير والملك، ولكن لا سبيل لذكرها هنا.

وإذا دل هذا على شيء فهو يدل على وحدة الرؤية الشعبية إلى الحِرَف اليدوية، وتمكاسك هذه الوحدة، وصدورها عن قيم واحدة، وتعبيرها عن مفاهيم واحدة، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض الاستثناءات، ولكن المتفق أكثر من المختلف، فالمختلف نادر جداً، ومن ذلك مثلاً اتهام حرفة الحلاق في مثل واحد، في حين تمجد هذه الحرفة أكثر من حكاية.

عاشراً ـ خاتمة

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن تصنيف الحكايات إلى حكايات تمجد الحرفة وأخرى تنتقصها وثالة تتخذها مجرد وسيلة للتعبير عن فكرة هو مجرد تصنيف شكلي من أجل الدراسة، وهو لا يخلو من تعسف، وتبقى الحكايات أكثر غنى من أن تصنف تحت بضعة أنواع، وهي في تداخلها وتواشجها أكبر من أن يعزل بعضها عن بعضها الآخر، ولكن لا بد في أي الدراسة من التصنيف. ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن الحكايات الشائعة في أقطار الوطن العربي متشابهة إلى حد كبير، ولا تختلف إلا في قليل من الجوانب، وغالباً ما يقوم هذا الاختلاف على تقديم عنصر وتأخير آخر، أو إضافة عنصر، وحذف آخر، وهو ما يؤكد على الأغلب وحدة الحكايات في الوطن العربي، وقد اكتفى البحث بحكايات من بلاد الشام، ولا سيما مدينة حلب وريفها وهي موطن الكاتب. ومعظم ما ورد في البحث من حكايات، عدا ما تم توثيقه، هو مما سمعه الباحث عن جدته لأبيه السيدة عائشة مفلح وقد توفيت في مدينة حلب عام 1970 ولها من العمر خمسة وثمانون عاماً، وقد سمعها عنها مرات كثيرة، وكان له من العمر يوم وفاتها عشرون عاماً، وقد دوّن كثيراً من الحكايات، وتم نشر قسم منها في كتاب عنوانه:"من الحكايات الشعبية"، صادر عن وزارة الثقافة بدمشق، عام 1982، ضم ثلاثين حكاية، ثم تم نشرها كلها في كتاب عنوانه:"حكايات شعبية"، صادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1999، ويضم مئة وخمسين حكاية، وهي تتفق مع بعض الروايات وتختلف مع روايات أخرى مما يروى من حكايات في بلاد الشام وفي الوطن العربي بصورة عامة.

معظم ما ورد في البحث من حكايات، عدا ما تم توثيقه، هو مما سمعه الباحث عن جدته لأبيه السيدة عائشة مفلح وقد توفيت في مدينة حلب عام 1970 ولها من العمر خمسة وثمانون عاماً، وقد سمعها عنها مرات كثيرة، وكان له من العمر يوم وفاتها عشرون عاماً، وقد دوّن كثيراً من الحكايات، وتم نشر قسم منها في كتاب عنوانه:"من الحكايات الشعبية"، صادر عن وزارة الثقافة بدمشق، عام 1982، ضم ثلاثين حكاية، ثم تم نشرها كلها في كتاب عنوانه:"حكايات شعبية"، صادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 1999، وهي مروية في الكتاب بشكل موسع، مع تعليقات نقدية.
مروية أيضاً مع بعض الاختلاف تحت عنوان:"ابكي بالحالتين"،عند: طحان، سمير، وطحان، مروان، رزنامة حلب:ذاكرة شعبية، دار كنعان، دمشق، 2008، ص 531، وراويها:أم إبراهيم إسحق، 70 سنة، 1963.
وردت في روايتين مختلفتين عند: رمضان، محمد خالد، حكايات شعبية من الزبداني، مط.المجد، دمشق، 1977، ص 212، وص 215,

رواها لي الأستاذ نادر زعيتر، في مدينة حلب، في كانون الثاني عام 2011، وله من العمر خمسة وسبعون عاماً، وللحكاية رواية أخرى.

مروية أيضاً مع بعض الاختلاف تحت عنوان:"كون أسد"،عند: طحان، سمير، وطحان، مروان، رزنامة حلب:ذاكرة شعبية، دار كنعان، دمشق، 2008، ص 344ـ 245، وراويها: نعمان أجقباش، 71سنة، 1959.
رواها لي الأستاذ نادر زعيتر، في مدينة حلب، في كانون الثاني عام 2011، وله من العمر خمسة وسبعون عاماً، وللحكاية رواية أخرى.

صحيح البخاري - (ج 7 / ص 237) ورقم الحديث فيه، 1923 .
سنن سنن أبي داود - (ج 4 / ص 449)، ورقم الحديث فيه، 1398.
صحيح البخاري، (ج 5 / ص 248)، ورقم الحديث فيه،1338.
صحيح البخاري - (ج 7 / ص 287(، ورقم الحديث: 1959.
صحيح مسلم - (ج 13 / ص 73(، ورقم الحديث: 4762.

النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، ت. 733هـ، نهاية الأرب في فنون الأدب، تح. مفيد قمحية، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004، (ج 1 / ص 300).
الأمثال جميعها مما يحفظه الباحث، وهو من مواليد مدينة حلب عام 1949.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى