الأربعاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
من جهة البحر
بقلم موسى حوامده

سفينة الأسى

إلى الصديقة الشاعرة عبير زكي لمناسبة رحيل والدها

بأي كلمات أخاطبك، وقد نفدت كلها، وبأي صور فنية وشعرية أعبر لك عن حزني معك وإليك، وبأي بريق عينين ألتقيك، لنختلس لحظة هاربة من زعفران ثقيل وتافه؟؟ ما عدت أطيق كلمات الرثاء، وأنا أحس أن حرارة الفقد تلسعني، تلفح صدري، ما عدت أملك تعازي أقدمها، في محراب اللغة وهشاشة المعنى، وأي ريح تحمل سفينة الأسى، وقد غرقت في مياه النحيب، كلماتنا المبللة بندى شباط المتهاطل من عين الغيوم المتهالكة على وجه الطبيعة؟

ما أن تحركت فينا الشفقة، واقترب منا الحنين، حتى انكسر قوس قزح، قمنا نعزي الأشعة، بخيوط السماء المتلاشية، في انكسار الضوء، وتقاطع العتمة، فزاغ دعاء الوالدين ورضا الصعايلك الطالعين من كتب السيرة، وأيام تمضي ولا تتوقف يحسبها المتلهف سرابا، فإذا به عمر يتدلى من روزنا التاريخ، لا يتلكأ في المسير، إلا إذا فاجأته الزنازن وحيل الانتظار، هنا تكمن الفجيعة، متوردة الخدين، توزع الزنابق على العابرين وقطاع الطرق والمتصوفين اللاهين عن تقديس الطقوس.

لم يكن بد من ترويع الزهور، وكنس الهناء من أروقة السكينة، لم يكن مفر من تخويف العصافير، لكي لا تستقيم الزقزقة، وتسكب رنينها في أذن الصمت، ولم يكن هدف محدد للموت، سوى زعزعة أركان الطمأنينة، في غرف السهارى المترنحين، من ثقل الفقد والوجع، وما أن تهب نسائم الوحشة، تشتعل الجوانح باللوعة، تنهمر العبرات من جسد الفتنة، قطوفا دانية ليشرب المحزونون من فم النبع السرمدي.

خشية الرماد، تجشأ السقم نهاره المقيت، انخلع سواد الزوابع، سرت في جثة الكون، حمى الغياب، ومد الخشوع أنيابه النحاسية، جاست جنوده حنين الديار، وفراغ الخيول النازفة العائدة من معركة الشجن، وما بين تذكر الرحيل، وتناسي الغد، تجلس خَيَّاطة الموت، تحيك أكاليل السفر، وتختار من تعبره الطيبة، سهلا مثل سكين الدهشة.

مدي يا جيوش الجنازات، مدي ستائرك الوجودية، فوق حدائق القبور، وأقيمي للهباء حفلة تنكرية، اصعدي أنتِ يا غلال النطف، عاليا في تابوت القهر، فلم تسعفني الرياح بتنظيف الزوايا، من فحيح الخسارات، ولو أني أعترف للحقيقة بدهشة التفاح، في معبد الحيرة، وزهو العنب في بساتين الشك الخصيب، ونضوج العبارة في سهول الرذاذ الشاسعة.

ولا أكتفي برثاء الكلمات، أسكب الروح في عروة القصيدة، أكحل عين الفجر، بمداد الندم، وعويل المترادفات، وأهمس للحياة، كفى بالنصال، برزخا للكمأ المريض.

إلى الصديقة الشاعرة عبير زكي لمناسبة رحيل والدها

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى