الأربعاء ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مهند النابلسي

ضفادع تلتهم الزجاج!

دعوة للتحرر والانعتاق والطيران...

بدأت القصة بمنظر السماء الأزرق الرائع المشكل بغيوم "ثلجية الشكل"، متوهجة تقتحم عنان السماء... وزاد من روعة الأشياء هواء منعش يميل للبرودة قليلا ويذكر بأواخر الخريف او بداياته، وقدح زناد الفكر بومضات وخواطر ورؤى:

...سنذوب في بحر الحضارات المتلاطم، ان بقينا هكذا نقتل بعضنا هكذا بوحشية استنادا لمرجعيات ظلامية –قروسطية –طاثفية حاقدة، وان لم نعي أهمية السلم والتوافق الاجتماعي واستثمار المعلومات والمعرفة في القرن الحالي! والشيء الوحيد الكفيل باستمرارنا كدول وكيانات حرة وعرب أحرار هو انفتاحنا على آفاق الحضارة الانسانية وتقبلنا للتنوع الثقافي-الديني – الطائفي –الاثني والفكري. وحتى نحافظ على نبض وعينا الوجودي والمعرفي، علينا ان نعمل ليلا ونهارا لبناء انجازات انتاجية وحضارية ومعرفية جديدة، وأن نشغل شعوبنا التائهة بذلك بدلا من التضليل "الديني-الطائفي-العنصري-الاقليمي والجهوي" الذي يحرك المتخلفين والمرضى النفسيين والمتعصبين لحز الرقاب واثارة "غرائز وشهوات التدمير والتنكيل الوحشية"! فالاسلام دين تسامح وحضارة وانفتاح وسلام وليس دين قتل وسفك ودماء، كما أنه لايجوز التكبير وحز الرقاب، والله عز وجل بريء تماما من كل ممارسات الفتك والقتل والذبح والاعدام والتفجير والقصف وتخريب الأوطان! وعلينا أن نلجأ لاسماع صوت الحق ولا نخشى أحدا في ذلك، وخاصة ان كان الأعداء المتربصين هم اللذين سيستفيدون من دمار الأوطان واستنزاف المقدرات، وكما قال "ادموند بيرك": الشيء الوحيد الضروري لانتصار الشر، بقاء الخيرين مكتوفي الأيدي!

يقول ولتر رستون في افول السيادة: ان أرنبا يركض طلقا في المرج ليس ثروة، بل يصبح ثروة نتيجة لمعلومات تطبق على عمل الصياد، ويتحول عمله حينئذ الى قيمة مضافة بسبب امكانية تحويل الأرنب الى شواء مغذ! هكذا انها المعرفة وكيفية تطبيقها هي التي تقودنا لاستثمار الثروات، وكما يقال "اعمل بذكاء وليس بمشقة"!

هكذا فنحن نواجه في الحقيقة تحديان بارزان: تحديا ثقافيا يكمن في انقطاع عامتنا عن الفكر والثقافة ولجؤهم المريح للخرافة والاسطورة والقناعات المضللة،ثم في التداخل الكبير بين المثقفين الحقيقيين (المتواضعين-الزاهدين-المسالمين ) وأدعياء الفكر والثقافة (المتشنجين والمنتفخين غرورا ونرجسية وزهوا!). نتطلع الى اليوم الذي تصبح فيه الثقافة زادا حقيقيا للانسان لا يستغني عنه مثلما لا يستغني عن الماء والهواء، وأتوقع ان يكون هذا اليوم بعيدا وخاصة بعالم تعصف به الامية ويتحكم الجهل بمفاصله. لا يجب ان نغفل كذلك عن ضعف مساهمتنا العالمية في خلق الثروات والقيم المضافة، بالرغم من وجود طاقات بشرية مبدعة و غنى الأرض العربية واحتواءها على العديد من الخامات والمعادن والفلزات والمواد الولية والبترول، ولكن عناصر "الواسطة والمحسوبية والفساد والطغيان والتسلط" تعمل معا كطاقة معطلة، وكثقب أسود كاسح يمتص كل الطاقات والامكانات والثروات! وهكذا فنحن (وكما يقول بودلير ) بدأنا نشاهد ازهار الشر تنمو في بلاد العرب وتنتشر في حقول " الضرر والخطر"، ولا نجد من يحذر من الكارثة القادمة التي ستأكل الأخضر واليابس، بل نجد بالمقابل الحماس والاصطفاف والاحتقان والتحريض المتواصل، فيا حكماء العرب اتحدوا...!

في احدى التجارب تقدم للضفدع قطع زجاجية متحركة تشبه الذباب، فيقوم الحيوان المسكين بالتهامها بنهم متصنعا اللذة مع انها تؤذيه وتدميه! كل ما أخشاه ان نكون قد أصبحنا بالفعل مثل هذه الضفادع المخبرية البائسة، نستهلك فكرا وخرافات وأضاليل واشياء مؤذية، غير واعين بخطرها الكامن الذي يتربص بنا ويعيث خرابا في عقولنا واحشائنا ومنظوماتنا الحياتية والفكرية والاجتماعية! ومن قال أن دهاقنة الغرب اللئيم ينظرون الينا بغير نظرتهم وتعاملهم مع الضفادع وفئران التجارب ؟ ومتى كان هذا الغرب "الاستعماري" يتمنى الخير لنا ولوجودنا ولحضارتنا، وكل ما يهمه أمن وسلم وتفوق اسرائيل ؟!

وهل يجب ان تبقى رؤيتنا للعالم الكبير الواسع حولنا ضيقة وقاصرة، فنحاكي مرة اخرى الضفدعة الرابضة في قعر بئر مهجور، لم ترى من زرقة السماء الشاسعة الا تلك الدائرة الصغيرة المحيطة بفوهة البئر ؟!

دعوة للتحرر والانعتاق والطيران...كما انها دعوة للتسامح والحوار والانفتاح والسلم الاجتماعي...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى