الاثنين ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم مريم الهادي

الشرنقة

دخلت متثاقلة بعد أن أنهت حصتها إلى القسم، توجهت إلى مكتبها جلست متأوهة، أغمضت عينين مجهدتين عرفت تجاويف الزمن طريقها إلى الزوايا، وعانقت الظلمة أسافلها، غرقت في لجة من الأفكار، لكنها أنقذت نفسها في اللحظة الأخيرة لتعود لواقعها المر.
تأملت وجوه زميلاتها المنهمكات في تحاضيرهن، جمعتهن المهنة وتشعبت بهم المسارب. كل واحدة منهن مجلد ضخم من الأسرار و الآهات والضحكات المسروقة، شعرت برغبة دفينة في مكاشفة الذات بخبايا الزميلات، استثارها العنوان (مكاشفة الذات بخبايا الزميلات) كررته مرارا وعلى شفتيها ابتسامة مبتورة، آه الزميلات كيف كن وكيف أصبحن، هي تعرفهن جيدا، نعم، محفوظ ذلك في سقف العين.

زينب عرفتها منذ خمسة عشر عاما أو يزيد، نعم أذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه إلى هذا المثوى فتاة نابضة بالشباب والجمال، تجمعت حولها عيون الصغيرات مذهولات بجمالها، ولم يمر سوى شهر واحد على وجودها في البلد إلا وهي في بيت زوجها. كانت ابتسامتها العذبة ومواقفها البريئة تجعل من لا يعرفها يتعلق بها فكيف بمن يعرفها؟! سبحان الله!! كيف تحول ذلك الغصن الرطيب إلى عجز منخور مهجور..

سهام جاءت معها إلى نفس المكان، وتكونت بينهما بمرور السنين علاقة وطيدة، وإن اختلفت الطباع، كانت نشيطة،حازمة محبة للعمل وللمكان، أما الآن فلا نشاط ولا محبة ..!!

بلقيس ذات الضحكات الرنانة والتعليقات الساخرة، عرفتها منذ عشر سنوات.. لجام من حديد ولسان مفقود هذا حالها اليوم..

زهور جاءت إلى هذا المكان منذ خمس سنوات كانت مثل اسمها انقلبت إلى نبات أصفر متسلق..

شهد كانت آخر من حضر إلى هنا منذ ثلاث سنوات لكن ما أسرع ما تحول الحال وانقلبت بكل ما فيها إلى علقم..

ثم عادت كالملسوعة إلى نفسها وتساءلت لمَ لا أنظر إلى نفسي أولا وأعيد قراءة ما بين السطور في سجل الحياة، منذ متى أتيت إلى هذه المدرسة؟ وحلقت قليلا ببصرها لتقول: تسع وعشرين عاما، نعم، يا سواد ما رأيت مُثّل بطموحي، وشُردت أحلامي واُغتصب تفكيري حلقّت مرة آخرى، ثم قامت ضاربة المكتب بيدها، ذعرت زميلاتها ونظرن إليها إلا أنها أحدت بصرها تجاه الباب ولم تلبث أن خرجت منه، تبعتها سهام مسرعة وسط تعثرها إلى أن رأتها تدخل إلى غرفة السكرتارية ثم تخرج منها بسرعة وعلى فمها ابتسامة لا تذكر متى آخر مرة رأتها على شفتيها، بعد ذهابها دلفت إلى الغرفة ونظرت إلى السكرتيرة التي فهمت ما جاءت من أجله ومدت إليها بورقة مكتوب في أعلاها (استقالة)..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى