الأحد ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

مأمون حـمداوي وشعر السخرية

.. وإلى أي حد يستطيع الأديب اللبيب أن يوظف فن الكتابة الساخرة لتبليغ مراده أو رسالته؟.. تساؤل مثير للجدل، واجهني هذه الأيام، بعد لقاء ومصافحة أديبنا المتميز مأمون حمداوي عقب عرض مسرحيته الأخيرة، وقبيل إعادة قراءة قصائده المنكرة وتصفح كتاباته المتنوعة ما بين البحث والترجمة.

ولمن لا يعرفه، نقدمه بالمختصر المفيد، هو من مواليد سنة 1956 بقرية زهرا قرب مدينة بني سنوس بولاية تلمسان، ومثل أبناء جيله بدأ حياته بحفظ القرآن الكريم، قبل أن يلتحق في سن التاسعة بمدرسة زهرا الإبتدائية، ثم ينزح بعد ذلك إلى وهران سنة 1970 ليكمل تعليمه المتوسط والثانوي والجامعي، ليتخرج بشهادة ليسانس علم الإجتماع من جامعة وهران.

أتيحت له الفرصة سنة 1984 ليسافر إلى فرنسا ضمن بعثة تعليمية، وهناك بباريس إلتحق بجامعة السربون، حيث تحصل على دكتوراه الدرجة الثالثة في الأنتربولوجيا الإجتماعية والثقافية. ومن جديد عاد إلى وهران ليشغل منصب أستاذ بمعهد علم الإجتماع في جامعة وهران، وليحضر في نفس الوقت شهادة الليسانس في الحقوق والعلوم الإدارية، ثم شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة.

يشغل الأديب المترجم محمد مأمون حمداوي حاليا منصب أستاذ بمعهد علم الإجتماع بجامعة مستغانم، ويركز جهوده على الخلدونية وسوسيو أنتربولوجيا الأسرة، كما يواصل إهتمامه بتاريخ وثقافة منطقة بني سنوس بولاية تلمسان.

من أبرز مؤلفاته المطبوعة ديوان في الشعر الشعبي بعنوان: قصائد منكرة، صدر سنة 2001 عن دار الغرب للنشر والتوزيع. كما قام بتعريب وتقديم كتاب: بني سنوس ومساجدها في بداية القرن العشرين، لمؤلفه الباحث الفرنسي ألفريد بيل، صدر هو الآخر عن دار الغرب بوهران سنة 2001، وهو عبارة عن دراسة تاريخية وأثرية لها أهميتها البالغة.

وقد اتجه مؤخرا إلى حقل المسرح ليجرب حظه، حيث ألف عدة مسرحيات من أبرزها : مسر. فالصو. آسيا إفريقيا. ثم مسرحية رحلة سيدي بومدين الغوث. عرضت على خشبة المسرح ضمن فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية.

عندما إلتقيت أديبنا محمد مأمون حمداوي مؤخرا بدار الثقافة بتلمسان، عادت بنا الذكريات إلى بداية الثمانينات،عندما كانت تجمعنا الملتقيات الأدبية وصفحات ملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية. ولازلت أذكر عناوين قصائده الأولى في تلك الفترة: مطاس تستقبل موكب الشهداء. ترانيم العشق والغربة. معزوفة لصبي يتمه الشلف..

وأحتفظ ضمن وثائقي الخاصة بالحوار المطول الذي أجري معه ونشر بالعدد 418 من ملحق النادي الأدبي بتاريخ 28 أفريل 1986 تحت عنوان بارز: من عشق مطاس إلى ترانيم الغربة. حيث يتحدث عن عشقه الشعري، ويشير إلى أن مطاس إسم مكان يقع بسلسلة جبال الأطلس، في مركز مثلث زواياه مغنية وسبدو وتلمسان، وقعت به معارك بطولية أثناء الثورة التحريرية، غابت عن كتابات المؤرخين. ويبرز في نفس الحوار مدى تأثره بكبار الشعراء وخاصة المتنبي وبدر شاكر السياب ومفدي زكريا، موضحا أهمية دور الشعر في عصرنا الحاضر بقوله: صدق مفدي زكريا إذ يقول: رسالة الشعر في الدنيا مقدسة. لولا النبوة كان الشعر قرآنا..
ينتقي شاعرنا حمداوي مفرداته بدقة ورهافة إحساس،وقد أتيحت لي فرصة حضور بعض أمسياته في كل من وهران وسكيكدة والجزائر العاصمة وتلمسان. ولاحظت مدى تجاوب الجمهور مع طريقته المتميزة في تفاعله مع قصائده التي يحفظها عن ظهر قلب، حيث يسخن القاعة بأطيافها وألوانها، ويلهب مشاعر جمهوره الحساس.

وعندما نعود إلى تجربته الشعرية من خلال مجموعته الصغيرة الوحيدة المطبوعة بعنوان قصائد منكرة، وقد غابت عنها محاولاته الأولى المنشورة بالصحف الوطنية، نجده يعتمد على موروث الشعر الشعبي الثري ليضفي عليه من شخصيته المرحة المتزنة طابع السخرية الهادفة، فينتقد مختلف المظاهر والظواهر السلبية العقيمة في المجتمع، مستفيدا من تجربة الشاعر المصري المشهور أحمد فؤاد نجم، خاصة من خلال قصائد ديوانه : يعيش أهل بلدي. ولعل بصمات نجم تتجلى خاصة في قصيدة حمداوي التهكمية عن دسائس المغني الصهيوني الفرنسي أنريكو ماسياس ورغبته المكرة الخسيسة في زيارة مدينة قسنطية مسقط رأسه، حيث يخاطبه قائلا..

يا أنريكو يا صهيـونـي
غني غني بالمـلـحــون
والمألوف القسنطـينـي
وزهى واستهزا بالناس
غـني غـني للـفـهـامــه
رحـنا وجـينا بالسلامــة
سادة مرفوعين الهامه
ما نـنـقـاس ولا نـنـباس

وقصائد منكرة كما كتب عنها الأديب المعروف الدكتور عمار يزلي في كلمة التقديم: هي مزيج من العواطف والأحاسيس الدفينة المستورة بأغشية في غاية الشفافية والرهافة، تحملك على الجدية في الهزل، وتحمل الوصل بين الجد واللعب، من خلال شكل ثائر ومثور مفعم بروح العصر وموسيقى العصر..

ولعل تجارب أديبنا محمد مأمون حمداوي الثرية في مجالات شتى من الشعر الفصيح والشعبي إلى الترجمة وتأليف المسرحيات ذات البعد التاريخي، تظل في حاجة ماسة إلى دراسات معمقة ومقالات متعددة متجددة، وإلى إلتفاتة جادة صادقة من طرف الطلبة والطالبات في بحوثهم الجامعية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى