الاثنين ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
المعايير المهنية للمعلم
بقلم فراس حج محمد

خطوة في الاتجاه الصحيح

مجلة عود الند الثقافية العدد (78)

اعتمدت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية مجموعة من المعايير المهنية لمن يتصف بصفة المعلم، وأخذت على عاتقها تطوير نظام التعليم في فلسطين عبر استراتيجية شاملة وواضحة وعميقة، واضعة النقاط على الحروف في قضية من أهم قضايا المجتمعات الإنسانية، ألا وهي التعليم.

وقد صدرت هذه المعايير عن "هيئة تطوير مهنة التعليم"، وهي هيئة مؤلفة لهذا الغرض غير حكومية تضم في عضويتها تربويين وأساتذة جامعات ومختصين ومستشارين من فلسطين وغيرها، وقد مر عملها عبر مراحل متعددة، حتى تم اعتماد صيغ مناسبة للمعايير موزعة على مجالات ثلاثة، وهي: مجال المعرفة والفهم، ويتعلق بكفاءة المعلم المعرفية وامتلاكه للمعرفة وتطورها ضمن السياقات الاجتماعية والتاريخية والثقافية، ومجال المهارات المهنية، والتي توضح قدرة المعلم على ترجمة المعيار الأول إلى ممارسات مهنية صحيحة ومدروسة، لتحقق الغرض من عملية التعليم، وأما المجال الثالث، فيبن الاتجاهات المهنية والقيم، وينبع من منظومة القيم التربوية والأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها المعلم خلال تأدية واجبه المهني على أكمل وجه.

وقد تعددت هذه المعايير لتصل إلى ثلاثة وعشرين معيارا، بعد جلسات وورش عمل عقدت مع المختصين وأصحاب الشأن التربوي في فلسطين، شارك فيها معلمون ومديرو مدارس ومشرفون تربويون ورؤساء أقسام وأكاديميون، حتى استقرت في صيغتها النهائية، واعتمدت كمعايير واضحة لتقويم أداء المعلمين.

وقد تم توزيع هذه المعايير على العاملين في قطاع التعليم من معلمين ومديرين ومشرفين تربويين، لتكون معيارا للحكم والعمل والتقييم والتقويم، ولتكون مساعدا للمعلم على التقويم الذاتي ومساءلة عمله ومدى فاعلية ما قام به، لأنه أصبح مدركا تمام الإدراك أنه سيقيّم بناء على أمور واضحة ومفهومة وبإمكانه تحقيقها، وصار باستطاعته مع قليل من الإنصاف أن يضع لنفسه التقييم الذي يستحقه، بعيدا عن تقييم الآخرين.

لقد بينت هذه المعايير مستويات لأداء المعلم بجمل واضحة مدركة معانيها، وواقعية، وقابلة للقياس، وقد شملت مستويات خمس متدرجة من المستوى الممتاز إلى المستوى غير المرضي، وما بينهما من جيد وجيد جدا ومرض، ووصفت بعبارات لا تحتمل التأويل طبيعة أداء المعلم في كل مستوى من هذه المستويات حسب المجالات الثلاثة التي سبق الحديث عنها، وهي المعرفة والفهم، والمهارات المهنية، والاتجاهات والقيم، ليكون أداء المعلم متكاملا وشاملا الجوانب الثلاثة في عملية التعليم، فالتعليم ليس حشو مادة معرفية في أهان الطلبة دون أن تمر بعمليات من التفكيك والتركيب والفهم بآليات من التفكير الإبداعي والناقد المتشبعة بمجموعة من الأخلاقيات العامة والمهنية، ليكون المخرج الذي يصبو إليه المجتمع طالبا يقوى على الاستمرار في البناء والتطوير.

لقد شملت هذه المعايير كثيرا من القضايا التعليمية اللازمة، فكان المنهاج وفلسفته والمعرفة فيهما أول تلك المعايير، والتعامل مع المحتوى التعليمي وهضمه جيدا من قبل المعلم وتقديمه بصورة فاعلة بطرق مؤثرة تحدث تغييرا لدى الطلبة، وما قد يضيفه المعلم بخبرته ومعرفته الواسعة على هذا المحتوى، لتظهر شخصية المعلم المبدع الذي يتجاوز حدود المحتوى التعليمي إلى ما وراء ذلك من أسئلة مجتمعية وفكرية أو فلسفية، لتساعد على بناء عقلية الطالب المفكرة التي تبتعد عن المسلمات.

وأشارت تلك المعايير كذلك إلى ما يعد الأساس في عملية التعليم الحقيقية، وهي الأخذ بالحسبان الخصائص النمائية للمتعلمين خلال عملية التعليم، فيراعي المعلم المرحلة العمرية للطلبة الذين يعلمهم، فكل مرحلة لها مميزاتها العقلية والفسيولوجية والتي تؤثر في عملية التلقي والتدريس، ومن هنا تأتي ضرورة موائمة المحتوى التعليمي مع هؤلاء الطلبة، وموائمة الأساليب والوسائل المستخدمة لتكون حسب قدرات الطلبة واحتياجاتهم.

وحرصت كذلك المعايير المهنية للمعلم على إظهار أهمية التعليم التكاملي حسب فلسفة شاملة، فالطالب يتعلم مواد متعددة، قلا يكون بينها رابط ظاهر، فعلى المعلم أن يكون واعيا للربط بين تلك المواد المتناثرة لتشكل رافدا كبيرا لعقل الطالب معرفيا ووجدانيا، وعليه إيجاد تلك الروابط المعرفية والأدائية والوجدانية، عدا الربط التراكمي بين أجزاء التخصص الواحد من سنوات سابقة، ليتحقق البناء المعرفي، فلسنا نتعلم للاختبارات بل نتعلم ليكون المحتوى صاقلا للشخصية وعاملا من عوامل تطورها، وهنا لقد اشترطت المعايير تحقق نسبة معقولة من المعرفة العامة لدى المعلم في أساسيات لازمة في التعليم من إتقان أساسيات اللغة العربية والعلوم والرياضيات، وأساسيات في المعرفة التكنولوجية التي أصبحت ضرورية، ويعد إتقان أساسيات التكنولوجيا أحد مرتكزات التعليم ومعاييره في القرن الحادي والعشرين.

كما أولت المعايير قضية التقويم أهميتها من خلال تخصيصها معيارا خاصا تبين فيه تنوع أدوات تقويم المتعلم وشموليته للجوانب الثلاث المعرفية والأدائية والوجدانية، وأن لا تكون كتابية فقط بصورتها الوحيدة بل تتعدد صورها وأشكالها وآلياتها.

ولم ينس واضعو تلك المعايير جوانب مهمة في عملية التعليم من مثل الاهتمام بالبيئة التعليمية الآمنة، ومهارات الاتصال والتواصل بين أطراف العملية التربوية، والتواصل مع المجتمع المحلي، ورعاية الموهوبين من الطلبة والكشف عن مواهبهم، وجعل المدرسة مكانا جاذبا لإبداعاتهم وتصوراتهم، ودفعهم نحو التعلم الذاتي الابتكاري والاكتشاف الذاتي والتقويم الذاتي، وبالتالي تكون تلك المعايير قد تناولت كل جوانب العملية التعليمية في مجتمع يسعى إلى إحداث تغيير حقيقي.

ولكن تبقى بعض الأسئلة معلقة وتشكل عائقا أمام نجاح هذه المعايير، فهل ستنجح هذه المعايير المهنية في إيجاد معلم منتم إلى مهنته انتماء حقيقيا إذا لم تلب احتياجاته المعيشية وظل قلقا، ومفكرا متى سيتسلم راتبه؟ وهل ستنجح هذه المعايير في خلق التنافس الشريف بين المعلمين والعاملين عموما إذا لم ترتبط بنظام من الحوافز والعقوبات، يكافأ فيه المجد والممتاز، ويعاقب فيها المهمل وذو الأداء المتدني؟ وهل ستنجح هذه المعايير في إعطاء كل ذي حق حقه، ونحن ما زلنا نعين العاملين في القطاع التربوي بعد الفحص الأمني والسياسي الشامل لكل أفراد العائلة؟

تبقى أسئلة شائكة إجاباتها عند صناع القرار السياسي، وليس عند من يعمل جنديا مجهولا لخدمة أبناء بلده في غرفة صفية ضاقت بأحلامه وتوقعاته وأمانيه بعد سلسلة من الانكسارات في الأحلام والرؤى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى