الأربعاء ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم فراس حج محمد

لأنّي عليكِ أغارُ

سأصطنع الهدوء الرزين، وأنا أكتب لك عن هواجس شهريار، وعذابه المستمر، وعن شقائه وابتلائه، لعل ما يعذبه أكبر مما يقال، وأفدح من أن يظل في رقدة القلب ينخر فيه ويتركه رمادا.

تلومينني لأنني أغار عليك غيرتي المجبولة بخوف من نسائم الصباح، وهي تداعب خصلات شعرك المنساب سنابل من منى، فكيف لا أغار ولا أخاف وقد تجمعت في عقلي كل أفكار الشرق في أنك محبوبتي الوحيدة، لا أطيق ولا أستطيع أن أرى غيري يستأثر بالنظر إليكِ ويحدثك، سأكون خائنا لدمائي ونبض أوجاعي إن لم أتأثر، فلست من حجر يا شهرزاد، فلست من حجر!!

تلومينني على جملة تسللت من شفاهي وسرقت حرقة أضلعي لتكون قاسية ومرة، ولك أن تعلمي مدى المرارة التي أتجرعها يوميا وأنا أراك تبتعدين شيئا فشيئا، فيتخايل الحلم كقطعة غيم تشكلت ذات نهار صيف، فأشعلتها الشمس وبقي القلب محترقا في لظاه!!

لست أكتب لأسليك ولا لتسليني أكتب لأفيض وهْما على وهْم، وفصال الكلام في قافيتين وبعض سطر، أكتب لأشعر أنني ما زلت قادرا على مقاومة العبث، أكتب لأنني بحاجة أن أرى نفسي حيا، وأشعر بقلبي أنه ما زال على قيد أمل، أكتب لأفتّت الليل في أوسمة الكثافة المغروسة في باطن الألم لتشبع الفكرة من تصاوير النجوم وأشباح الخواء، أكتب لأرى نفسي فيك طاعنةً في الحب مطعونة بسيوف الورد وأشواكه الجارحة بعد أن غادرتِ المكان وصارت يباسا وخريفا متناهيا في الاحتقان وتشنجت العطور لتأبى أن تُناغِمَ الروح، فكل ما فيها يذكر بالهباء والموت.

أكتب لأنني أشتاق أن أذبح نفسي على مقاصل الحروف، وأقلُّها على نعوش الجمل والتراكيب لعلها تظفر بمن يحملها ويرفعها برفقٍ، كرامة لميت مات حتف حلمه المنتظر، أكتب لك لأنك أنت سر الكتابة ووجعها وخاصرة القصيدة، أكتب لأنني أغار من نفسي وأقلامي وكل أنين يصدر من أوراقي إن عابث الحرفُ امرأة سواك في رسم المعاني الصور.

أكتب لأراك نورا يملأ جنبات نفسي ولو للحظات، أكتب لأرى المطلق في المطلق ولأرى الجنون عقلا راجحا، أكتب لأنني موهوم مسكون بالخرافة والأساطير وبرحيق العصور الخالية الخاوية أكتب مشتاقا لتكوني لي وحدي بعيدا عن متناول السخافة والغواية ونعيق غراب صادح هنا وهناك، أكتب لأنني مشتعل شوقا وحبا ومحترق الأعصاب متصلب الشرايين سقيم!!

هذا هو أنا يا شهرزاد أخذت من شهريار عقله وقلبه وسيفه وصلابة روحه قبل أن ينداح سرابا على سرير التغيير، فلن أكون شهريار ما بعد ألف ليلة وليلة، ولا حتى ألف ليلة وليلتين، سأكون أنا شهريار الليلة الثالثة بعد الألف متميزا وخاصّا، شرقيّا غيورا لأبعد ما في الأسفار من معانيَ مستترة وظاهرة، لا أبحث عن نساء لأضمهن جواري ليشعلن الليل أضواء في بغداد وباريس وملاهي المجون، أردت أن لا أكرر أحدا، أردت أن أكون شهريار الحب والغيرة والموت من أجلك أنت وحدك أيتها الغريبة في أطوارها، والسابحة في أنوار بهائها! أردتك محبوبة الروح والفكر والجسد معا، أردتك لفظا ومعنى، أردتك وردة أوراقا وعطرا لا أشواكا تجرح الأغنيات، أردتك لحنا وقافية وسعادة أبدية، أردتك محبوبتي الغالية المترفعة، أردتك نجما يتطاول، فلا يُرى إلا سناك يلوح من بعيد، ولن يصل لحقيقته ولن يحل مكنونات أسراره إلا أنا "شهريار الليلة الثالثة بعد الألف"، فقط لأنني أحبك شهرزاد، وأنت كل الأمنيات!!

فلا تحرميني من متعة أن أغار، فالغيرة ليست إلا روحا أخرى تسري في جسد الحب لتمنحه حياة بطعم آخر، فما أشهاه على شدة مرارته!!

لأني عليكِ أَغارُ
فلا يستقرَّ قرارُ
تغارُ الحروف لأنّي
أنا المستهامُ الأوارُ
تُعِدُّ الكلامَ بطقسٍ
كأنّ الكلامَ مَزارُ
وتَسْكُبُني في كؤوسٍ
على ثغرها فتُدارُ
وتُسْلِمُني للهوى والردى
فتُرْوى الجروحُ الغزارُ
فيا ليلتي أنت بنتُ الـ
سَّحابِ وأنت النهارُ
لأني عليك أغارُ
يطولُ اللظى والحصارُ!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى