الأربعاء ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم بوعزة التايك

ثمن العزلة

ناس تطرق بابهم كأنك تطرق جبهة الصخر. تتوسل إليهم كأنك تتوسل إلى ثعبان. تذرف دموعك أمامهم كأنك تذرفها أمام نسر مسعور. تطلب منهم إنقاذك كأنك تشتمهم.

تهديهم لقمة كأنك تجرح كبرياءهم، تبتسم لهم، تقرأهم السلام، تربت على أكتافهم، تهنئهم بيوم العيد كأنك تقطع شرايينهم.

ناس تلبس أجمل ما عندك فيفهمون أن المسألة موجهة ضدهم، تترقى في عملك، تملأ مائدتك بالأطعمة وتستدعي لها أفراد عائلتك، تقيم حفلا لأطفالك لأنهم نجحوا بتفوق فيصرخون هم في وجهك أنك سلبت منهم رزقهم.

تكون في صحة جيدة فيشعرون أنك تخطط لاقتحام منازلهم وإحراقها. تضع يدك على كتف زوجتك، تقبل يد أبيك وقدم أمك، تحمل أبناءك على كتفيك فيشعرون هم بنقص غريب مقتنعين أنك تكرههم.

ناس تكون أنت في قبرك منذ زمن طويل وتأتي أرملتك لزيارتك مع أطفالكما وأحفادكما وكل سكان الحي وحتى الكلب الهرم فيموتون هم غيضا في قبورهم ويلعنون آباءهم وأمهاتهم حينما يأتون لزيارتهم أيام الأعياد.

هذا النوع من البشر اكتشفته بعد ولوجي عالم الكتابة سنة 1992 في سن الخامسة والأربعين. كنت وحيدا ساذجا لا أنتمي إلى أي كوماندو أو شبكة أو حزب ولا زلت. وكم تجاهلوني وتعاملوا معي كنكرة وكدخيل على ناديهم وفريقهم الوطني. لن أذكر أسماءهم لأن الذئاب الجائعة لا أسماء لها. لن أذكر ما أذاقوني من"حكرة" ومن صفعات لدرجة أصبحت لا أشارك في المسيرات التي يصرخون فيها منددين بالظلم والفساد والقمع وأكتفي بالتفرج عليهم في البرامج الحوارية وهم يتحدثون عن الحداثة وأزمة كذا وإشكالية كذا ودور المثقف في إرساء دعائم حقوق الإنسان ودولة القانون.

بعد عشرين عاما من الكتابة أنا دائما وحيد يغني البلبل بين كلماتي وترقص الأزهار على خدود أوراقي وشيخ النسور الحكيم يحدثني كل مساء عن الطبيعة البشرية وسلوك وتقلبات وتناقضات الإنسان واستعداده لفعل الخير والشر وتغيير مواقفه ومواقعه بسهولة غريبة تحار فيها الشياطين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى