الجمعة ٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦
قصة قصيرة
بقلم مهند عدنان صلاحات

رسالة لصديقتي النحلة

(قبل أن نبدأ)

كلما ترددت لذاكرتي كلماتك في حديثنا عن زهرة برية لا تنبت في بلادنا تسمى الحرية
أتذكر مقولة جان جاك روسو : " يولد الناس أحراراً .. لكنهم مقيدون بالأغلال في كل مكان"

(بداية عادية جدا )

أنا واثق سيدتي أن كلامك المتدفق كالنهر، سيكسر هذا القيد، فرغبة مجنونة بالحياة والحلم بالأفضل تشبه ثورة، وإرادة شعب تسكن فيك، وإن كان هذا الاحتلال يا صديقتي من صنع أيدينا، أو من صُنع من سبقونا من حدادين صنعوا أغلالاً وضعت في قيدك يا امرأة من بلدي.

صنع لك جدي قيداً في سوق النخاسة الشرقية القديمة، سوق عنترة والجلاد، وسوق شهريار وشهرزاد، وسوق النساء الموزعات حصصاً كرغيف الخبز، للجند العائدين من الجيش للترفيه فقط.

الذي لا افهمه حتى اللحظة هل أجدادنا كانوا حقيقة أميين حين وضعوا هذه الأعراف، ولم يقرأ أي منهم لواسيني الأعرج في كتابه "كتاب الأمير" ليقول لهم : " أمام الموت يتساوي كل شيء إلا الحب الذي نكنه للآخرين"

ربما لو قرأ أحدهم أو كلهم هذه العبارة ووقفوا عندها لحظة، لكانوا أعادوا النظر في كل ما قالوه.

لكني أكتشف مرة تلو الأخرى أن العصر الذي عاشوا فيه هو الذي كان أمياً لم يقرأ يوماً كتاب الإنسانية، أو مواثيق حقوق الإنسان البديهية التي تحدد علاقة الإنسان بالإنسان بكل مراحله الطبيعية، كما تتحدد مراحل النحلة بالزهرة، والطير بحبة قمح الحقل.

ربما كنا بحاجة أكثر لأن نحيا في عصر نعيد- نحن- النظر في كل ما قالوه وكتبوه لنا، أو حفروه على مسماريات التاريخ البشري وربما تحديداً العربي، الذي كان حاضرهم الرجولي وواقعنا المأساوي ومستقبل أجيالنا ربما الثوري ، أو المدني .

العالم يا صديقتي المتأثرة بكل حساسية مفرطة من كل ما حولك،ربما يكون قد وصل إلى كوكب ابعد من بلوتو، وأكثر حرارةً من المريخ، وأكثر حباً للبشر من كوكب الأرض المزدحم بسرمدية العبارة وتفوق الذكور في عصر اللاحروب.

ربما لحظتها عزيزتي ستقول حفيداتك ما أردتِ قوله اليوم، ومنعتكِ الحواجزُ والقيودُ التي تحدثَ عنها روسو فتضحكين كزهرةِ نرجسِ لامس خديها الندى.

هل سمعت من قبل بالحرب بالكلمات أو ربما ما ابتكره نزار من الرسم بالكلمات ؟

دعينا في هذه اللحظة الخطابية الرسمية جداً أن أطلب منك إختراع أسلوب التحليق بالكلمات، فما رأيك أن نحاول معاً، ونحاول رسم جناحين على طريقة الملائكة الصغار أيضاً في روايات الأطفال قبل النوم، والهرب من الغولة والاختفاء على طريقة "حديدون" على شجرة التين !

ما رأيك أيضاً بالإسراع قليلاً حتى لا يأتي الشتاء ونظل بالجوع من الكلمات كجندب الشاعر "لافونتين" بالخرافات !

إذا ...

حلقي مع الكلمات أكثر

فما زال في الفضاء متسع لكي تحلق طيور متمردة تحمل بمنقارها الحب والغضب .

أجنحة الطيور إن التقت لا تتكسر، لكنها تزيد في الارتقاء علواً.

في الأرض متسعٌ لمن يزحف ومن يمشي على أربع، وربما على اثنين ويديه معقوفتان للخلف يبحث في التراث عما يقيد طفلة تود أن ترضع من ثدي حرية .

ومن عمامة ترقد على صدر من فكرت

فقط فكرت ولا بقية ...

ففي ظل وجود الخانقات هذه لا يُطلب منك أكثر من أن تفكري كي تُمنحي شهادة وفاة، احتجاجاً، أو وداعاً، أو في محاولةٍ بائسةٍ للتعبير عن الغضب.

للتكفير عن خطيئة لم تُرتكب، في عصر صارت الكلمة تمتهن، وتتهم، ويُلقى عليها التهم في المحاكم الدولية والعشائرية كأي لصٍ مارقٍ سرق الهدايا والعلب من جعبة بابا نويل كان ينوي وضعها في جراب طفل ينتظره ليلة الميلاد.

سيوف لم تظهر في المعركة في عصر الهزيمة تُشحذ على رؤوس النساء، والولد والكبد يقطع بأيدي الطغاة في قلب المدينة.

رجال القبيلة مصرون على الثأر من القبيلة الأخرى، ودمائنا تُفرق بين الدول، والعمائم التي سلمت المدينة، والوجوه الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، والسادية أيضاً، وربما الأتاتوركية التي تبحث عن إمكانية قطع رأس الفكرة على الطريقة الطالبانية أو الديمقراطية جداً، فهنالك طرق ديمقراطية في الإعدام، في اختيار لون ونوع الحبل الذي سنشنق فيه، وربما تحديد نوع السكين التي ستقطع الرأس إن كانت من "الستانل ستيل" الأصلي أم المقلد في هونكونغ، هذه ديمقراطية الموت الشرقية .

إرثنا اليوم هو ما نملكه من مدنيتنا التي ترتقي بنا كبشر، نلتقي كأي أثنين في أي مكان بالعالم ، نجلس تحت ظل أي شجرة دون تحديد نوعها أو موسم ثمرها، لنشرب فنجاني قهوة كل حسب طلبه، أي نوع من القهوة ولن نشترط البرازيلية، وربما لا تفضلين القهوة فتطلبين عصير البرتقال، وليس بالضرورة أن يكون يافاوي المصدر، سيكون لذيذاً أيضاً لو كان من واد الباذان مثلاً، ستروق لك الفكرة بالتأكيد لارتباطي في المكان الذي جاءت من البرتقالة التي تشربين.

ترتبط كل الأشياء ببعضها ويصبح مجرد وجودك في الحياة مرتبط في ما يمس الأشياء غير السطحية عندي، حضورك في أي مكان أكون فيه، وإحساسي بوجودك حيث أمضي، ونبقى صديقين دون أن يكون هنالك مقدمات للتهرب من... أو الاختفاء خلف شجرة الجيران في الحي، كي نتحدث فقط عن الثابت والمتحول في كتاب أدونيس وماذا قصد، أو أن نهرب خلف رفوف المكتبة العامة كي نتحدث في ما استجد لديك من نصٍ. شعرت للحظة بأنك كتبته في لحظة اللاوعي وأحببت أن تقرئيه لي بصوتك دون أن نجد من يحدد لنا عورة الصوت.

لنحاول أن نطير دون أن نصنع أجنحة من ريش الدجاج الذي استوردته حكومتنا من البلاد الموبوءة بأنفلونزا الطيور لرخص أسعاره هناك، ودون أن نلصقه بشمع كان الأولى به أن يظل خنادق مملكة النحل، حيث هنالك فقط تحكم ملكة.

هل قلت لك من قبل بأنه يربطني بمملكة النحل رابطة غريبة جداً، وهل لاحظت مثلي أيضاً وجه التناقض بين الأنظمة لدينا حيث يحكم الرجال دوماً، ودوماً يخفقون في حل أزمة البطالة، ومشكلة الاختناق المروري، والحد من ظواهر الغازات السامة المنبعثة في الفضاء، وهجرة الكفاءات إلى البلاد الأجنبية، وأزمة البريد المستعجل الذي يصل بعد سنة ضوئية، وحتى في المعارك يرجعون مهزومين.

بينما في مملكة النحل حيث تحكم الملكة كل شيء يسير بنظام عجيب غريب، والأكثر غرابة أيضاً أن المملكة النسوية هذه لم تحل مشاكلها العالقة فقط، بل تعطي الناس جميعاً في الممالك التي يحكمها الرجال "عسل".

فما رأيك سيدتي أن تطيري على طريقة النحلة؟، أو ربما تكونين أنت النحلة ؟

لم ترق لي الفكرة، فذكر النحل لا يصنع العسل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى