الاثنين ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم حسني التهامي

النيل

في كراسة رسم
سبحت فرشاتي الغضة في النيل
يا نيل
توهجت السمرة في عينيك
وسامرت ليالينا الساهدة على أكتاف شراعك
وسافرت كثيرا
عبر خيال من عبق التاريخ
و أطلقت فراشك
فانساب الحب على كفيك
وغنى فوق جناحيك فراش الخلد
ونمت قرير العين
وظلت فوق ضفاف السحر عروسك
تمشط – يا نيل - ضفيرتها
وانغمست فرشاتي في مائك
فاغترفت ألوانا من أوعية الفن
ورمزا لا يفهمه
إلا من صب النيل على كفيه
مياه الخلد
وهدهده
تحت نخيل السحر المائس
أصبح ابنا لعروس النيل
****
في كراسة رسم
لازالت فوق الأجران
وفوق التوتة والنخلة
في صوت الناي المخنوق
عبرات واجفة
وخيوط من سنوات
جمعت أنفاس الصحبة
و الأعمام
وجلباب الجد
و ساقية تسكب
فوق فراش الأيام خضارا
تنثر في الآفاق عصافير وأحلاما
تملأ جعبتها
من خبز النيل
كانت في رأس الحقل تدور
وتسمعنا
من خبر الأيام أناشيد
و تجمعنا
تحت عناقيد العنب الزاحف
فوق أفانين التوتة
سارحة للأفق
كانت هذي الساقية حياه
يا الله
كانت هذي الساقية حياة
وحياه
وكان الكون رءوما
في قلب الطفل النابت
بين الأغصان الغضة فوق النيل
في القلب سنابل
قبرة عطشى
تنقر في مد الأجران الحانية البكر
وتشرب من كف النيل
وتمر الأيام
نكبر
نغترب كثيرا
يمضغنا زخم العيش / و هم الأولاد / طواحين العولمة
عجلات الزمن الضارية
تعلو فوق الهامة خصلات بيض
تأخذنا الأيام بعيدا
نكبر
لكن اللون الأخضر أصبح منزويا
تحملني قدماي
حيث التوتة والساقية و أيام ولت
عبرات واقفة في محجر عيني
كماء الساقية الواقف
والمتعطن منذ سنين
يا ساقيتي الحزني
ما أسكن أيامك !!!
انكسرت تحت التوتة ..... واجمة .... ساهمة ....
غار الماء
و غابت
فرشاة الألوان .........
و مسبحة الجد ولحيته
خطوته الدافقة مع الماء
ولمة أعمام تلتمس
الحكمة والدعوات و رائحة الشاي
حين تدورين
يدور الخبز
ورائحة الحلم
ويسكن في الخاطر ظل الأيام
تتبختر تحت ظلال العمر صبايا النور
**********
انكسر الحلم
و أيام كانت زاد العمر
كانت بعض طيوف للنور تحوم حواليك
لكن النور حزين منكسر فوق جناحك ....
من يرجع أنس لياليك الحلوة
كيف تفلتت اللحظات الحلوة ؟
كنت ري العمر المنسدل على أكتاف ضمائرنا
و السحر الناعس
يتسرب من بين أيادينا حلم مخضل في زمن الموت الكالح
لم يبق: غير ضجيج العولمة الكاذبة / الغشاشون /
طواحين الرشوة في سوق الأعمال /
و أبواق سماسرة باعوا ماء النيل رخيصا /
و خيانات ألقت في بئر ......
في جوف الليل عباءة هذا النيل
حدثني هذا النيل كثيرا
إذ ألقي في الليل عباءته
كنا في الليل وحيدين
والناس نيام من تعب
كنا في الحزن أسيرين طليقين
يرمقنا نجم
يبعث من فوق سماء غافية تحلم بالنور
شعاعين
كان الظمأ يخط علي شفتيه خطوطا سوداء
قص النيل حكايته
واسترجع أياما و تواريخ ......
شبابا منذ ملايين
صورا لعصافير تميل على كفيه
وتنقر حبات القمح
وأولادا كان المرح يداعب أعينهم منذ ملايين
وقلاعا سارحة في الأفق
و أشرعة تضرب سابحة فوق جناحيه
عرى قدميه
هذا الشيخ المجهد :
قيح دمامل ونتوءات وجروح غائرة
و سراديب لأيام لا يعلمها إلا هو
صور لفسائل تهرم
أزهار ذات بطون متبعجة
ووجوه ذابلة
شربت من خلطة بئر شيطاني
تتلوى من (فشل كلوي وتليف أكباد)
و عصافير مبللة تسكن أودية شاردة
تقبع في جوف الرمل
عشش متكدسة من أشلاء الأحياء الموتى
عشش وصفيح من حدقات الأطفال الراكدة على رمل خطايانا
أجواف
ما أكثرها الأجواف المسغبة الظمأى!
تسقط زهرات العمر
فلذات الأكباد
تسقط أوتار (اللحن الخالد)
****
مهلا يا حابي
يا هذا الساحر و السائر واللاهث
مهلا يا واهب للأطيار الحب النوراني
يا واهب للأوطان حقول الدفء
وللصبيان و للعشاق
خذني
مد بساط الحب على كفك
دعني أرتاح
سنون من تعب تمشي في جسدي
والرأس منكسة
سنوات من ظمأ تسرح في روحي
والرأس منكسة
هدهدني في حجرك
أما حانية
دعني أستلقي
أرتاح على كفك
أغمض عيني طويلا
تربت ظهري المحدودب
وترتل عند هبوط الليل تراتيل غنائك
يمسح شعري الأشعث والمغبر نسيم هوائك
دعني أغمض عيني طويلا
وتداعب خصلاتي بعض أناملك الخضراء
تنساب على خدي قطرات من أنداء رباك
****
هب لي أجنحة
كي أعلو
فالرأس منكسة
فوق ثلاثين
هب لي أجنحة
كي أعلو
من هذا الضجر الناخر في مسوأة الكون
هذا الوهن الناتئ في ساق الأرض
صارت ذاكرة الرمل قلوبا جوفاء
و خفافيش تحلق في بهو الأرواح الهامدة
وسماسرة باعوا عبق الحب
و أوتار الرحمة
غمسوا فرشاتك في الرمل
ذبحوا خيط النور على عتبات النهر المتخم بالرمل
لا قطرة ماء
إني ألهث
جوفي محرقة للرمل
***
والطائر لم يرس فوق موانئ رحلته
يرحل فوق شتات الموج
وتحت غبار العمر
دثرني يا نيل
وزملني
فأنا لا أقرأ
في نومي غير كتابك
في صمتي
لا أسمع
غير حكاياك
****
هب لي أجنحة
كي أدخل بهو العولمة الباهتة :
أدخنة تخنق .....
تجثو فوق صدور شوارعنا
واجهة البيت /
و أعمدة النور /
فوانيس طفولتنا /
يسعل صوت مقاهينا /
و صوت المذياع /
و لا شيء سوى صخب
حشرجة الأنفاس
رباه أغثني
و أعرني بعض هواء رطب
ينفث من فيه الأيك الراحل في عمر طفولتنا
ونسيجا من فرشاة بهائك
رملا مخضرا
منغمسا في ماء صفائك
خيطا من نجم يغزل أصوافا دافئة
في حضن سمائك
ألوانا تتداخل أطيافا
هذا الأيك الممتد
يمد ضفيرته فوق الماء
وفوق المارة
و الأعطاف تمايل أو تتشابك
حين نمد أصابعنا ...
كان الماء يفيض علي راح الساقية العطشى للحب
وتسألنا أن نحمل في الليل
نجوم المقل الهائمة على مائدة الفرح الذائب
*****
سقطت
كل
الأقنعة
و انغمست
فرشاتي
في
الرمل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى