الجمعة ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم أمينة شرادي

فيلم «زيرو»..معاناة نفسية.. لإثبات الذات

تتميز بعض الأفلام المغربية بالجرأة في تناول مواضيع مسكوت عنها. ليس من أجل الإثارة بل لرصدها و تحليلها و محاولة فهمها و ليس بالضروري تقديم حلولا. لأن اللغة السينمائية ترقى عن المباشر وإعطاء الدروس. أفلام المخرج "نورالدين لخماري" صادمة و جريئة و تنبش في ليل لا يملكه سوى الأسياد. أفلامه تعري عن البؤس و الفقر و الجريمة و الفساد..هذا واقع نعيشه و نلمسه في حياتنا اليومية. والمثقف أو الفنان المغربي من واجبه ملامسة كل هذه الجوانب من أجل التغيير إلى الأفضل. أحيانا،هذه الأفلام تحتوي على مواضيع جيدة لكن تخونها الكتابة الدرامية. لأن السيناريو يعتبر العمود الفقري للعمل خاصة إذا صادف إخراجا جيدا.

فيلم "زيرو" لنورالدين لخماري، الحاصل على الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم في دورته "14" الذي أقيم بطنجة من1 إلى.9..2013، ينتمي إلى نوعية الأفلام التي تغوص في المجتمع و تعري عن سلبياته و كذا ايجابياته. شريط مظلم بشخصياته و فظاءاته ..كأننا أمام "كازانيكرا" لكن مع اختلاف المعالجة والموضوع. المخرج يعتمد على عناوين بها حمولة نفسية و ثقافية و تدفع المتفرج إلى التفكير ومحاولة الفهم. هي عناوين مثيرة فعلا و تتساءل ماذا تخفي وراءها. رغم أن العنوان يكون مبهما لكنه يحمل إبداعا و يترجم محتوى الفيلم. هذا مجهود يحسب للمخرج. شخصية الفيلم الرئيسية،"زيرو" شخصية حزينة و متذمرة، شاهدة على عالم قبيح و ظالم لا يسكنه سوى أصحاب النفوذ وذوي النفوس الخبيثة. شخصية تعيش مأساة داخلية نتيجة مشاكل أسرية دفعت بالأم إلى ترك البيت الذي يتحكم فيه زوج صلب كالصخر. ليس للعواطف مكان عنده. هكذا أظهره لنا الشريط. أب لا يعرف لسانه سوى الشتم بأقبح الكلام لابنه و كل من يقترب منه. حتى أصبحنا نعتقد أنه كلام عادي. والملاحظ أن كل شخصيات الشريط تعيش نفس المأساة النفسية. كلها غير راضية عن نفسها و عن العالم . كلها بئيسة تلعن الظروف و ما أتت به هذه الظروف. كلها تعيش في ليل دامس. هذا العذاب النفسي المتكرر أظهره لنا المخرج عبر فضاءات داخلية و خارجية مظلمة. من أجل تكثيف اللحظة و انسجامها مع الخط العام للمحكي، استعمل حوارا يبدو للمتفرج بأنه خارج عن السياق لكنه كان يكمل و يترجم الحالة السيكولوجية والاجتماعية للشخصيات. في الشريط، نلاحظ امتداد بين البيت و الشارع. زيرو" المنتمي إلى وسط أسري متفكك و مليء بالضغوطات النفسية، حتما سيصبح فردا مهتز من الداخل يعاقر الخمر من أجل نسيان بأنه لا يساوي شيئا. أخذنا "زيرو" إلى ليل مليء بفتيات في مقتبل العمر يمارسن الدعارة وتتعرضن للضرب . متشردين و متسكعين.."زيرو" هو شرطي ملقب ب"زيرو" لأنه لا يفلح في شيء. والده، يناديه ب"زيرو".شخصية غير فالحة و غير منتجة يعيش مع أب سلطوي و مدمن على الكيف، بيت لا يرى النور و الألوان لأن هناك حرمان جاثم بكل ثقله على المكان. حرمان من الأم، فعوضه بالنوم في الحمام و هو بحث عن حضن أمه...حرمان من عطف الأب المدمن و السلطوي..قليل الكلام لكن نظراته كانت تقول كل شيء. هذا تعبير عن شخصيته الغير المتزنة التي تبحث عن الحنان والاستقرار. في عمله، مقهور ومحتقر. و من أجل إبراز كل هذا الكم الكبير من الحزن والتذمر المستوطن لملامحه، استعان بماكياج موفق جعل من نظراته تقول حوارا بدون صوت. لا يبتسم و لا يضحك قليل الكلام. في خضم كل هذا القبح، الذي تمليه الضرورة السردية للأحداث، ورغم سوداوية الشريط، هناك جمال مخفي، نراه في البداية رغم أنه سيختفي و يعود للظهور. "زيرو" رغم كآبته، يعتني بوالده المقعد واثبات ذاته بأنه يستطيع فعل شيء. إصراره على مساعدة الأم التي تبحث عن ابنتها التي أخذت إلى عالم الدعارة.هنا يبدأ بحث بوليسي من طرفه لما يعلم بوجود مافيا تتاجر في الفتيات من أجل الدعارة. السيناريو جعل الشخصية الرئيسية للفيلم، تحكي لنا بالصورة عن عالم لا يدخله إلا الأقوياء. من خلاله، رأينا شوارع مظلمة بها سكان آخرون، بينهم علاقات خاصة لا يفهمها سواهم.الفرح منعدم،و الكلام الجميل منعدم..أسلوب انتهجه المخرج في التعبير عن وضع شاذ يعيش بيننا. إصرار"زيرو" على إيجاد الفتاة المختفية هو تحدي لنفسه و للآخرين بأنه يستطيع فعل شيء. يستمر في البحث بطرقه الخاصة حتى يقتحم عالم الكبار المحفوف بالمخاطر. وفعلا يجد الفتاة مع أخريات في بيت للدعارة، كان يختبئ وراء واجهة راقية للعلاقات المهمة. هذا الاقتحام الباسل بعد موت أبيه، لوكر مافيا الدعارة يحتمل الرغبة في النجاح و الرغبة في الانتحار. لأننا لسنا أمام البطل الذي لا يقهر. لكن، هناك تسرعا غير مبرر خلال السرد الدرامي للأحداث، جعل السيناريو يبدو أحيانا غير متماسك. الكتابة الدرامية للفيلم كانت مرتكزة بشكل كبير على البطل "زيرو" و من خلاله نتابع كل الأحداث. لكن هذا البطل، في لحظة من اللحظات، سيربط علاقة غرامية مع الطبيبة التي ساعدت والده المريض لما أحضره إلى المستشفى. وهنا المخرج كأنه أراد قول الكثير من خلال موقف واحد و هذا ليس ضروريا سينمائيا. خلال انتظار "زيرو" من سيتكلف بوالده،أظهر لنا نوعين من الأطباء، الطبيب الذي لا يقوم بواجبه و يختبئ في مكتبه مع زملائه، و الطبيبة الطيبة التي تعتني بالمرضى مهما كان وضعهم الاجتماعي و تقوم بواجبها. جاءت العلاقة بينهما متسرعة وغير منسجمة مع الحكي الدرامي. حوار الطبيبة كان ضعيفا و غير مقنع ليس هناك تدرجا للأحداث. كان هناك إقحام شوش على السرد. بعد لقاءين بالمستشفى، ستقبل الذهاب معه إلى الحانة التي يرتادها؟ كيف يمكن للطبيبة المنتمية إلى الطبقة الغنية أن تقبل و دون مقدمات الذهاب إلى حانة رديئة.؟ سنقول بأنه انتقام من خطيبها الذي تركها. لكنه انتقام غير مفهوم. لماذا الفراشة في الشريط؟ لم نفهم تلك العلاقة القوية بين الشخص الذي يقوم بالوشم والفراشة؟ لم يظهر لنا الشريط بأنه شخص له ميول جنسي منحرف؟ لأن التفاصيل الصغيرة هي التي تبرز جمال الصورة.

وأخيرا، يمكن القول، بأن شريط"زيرو" قد أعطانا شخصية بسيطة من المجتمع، تعمل بسلك الأمن ورافضة لعالم الفساد بكل أنواعه. وستصمم على التغيير مهما كلفها ذلك. الشخصية التي لا تتكلم كثيرا، تفاجئ الآخر بعمل جبار. كان لموت الأب قوة داخلية دفعته إلى إثبات ذاته. رغم اصطدامه الدائم مع والده، فقد كانت هناك علاقة حب بينهما. وقد تفوق المخرج في إظهار كل الاضطرابات النفسية التي عاشتها شخصية "زيرو" سينمائيا. فهو بذلك قد لامس الواقع المغربي المعاش و حاول قراءته بلغة سينمائية. كان أداء الممثلين رائعا و جيدا وهنا تظهر قوة التسيير لدى المخرج و حسن اختياره للوجوه. بحيث كانت الأدوار الثانوية تلعب بقوة وتحكم كبيرين. وأوجه تحية خاصة للفنان الكبير "محمد مجد" الذي أبدع في أدائه وأعطى للشخصية بعدا نفسيا و اجتماعيا عميقين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى