الأربعاء ٦ آذار (مارس) ٢٠١٣
البحث عن حل للأوضاع
بقلم زهير كمال

المأزومة في العالم العربي

الجزء «1» من «2»

لكون هذا المقال طويلاً فقد قسمته الى جزئين، أتحدث في الأول عن الدول العربية الأفريقية، وفي الثاني عن الدول العربية الآسيوية.

مشكلة الوطن العربي، في كل أقطاره بلا استثناء، أنه لم يمر بتطور طبيعي بعد حصول دوله على الاستقلال وحتى يومنا هذا.

عدا بعض تجارب الاقتصاد الموجه والتي لم يكتب لها النجاح نتيجة لسوء التخطيط فقد ترك لاقتصاد السوق توجيه خط سير تطور المجتمعات العربية حسبما اتفق.

وكان للدخل الوارد من النفط في معظم الأقطار دور في تقوية الدولة على حساب المجتمع وفصل السلطة التنفيذية عن الشعب وتحجيم باقي السلطات بل وتهميش دورها.

فالسلطة التنفيذية (وهي في النهاية تتمثل في فرد واحد) غنية بحكم مدخولها من النفط الذي تستخرجه وتبيعه شركات أجنبية، كحالة عامة، أو شركات مملوكة للدولة (كحالة خاصة مثل سوناتراك وأرامكو) وتقبض السلطة نسبتها المئوية بدون جهد. وهي لا تحتاج لمجتمعها لتحصيل الأموال مما يجعلها تشعر بعدم حاجتها اليه، ففي كثير من هذه الدول لا توجد ضرائب وإن وجدت فهي ضئيلة لا تجعل أفراد المجتمع يشعرون بأهميتهم أو قدرتهم على التأثير.

ولعدم إحساس المجتمعات بملكيتها لثرواتها النفطية وغيرها من الثروات المعدنية، انقلب الحال في معظم الدول، فأصبحت السياسة هي التي تسيّر الاقتصاد. وأصبح الحفاظ على المنصب الأول في الدول الملكية أو الوصول اليه هو المغنم الذي يحصل عليه عسكري بما أن الجيش هو القوة الوحيدة المنظمة في المجتمعات.

وربما تكون هذه النقطة هي أهم عامل من العوامل الرئيسية والمتمثلة في (ضعف المجتمعات، والأمية، والتخلف، وإسرائيل) والتي سببت وصول أوضاعنا الى حد الأزمة.

وقد يقول قائل إن كل الدول على هذه الكرة الأرضية تمر بمشاكل في لحظة من تاريخها أو بأخطار خارجية سرعان ما تتغلب عليها ثم تواصل مسيرتها الى الأمام.

وقد لوحظ ذلك في دول آسيا القديمة مثل الهند والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية أو في دول العالم الجديد مثل البرازيل وفنزويلا والأرجنتين، فكل هذه الدول مرت بمشاكل داخلية عديدة. فالدول القديمة مثل الهند والصين فيها أديان وطوائف وأعراق لا تحصى ويصل الأمر الى تعدد اللغات في الدولة، ففي الهند مثلاً عدة مئات من اللغات وآلاف اللهجات.

ولكن المثل الأكثر قرباً الى الدول العربية في وضعها الحالي هي ماليزيا ففيها على الأقل ثلاثة أعراق وعدة ديانات ومع هذا فلا نجد فيها مشاكل تتفجر كل يوم تعيق التقدم كما يحدث عندنا.

ولكن في حالة أخرى مثل أندونيسيا فقد توقفت عن التطور الطبيعي لمدة ثلاثين عاماُ بعد انقلاب العسكر وقتل وتشريد الكثير من نخب المثقفين والقوى الدافعة في المجتمع، ولا شك أن ثروة أندونيسيا النفطية كانت السبب في دفع القوى الغربية رجلهم سوهارتو للاستيلاء على الحكم وما تبع ذلك من إفساد للمجتمع وأدى في النهاية الى فصل تيمور الشرقية بسبب اختلاف الدين تطبيقاً للمفاهيم الأوروبية الضيقة التي كانت سائدة حتى القرن العشرين.

ما حدث في أندونيسيا مشابه لما حدث في كثير من الدول العربية التي اكتوت بحكم العسكر أو حكم الملكيات الوراثية، أنظمة لا تتمتع ببعد الأفق أو على الأقل نظافة اليد ولا تمتلك مؤهلات مناسبة تخولها قيادة المجتمع ليتطور طبيعياً.

وفي استعراض سريع للأوضاع الحالية في الوطن العربي ابتداءً من المحيط الأطلسي سنلقي الضوء على بعض هذه الأوضاع.

المغرب

استلم حزب (العدالة والتنمية) السلطة وقد هلل كثيرون لهذا التطور غير المألوف في الحياة السياسية المغربية وتفاءلوا خيراً، وقد ثبت بعد عامين تقريباً أن هذا الحزب الذي يرفع الراية الإسلامية لا يختلف كثيراً عن حزب الاتحاد الاشتركي أو حزب الاستقلال من قبله، فما زال الفساد مستشرياً والفقراء يزدادون فقراً وثبت أن ليس من هدف لهذه الأحزاب سوى استلام السلطة وتوزيع المناصب على الأعضاء. فما دام كبار رجال الدولة على اختلاف اتجاهاتهم السياسية يقبلون يد الملك بل ويد ولي عهده الصغير فلا خير يرجى في كل هذه الأحزاب التي أفرزتها الطبقة الوسطى في المغرب.

الجزائر

من أكثر الدول فساداً في العالم، يحكمها العسكر من خلف ستار وقد توقف تطور الدولة الطبيعي منذ وقت طويل، أما أهل السياسة من أحزاب الطبقة الوسطى فقد انشغلوا بمعارك جانبية مثل طلبهم الاعتذار من فرنسا عن جرائمها السابقة أيام الاستعمار، وقد وصل بهم المطاف أخيراً الى حد غير معقول: نرجوكم ونستحلفكم بالله أن تعتذروا وسنقوم بتنفيذ ما تطلبونه منا. يتململ هواري بومدين وشهداء الجزائر وهم يرون مدى العفونة الذي وصلته هذه الطبقة التعسة من الحكام، أما المستعمر السابق وقد رفع الأنف عالياً فامتنع عن الاعتذار الصريح، ففرنسا لا تعتذر عن جرائمها، ولكن يمكن أن نتلاعب بالألفاظ لإرضائكم وتلبية هذا الطلب الغريب العجيب من أجل تسهيلكم مصالحنا في إفريقيا.

وبالرغم من كل الفساد الموجود فقد توافر 200 مليار دولار في خزائن البنك المركزي، الدولة غنية والشعب يعاني الفقر والحرمان والبطالة.

وقفزاً على التسلسل الجغرافي، فالمستغرب أن الجزيرة العربية التي يحكمها النظام السعودي تشابه أوضاع الجزائر في النقاط السابقة، ولكن الطرافة أن نظام الحكم في الجزائر يدعي العلمانية بينما يدعي النظام السعودي الإسلام. ما يمكن إضافته أن النظام السعودي يتحالف مع الشياطين من أجل بقائه في الحكم ولا يمانع من تدمير الشعوب العربية الأخرى ودولها كما حدث في العراق ويحدث في سوريا الآن. وهو يرحب بالقواعد الأجنبية على أراضيه ما دامت بعيدة عن الأماكن المأهولة بالسكان.

ولعل المشكلة الكبرى في هذه الدولة هي العدد الكبير من الشيوخ الذين يدعون له على المنابر ويقومون بخداع الجماهير المغلوبة على أمرها في ترويج طاعة ولي الأمر وأن الرزق من عند الله وعلى المؤمن القبول بما قسمه الله له. ويرجع الأمر الى النظام التعليمي الصارم الذي يخرج أجيالاً تمنعها الطريقة التي يدرس فيها الدين من التفكير خارج إطاره الصارم. فلم نجد أي إبداع في أي مجال خلال الستين عاماً الأخيرة، وعندما يمرض أحد أفراد العائلة المالكة بمن فيهم الملك نفسه فإنهم لا يخجلون من التصريح بعزمهم السفر الى الخارج لتلقي العلاج. وسفرات الملوك العلاجية تتعدد كثيراً، فما يحدث أن من يستلم السلطة من الأشقاء يكون عادة في سنّ متقدمة، كما لاحظنا في عدة ملوك تتابعوا على عرش المملكة، وإضافة الى ذلك لم يتلق التعليم في الصغر أيّ منهم، من الممكن أنهم تعلموا في ما كان معروفاً باسم الكتّاب (بضم الكاف) فلم يكن في الجزيرة مدارس عند ولادتهم، وهكذا بقيت الدولة تدار مثل قبيلة. ومنطق القبيلة الضيق المتزمت يحافظ على القديم ويرفض التغيير وهكذا نجد مثلاً أن المرأة لا وجود لها في القبيلة، فحتى هذا التاريخ ممنوع على النساء قيادة السيارات. ومنطق كهذا لا علاقة له بالدين وإنما له علاقة بتخلف المجتمع وقيادته، أما الدين فيستخدم لتغليف هذا التخلف.

دول الربيع العربي تونس وليبيا ومصر:

هذه دول نجحت في خلع رؤسائها قبل عامين ولا تزال أوضاعها غير مستقرة فلم يتحقق أي مطلب من مطالب الثورة والتي يمكن تلخيصها بالشعارات التي رفعتها الثورة المصرية عيش حرية عدالة اجتماعية.

المجتمعات الإنسانية هي كائنات حية تتفاعل وتنمو ولا تقبل الجمود، وقد تم وضع كافة مجتمعاتنا بما فيها دول الربيع العربي في وعاء ضغط لمدة تزيد على ثلاثين عاماً ولم يسمح لها بتنفيس البخار الزائد وما نلاحظه اليوم بعد الوصول الى درجة الغليان، فالانفجار، وانتصار الثورة والشعور بالحرية أن كافة الدمامل التي تكوّنت عبر السنين والتي لم يسمح لها بالضمور الطبيعي مع الزمن، بدأت بالانفجار بمساعدة العدو وجهل الحكام، مثل الطائفية والمذهبية والعرقية وخاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتوقف العجلة التي كانت تدور في خدمة طبقة معينة يكثر فيها المتسلقون والفاسدون الذين كانوا يدورون في فلك السلطة السابقة.

السياحة مثلاً وهي ليست ضمن عجلة الإنتاج الأساسية في أية دولة كانت جزءً أساسياً من اقتصاديات تونس ومصر لم تعد تهم القوى السياسية الناشئة وبخاصة الإسلامية منها، مما فاقم الأوضاع البائسة التي تعيشها الشعوب.

من الملاحظ أيضاً بعد انتصار الثورة، بروز عدد كبير من الأحزاب والجماعات الإسلامية وكل يدعي أنه يمثل الإسلام، فأيها نصدق ونتبع؟ ولعل تخبط حزب النهضة والإخوان المسلمين وكلاهما من أكبر التنظيمات في إدارة الدولة والمحافظة على القديم.

هذا التخبط الواضح دليل على عدم وجود تنظيم سياسي يمثل الإسلام الحقيقي، ويرجع ذلك لسبب هام وهو أن الاجتهاد في الإسلام قد توقف منذ ألف عام وهو لا يواكب العصر. بينما نجد أن المبادئ الإسلامية والمفاهيم الراقية التي قدمها للإنسانية وسبقت عصرها بمراحل متقدمة وقد انتشرت بين الشعوب انتشار النار في الهشيم قد ساهمت في إحداث ثورة في التطور الإنساني، ومن المثير للسخرية في هذا المجال - رغم الخروج عن الموضوع - أن بعض علماء الغرب يدعون أن ما قدمه العلماء المسلمون لا يعدو كونه محافظتهم على علوم من سبقوهم من الإغريق فقط.

وإذا كان من خدمة تقدمها الحركات الإسلامية المختلفة للإسلام فهي عدم استعمال العنف والاحتكام لصندوق الاقتراع والقبول بالتداول السلمي للسلطة واعتبار أن الشعب هو الذي يحدد صحة توجه أي فصيل منها.

وقبل الخروج من إفريقيا لا بد من التعريج على السودان.

السودان

كما هو متوقع، فقد سكتت أبواق المحكمة الدولية التي كانت تطالب برأس البشير لمسؤوليته عن مذابح دارفور وكردفان بعد أن تحقق مطلب الغرب بفصل الجنوب وقسمة السودان الى قسمين.

لم يحظ السودان برئيس يتمتع بالغباء والعجز المذهلين كما البشير، فقد قادوه الى حيث يريدون وكانوا يتوقعون ردود أفعاله وكان من الغباء بحيث طابق ما توقعوه.
بدأ مخطط تقسيم السودان منذ زمن بعيد بانتشار حركات التبشير الاستعمارية في جنوبه، ولا يستطيع أحد أن يلوم أهله على ما يخطط لهم فقد قدموا لهم الطعام وعلموهم لغة جديدة وديناً جديداً بحجة نقلهم الى الحضارة.

قبل العسكر الجهلة باتفاقية نيفاشا والتي تنص على إقامة دولتين ووقعوا في الفخ، بدلاً من التوقيع على فدرالية أو كونفدارالية بين الشمال والجنوب على أقصى تقدير.

ولا يغيب عن البال أن الروابط الموجودة في الشعب السوداني الواحد هي أعمق بكثير من الروابط الموجودة بين المهاجرين في شمال الولايات المتحدة وجنوبها ومع هذا فقد قام ابراهام لنكولن رئيس الولايات المتحدة بشن حرب على الجنوب الانفصالي وكسبها وحافظ على وحدة الدولة التي أقسم على الحفاظ على وحدة أراضيها، ولكننا لا نستطيع المقارنة بين زعيم يمتلك الحس التاريخي مثل لنكولن وعسكري قصير النظر مثل البشير.

وبدلاً من بقاء الخرطوم بمثابة الأم الحاضنة لأهل الشمال والجنوب على حد سواء، فقد اعتبر النظام الحاكم أهل الجنوب الموجودين على أراضيه كأنهم أجانب وقام بطرد أكثر من مليون ونصف المليون من السكان كانوا يعتقدون أنهم يعيشون في بلادهم فأصبحوا غرباء فقدوا ممتلكاتهم وتحولوا الى فقراء والى أعداء جدد، وما يؤسف له أننا لم نجد رد فعل من الأحزاب السودانية المترهلة على هذه الخطوة التي ارتكبها النظام ومدى خطورتها على السودان وعلى المنظور الاستراتيجي العربي. وقد يقول أحدهم إن أهل جنوب السودان اليوم ليسوا عرباً ولهذا فانفصالهم طبيعي ولكن من لا يعتقد بمثل ابراهام لنكولن فماذا يقول في من يطالبون بانفصال جنوب اليمن عن شماله وهم العرب الأقحاح. إذاً فالمسألة لها علاقة بالديمقراطية والحقوق المسلوبة للشعوب من قبل حكام جهلة تضطر بعض المنظرين الى البحث عن حلول سلبية قد تفاقم المشاكل بدلاً من تسهيلها، كما حدث في مشكلة أبيي ومشكلة نقل البترول الجنوبي وغير ذلك.

في الجزء الثاني سنتحدث عن الدول العربية الآسيوية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى