الثلاثاء ١٢ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عبد الجبار الحمدي

ابو الكراكيش

شاءت الاقدار ان يكون متقعا معوزا هزيلا، لكنه يحمل من العقل والدهاء ما تيسر له المسلك في الحياة حين جاء إلى تلك القرية التي عاش فيها، فبعد أن طوت السنين من حياته دون محصلة، دون مستقبل يذكر، أو فرصة مواتية، الا أنه يعتز بكراكيشه التي على خصره وكذلك الطوق الذي في رقبته، يحمل فيهما الكراكيش الملونة بالأحمر والأصفر والأخضر، وفي كثير من الأحيان خاصة ساعات زعله، لا يظهر سوى الكركوشة الحمراء، معلنا ذلك في حالة خصامه مع أحد من أهل القرية، أما الصفراء فكانت للقلق وللفأل الشؤم الذي يتوقعه هو وما سيحل بالقرية نسبة إلى تخميناته والى عرافته بالأشياء التي ستقع لفلان او فلان من الناس، أما الخضراء فهي لفأل الخير، متى ما شعر ان الأمور ستتغير، او ان حدثا مفرحا سيحدث، او ولادة قريبة، أو خيرا سيصيب فلان من الناس، اعتاد أهل القرية على مظهره، فتعودوا عليه، يحبون ابو الكراكيش هذا، وكثيرا ما كانت النساء تستنجد به في حال تغيب أو تأخر أحد أفرادها، أو مما ترغب النساء بمعرفته من الأمور الأخرى، التي تخص العرافة والمستقبل، فكن يطلبنه ويقدمن الأكل والمشرب الى جانب بعض النقود لقراءة المستقبل لهن، غالبا ما كان تخمينه يأتي بالصواب، ذلك لأنه يعرف اهل القرية فردا فردا، رجالا ونساء، صغيرا وكبيرا ......

فكانت أموره تسير على خير ما يرام في هذا المنوال، لكن دوام الحال من المحال، شاءت الأقدار أن تلعب لعبتها في حياة ابو الكراكيش حين طلبته زوجة كبير القرية بل مالكها من البيوتات والأراضي، حتى مقدرات الكثير من أهلها لما له من نفوذ وسلطان كبير ..... فما أن وصله الخبر عن طلب زوجة كبير القرية حتى تيبست رجليه ووقف شعر رأسه، ثم بدأ يهز بكراكيشه التي في خصره تارة، والأخرى المربوطة حول رقبته، وكثيرا ما كان يمسك الكراكيش الخضراء محاولا التفاؤل وعدم اللجوء الى التشاؤم، همس قرين بداخله لم تطلبني ولديها من لديها من العرافين والحكماء!؟ هل هي مكيدة ام شكوى؟ لا.. لا يمكن أن تكون شكوى يقول قرينه... وإلا استدعاني كبير القرية وليس زوجته، لا أظنها مكيدة، فما الذي تريده مني وليس هناك أية شيء يمكن ان تستدعيني لأجله؟! جن الليل عليه طويلا حتى ان أفكاره جفت من رسم ما تبتغيه زوجة كبير القرية، غفى على هذا الحال إلى أن سمع أحدا يناديه ويهزه... استيقظ يا أبو الكراكيش، ماذا بك؟ ولم أنت نائم هنا! على غير عادتك، أليس مكانك قرب الجامع،ما الذي جعلك تنام قرب البئر ...!!؟

لم يدري من الذي أيقظه، أو من الذي يسأله، فما أن صحصح حتى قام مسرعا الى البئر وأدلى بالدلو، أخرج الماء وأغتسل، فمنذ مدة طويلة لم يصب الماء وجهه أو بدنه، أنتفض من مكانه ثم توجه الى دار كبير القرية حاملا الأعذار التي سيقدمها فيعجزه بعدم قدرته لتقديم العون او قراءة الطالع، سار مظهرا الكراكيش الصفراء معلنا قلقه والى تشاؤمه، لم تنفع عرافته ان يرى ماذا تريد زوجة كبير القرية منه؟ أستغرب الناس حين رأته متجهم الوجه أصفر اللون ككراكيشه، لم يرد على تحية أحد، يسير وتلك الكراكيش في خصره ممسكا بها يجعلها تدور الى اليمين والى اليسار، أخذ الطريق كله مطرقا رأسه نحو الأرض، لاحت الدار أمامه، وما أن رأته خادمة الدار حتى رحبت به أهلا بالشيخ ابو الكراكيش... تفضل أهل الدار بانتظارك، ماذا أسمع!!؟ الشيخ.. من هو الشيخ؟؟ أنه لا يصدق أذنيه إني لست شيخا ما أنا إلا إنسان فقير لاحول له ولا قوة، لم يعرها اهتمام ولا الى الذي قالته، إنها امرأة تخرف حتما، لم تستبين من انا.. لكنه استطرد لقد نادتني بأبا الكراكيش، الساتر هو الله، دخل الدار، جلس في المكان الذي أخلوه له، أخذ ينظر الى الأثاث الموجود وذلك الفرش والآنيات، الى الصور المعلقة على الحائط، تلك الساعة التي سمع عنها ولم يرها، فالوقت عنده سواء بسواء الليل مرتبط بالنهار، أدهش مما رأى وقال لنفسه: الخير قوة ونفوذ، دخلت عليه الخادمة تحمل كأسا من العصير فقطعت عليه التخيل والخوض في متاهات المال وقوته، قالت له: ستأتي زوجة كبير القرية الآن، فوقف متسمرا ممسكا بكراكيشه بقوة، القلق يملأ كل زوايا عقله وشرايينه، ماذا افعل؟ هل أرفع رأسي وأخاطبها؟؟ أم أبقيه كما هو الآن، هل أجلس ام أظل واقفا؟ بماذا أجيبها إذا طلبت مني شيء لا أستطيع بل لا أريد ان أقوم به؟ لا أريد ان اتورط معها، فزوجها سيطردني من القرية، هذا أذا لم يسجنني أو حتى يقتلني أذا أغضبتها، بقي هكذا بظنونه الى أن دخلت عليه والخادمة معهامرحبة... أهلا وسهلا بالشيخ ابو الكراكيش، لقد باركتنا بزيارتك وحضورك، تفضل اجلس الدار دارك ... لم يفق من صدمة الكلام الذي سمعه، من هو الشيخ! ومن هو البركة!! وهل هو في حلم ام يقظة؟ لم يُجب، فلم تستطع الكلمات ان تخرج من فمه ليرد عليها، اكتفى بالابتسام والانحناء مُرَحباً بها ...

التفتت صاحبة الدار الى الخادمة هامسة لها... انظري الى كرامته وأدبه لم يرد علي بل اكتفى بالانحناء رغم رثة ملابسه وهزال جسمه، إلا أنه يعرف الأصول، فهو لم يرفع رأسه ليخاطبني، ولم يجلس احتراما لي وللمكان، رغم طلبي منه الجلوس، ابتسمت الخادمة لها مؤيدة رجاحة عقل صاحبة الدار وفهمها لتصرف ابو الكراكيش، فهو وحده يدرك لماذا قام بذلك كله؟ انه الخوف والرهبة، لكن الأمور سارت على أفضل ما يشتهي، فالقدر خطط وقام بخدمته بتلك التصرفات، حتى أنه استجمع شتات نفسه ولملم جرأته ورباطة جأشه وقال: ماذا أستطيع ان اخدم حضرتكم به؟ كلي أذان صاغية، سأقوم حقا بما أقدر عليه لتلبية رغبتكم، وأعذروني ان لم اقدر على ما لا استطيع ، فلكل شيء قدرة وحدود، أرجو ان يكون ما تريدينه مني ضمن إمكانيتي وحدود معرفتي .. قالت صاحبة الدار: لا أظنك غير قادر على طلبي وفي أثناء الكلام أشارت الى الخادمة أن تتركهم وحدهم، لأنها تريده على انفراد للحديث معه عن طلبها، وحين لاحظ أن الخادمة قد خرجت رفع رأسه قليلا ليرى من يحدثه، تعجب!! فذلك الوجه اللطيف الذي تمتلكه زوجة كبير القرية وملامح الترف والخير كلها تنطق عن الجمال، المهم.. أشارت إليه مرة أخرى ان يجلس ليسمعها، فبعد أن سمعت عنه كل خير من أهل القرية، خصوصا النساء، أخبرته أن زوجها على علم باستدعائها له، وقد اتفقا على أن يطلبا منه ذلك ومن خلالها هي، بلع ريقه، أخذ العرق يتصبب من جبينه، ثم أخذت عضلات جسمه بالهذيان قال في نفسه: أن الرفض أو التخلص من طلبها وحدها كان سهلا، أما الآن فقد أصبحت المشكلة كبيرة، فزوجها على علم، ماذا افعل؟! كيف سأتخلص من هذا المأزق؟ لقد دارت عليك الدوائر يا أبو كراكيش ... أنتبه اليها فجأة.. نعم ما هو مرادك وطلبك وكبير القرية، قالت: الحقيقة إنني خجلة منك، لكن الذي سمعته عنك جعلني أتشجع لأطلب مرادي في هذا الأم، قال لها: كلي أذان صاغية، فأردفت... منذ زمن بعيد، وقبل أثنا عشر سنة، تزوجت كبير القرية، لكننا الى الآن لم نرزق بأي مولود، ولقد جربنا كل الأطباء وكل العرافين والعرافات، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل، لذا أردت منك شيخنا أذا كان بالإمكان ان تعمل لنا أي شيء يمكن أن يجعلني وزوجي نرزق بالولد ... وَجِم!!!

أخذ وقتا صامتا وهي تنتظر منه جوابا لسؤالها، صارت تدور الأفكار في داخله وعن الورطة التي وضعها القدر في طريقه، وعن كل العواقب ان فشل في أيجاد حل، هاجسُ نفسه يقول... حتما سأفشل، فالأمر ليس بيدي، لكن لا مفر، لذا علي أن أجد مخرجا .... تمعن بها كثيرا وغمغم طويلا، ثم قام ممسكا بكراكيشه قائلا لها: يجب أن أستخير أولا، ومن ثم أعطيك الجواب، تعجبت لوقفته فجأة وتلك الكراكيش التي يقوم بهزها بين حين وأخر، كأنه يستمد إشارة منها على ما ينطق به، أخذ يتحرك جيئة وذهابا في دار الضيافة في حركة بهلوانية، جعلها ترتعد! نعم يمكن ذلك فالأمر لله، لكن ان عرف السبب بطل العجب، فقال لها: سأسألك عدة أسئلة أرجو ان لا تتحرجي وتبخلي علي با لإجابة عنها، فقالت: انها لا تمانع ابدا، حتى لو كانت الإجابة محرجة او تخص كبير القرية، صار بعد ذلك يسألها وهي تجيب، الى ان قال: سأعطيك الجواب بعد أربعة أيام، سأستخير والكراكيش، وبأذن الله سيكون خيرا، قفزت المرأة من مكانها ممسكة يده تقبلها... بركاتك شيخنا ابو الكراكيش، أستغرب!!! إلا أنه أستساغ الأمر في تقبيل يده من زوجة كبير القرية، خرج من الدار يفكر ما هو المخرج؟؟ وما هو الحل بنفس الوقت؟ الناس تنظر اليه وعن السبب الذي أستدعي من اجله، فالقرية صغي،رة والناس لديها حب الفضول، لكنه سار مسرعا وهو يهز كراكيشه، كأنها محركا يزيد من سرعة سيره الى المسجد الذي ينام فيه، دخل... أخذ الركن الذي اعتاد ان يكون له، سرح في خيالات ما حل به وما سيكون من أمره، وفي وقت الصلاة، رغب الناس بعدها ان يعرفوا الموضوع، لكنه كان صامتا الا من هز الكراكيش ورأسه في عدم الرد على أسئلة الفضوليين من الناس، حتى إنهم قالوا: لقد جن، والبعض قال: أنه دخل في ملكوت الله،، وعلى ذلك تفرق أهل القرية، لم يعرفوا ما الموضوع الذي استُدعي من اجله الى دار كبير القرية .... في اليوم التالي ذهب مبكرا الى دار كبير القرية، طلب مقابلة صاحبة الدار، أستغرب!! كل العاملين والخدم مجيئه في الصباح الباكر وعن طلبه برؤية أهل الدار، هكذا ظل متسمرا امام الدار حتى اذن له بالدخول والترحيب به مع الاعتذار عن بقائه خارج دار الضيافة تلك المدة، فما أن جلس حتى جاءت صاحبة الدار فقال لها: بعد ان امسك بالكراكيش الخضراء، تفرجت اساريرها، تفاءلت زوجة كبير القرية خيرا، لأنها تعرف معنى الامساك الكراكيش وتأثير لونها، فذاك يعني ان مسألتها يوجد لها حل، فتحدث قائلا: لقد استخرت ونجمت، وقد بان لي ان نجمك وكبير القرية لا عقدة فيهما، لكما ان تنجبا ذرية، بيد أنه يحتاج الى بعض المسائل التي يجب إحضارها لإمكانية الحمل، وهي لا توجد هنا، لكنها في بلاد بعيدة بعض الشيء عنا، إنها تراب من أرض مكة وبيض سلحفاة من رأس الرجاء الصالح، وريشة غراب أبيض، كما أني سأعمل لكما حجاب الى أن تأتوا بتلك المسائل لإتمام العمل المطلوب .. كان ابو الكراكيش قد فكر بأن يطلب أشياء غير موجودة وغريبة، يتطلب البحث عنها مدة من الزمن حتى يرفع عن كاهله هذه المسألة في عدم قدرته على تقديم المعونة في ذلك الأمر ...

بذلك الحديث قام من مكانه معطيا إياها حجابا أخضر، قائلا لها، عليك بارتدائه أثناء النوم مع كبير القرية، وله أيضا حجاب يرتديه هو، يجب ان يظهره خارج ملابسه بعد ان يعلقه برقبته، وأنت كذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد، خرج مسرعا دون استئذان وهي تنادي بركاتك يا شيخنا ابو الكراكيش، منك الدعاء والبركة ولله السؤال والإجابة، وهكذا خلص من المأزق بتلك الحيلة من خلال الحجابين، علم أهل القرية حكاية ابو الكراكيش مع كبير القرية وزوجته
أخذت نظرة أهل القرية تتبدل عن ابو الكراكيش حين رأوا ان كبير القرية قد استعان به وأمتثل لأمره، في ارتداء الحجاب الذي أعطاه له، ومنذ ذلك اليوم أرتفع قدر ابو الكراكيش عندهم، والذي زادهم به تعلقا وبكرامته، حمل امرأة كبير القرية قبل جلب المواد التي طلبها، كان القدر قد شمر عن ساعديه وألقى بالحظ في حضن ابو الكراكيش، قربه كبير القرية منه وجعله يرتاد عليه في أي وقت يشاء دون موعد مسبق، كذلك كثيرا ما يأخذ برأيه في بعض الأمور حتى أصبح صوت كبير القرية غيرمن هيئته وملابسه الرثة القديمة، ألا أنه لم يستغني عن كراكيشه وألوانها، بل زاد من عددها ولبس اللباس الناصع البياض، مُزَين بتلك الكراكيش المشعة الألوان الظاهرة للناظر إليها، كل الناس باتوا بين مستغرب ومؤمن، وبين مكذب وبين مصدق، أهذا هو الابو كراكيش الذي كان يتصدق عليه الناس باللقمة والشراب، متشرد بلا مأوى سوى ان بيت الله هو ملجأه، منهم من جعله من أصحاب الكرامات حتى ذاع صيته وأصبح صعب أن تراه الى بموعد مسبق، بل تدفع الاموال للتحدث إليه، كان كبير القرية قد اعطاه دار ذات باحة واسعة ببستان وخدم، وقد اهتم بأموره، كثيرا ما يتحدث عن كرامته من خلال الحجاب الذي يرتديه، وهكذا الأمر قد صار فأخذ يشتري الأراضي والدور وحتى البعيدة المتطرفة بعد أمست الأموال عنده بالآلاف، جعل الناس تعمل لديه بأرخص الأسعار لمجرد نيل بركات ابو الكراكيش من خلال العمل بأرضه وخدمته، أستفحل ابو الكراكيش، أصبح قاسيا، جلفا، لا يظهر الا الكراكيش الحمراء للناس معلنا غضبه عليهم، لم يعد يلتقي بالناس البسطاء او تقديم المشورة والمساعدة لهم، فقد جمع حوله من هم على شاكلته في مسائل النصب والاحتيال، حتى كرهته الناس، ملت من ذكر سيرة ابو الكراكيش، فكل من يذكره بطيب يعني أن له مصلحة وعمل معه، وكثيرا ما كانت الناس تتذكر كيف كان حاله، حتى كبير القرية أصبح لا يراه ألا بموعد سابق، وأغلب الأحيان يعتذر منه لسبب ما، حس كبير القرية انه لم يعد مرغوبا فيه ولا بحضوره ... أخذت الناس تلوم كبير قريتهم على ما وصل إليه ابو الكراكيش من جبروت وسلطان، لابد ان يضعوا له حدا، فقد دخل في كل دار، فلا يوجد شخص في القرية إلا وهو مطلوب لابو الكراكيش او يعمل عنده لتسديد ما عليه من ديون وفائض لم ينتهي، وهكذا قرر كبير القرية وأهلها على طرد ابو الكراكيش باللين والتفاهم والحوار، وإن لم ينفع ذلك فعليهم استخدام القوة، مرت الأيام بعد ان اتفق أهل القرية على هذا الرأي، ذهب كبير القرية للحديث مع ابو الكراكيش بالأمر وأخبره... عليه ان يجمع ماله ويرحل ومن معه، لان الناس بدأت تكرهه وسيرته مع ذلك التسلط والعنجهية والجبروت، لكن ابو الكراكيش اخذ يضحك على ما اتفقت القرية وأهلها عليه من أمر رحيله أو طرده، فلم يبدي لتذمرهم أهمية، بل مارس الضغط على ساكني الأراضي والدور والعاملين عنده، ضاعف الفائض ... ساد بين الناس الغضب، اجمع رجالات القرية الذين لهم وزن يحسب مع كبير القرية، أرادوا إنهاء الأمر وبسرعة وبالتي هي أحسن، على ألا تراق دماء كثيرة بينهم وبين ابو الكراكيش ورجاله، كل ذلك وأبو الكراكيش لم يعطي أهمية كبيرة، بحكم أنهم مدينون له ولا يستطيعون عمل شيء سوى الكلام والتهويش، لكن لكل شيء حدود، فلكل جور وظلم نهاية، جاء ذلك اليوم وفي وضح النهار قام أهل القرية بالتوجه الى دار ابو الكراكيش وضيعته، مطالبين منه الرحيل عن القرية، التي جعلت منه ديناصورا بطيبتها وفطرتها، ألفى الأمر خطيرا، رأى ابو الكراكيش الجمع الكبير، خرج إليهم مظهرا الكراكيش الصفراء قائل: لقد رأيت في المنام أن امرأ شؤما سيحدث، لكني لم أتوقع أن يكون بيني وبين أهلي وناسي، الذين عشت بينهم ومنهم واليهم، لم يجد صدا لكلماته سوى الطلب منه بالخروج من القرية قبل الهجوم عليه وإخراجه بالقوة ان لزم الأمر، إنهم مستعدون للتضحية من أجل ذلك ..

فعاد ابو الكراكيش وأظهر الكراكيش الحمراء قائل: لا تريدون غضبي عليكم، لا تجعلوني ألقي اللعنة عليكم وعلى أولادكم من بعدكم، فأني رجل مجاب الدعوة ومن خلفه جمع من حاشيته لإظهار سطوته، لكن ذلك لم يحرك ساكنا لهم او يزعزعهم، فماجت وراجت الجموع التي دخلت وسط وأمام داره حتى هزته، شعر انه لا محالة في مواجهتهم، فعليه الحيلة، فجأة!! رمى بنفسه على الارض مرتعشا صارخا الله الله هو الحي هو الباقي، قاموا رجاله بحمله الى داخل الدار والناس كل يتلفت الى الأخر ويقول: ماذا حدث؟!! القريب يحكي للبعيد عن ما رأى من ابو الكراكيش وسقوطه على الأرض وحمله الى داخل داره، في تلكم الاثناء قام ابو الكراكيش وقال لحاشيته... علينا بالهرب واخذ ما نستطيع، والا قتلونا هؤلاء الجهلة، لنهرب الى مكان أخر، ولكن كيف والدار محاصرة، كذلك اغلب البساتين لا عليكم علينا بملابس الخدم والانخراط بين الجمع الى ان نبتعد، ثم نهرب بلا رجعة، خير من الموت في هذا المكان، لقد استنفذت موارده وكفانا منه بهذا القدر، ثم سلكوا كما قال لهم، انخرطوا بين الجمع والحشود الكبيرة، والناس تنتظر ما حل بأبو الكراكيش، فبعض من رجاله لازالوا في خارج الدار لحمايتها، لم يعلموا بما خطط ابو الكراكيش وأعوانه المقربين له، وهكذا هرب ابو الكراكيش دون أن يدري أحد الى أين؟؟! بعد ان سرق خيرات القرية وثرواتها، لم تدرك الناس الامر الا بعد فوات أوانه، حين دخل جمع منهم بالقوة لمعرفة ماذا جرى لابو الكراكيش وطرده من القرية!!؟ إلا انهم تفاجئوا بأن الدار خالية من ساكنيها وليس بها احد، فصاح احدهم لقد اختفى ابو الكراكيش من الدار، لم يعد ابو الكراكيش موجودا، لقد هرب، فصاح الناس، هزجوا، فرحوا برحيل ابو الكراكيش، لم يدركوا انهم فقدوا ثرواتهم وما يملكون، فلم يعد لديهم سوى توحدهم وتكاتفهم، فقد نهب ما نهب، وسرق ما سرق، وما عليهم إلا البدء من جديد في زمن لا يوجد به ابو كراكيش.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى