السبت ٤ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم خالد حربي

إبداع طب الأسنان فى الحضارة الاسلامية

شهد العالم إبان عصور الحضارة الإسلامية فى العصور الإسلامية (الوسطى) ازدهار وتقدم وتطور علم الطب، فعلى مدى قرون طويلة تقترب من الألف سنة، كان الطب على مستوى العالم ينطق بالعربية درسا وممارسة وتطبيبا، وذلك إنما يرجع إلى الإنجازات والإسهامات الطبية الأصيلة التى أبدعها أطباء وعلماء الحضارة الإسلامية، وأفادت منها الإنسانية جمعاء.

ولقد تميز طب الحضارة الإسلامية فى عصر ازدهاره بعلم ومعرفة وممارسة الاختصاصات الطبية المختلفة، وقد سبق أن أصدرت أربعة كتب تكشف عن اختصاصات : الطب النفسى، وطب العيون، وطب الباطنة. وهنا أحاول أن أكشف عن إسهامات أطباء الحضارة الإسلامية فى طب الأسنان ذلك الاختصاص الفريد الذى نال ازدهارا وتطورا مثله مثل الاختصاصات الأخرى فى طب الحضارة الإسلامية, ومع ذلك قلما تجد أياً من الكتابات العربية قد أفردت لهذا الاختصاص، اللهم إلا دراسة واحدة قدمها الدكتور فؤاد الذاكرى، وكانت ضمن أعماله التى اقتسم بها معى جائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المقدمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمى فى مجال الفقه الطبى وتحقيق التراث سنة 2007، وذلك إلى جانب بعض الأبحاث القليلة والسطور الأقل فى مؤتمرات وكتب تاريخ العلوم عند العرب.

وربما يكون للاستشراق دور فى هذا التوجه، إذ يندر أن تجد فى كتابات المستشرقين منذ أن عاودوا التنقيب فى المخطوطات العربية الإسلامية إبان منتصف القرن التاسع عشر أى كتابات مستقلة عن طب الأسنان، فسلك الكتَاب العرب نفس مسلكهم !

احتل طب الأسنان فى الحضارة الإسلامية مكاناً مرموقاً فى تاريخ الطب العالمى ،ومع هذا لم نقف حتى الآن على حلقة مكتملة للإسهام الإسلامى فى طب الأسنان فى سلسلة تاريخ الطب العالمى، وذلك يرجع إلى أن ما وصلنا من مؤلفات ومخطوطات طب الأسنان فى الحضارة الإسلامية ليست هى كل المادة العلمية التى كتبها العلماء، فبعضها وصل، وبعضها فقد، وبعضها ضاع، وبعضها ضاع مؤلفها يشير إلى ذلك ما بات نألفه فى فهارس المخطوطات من تدوين مؤلفات كثيرة منسوبة إلى مجهولين ! ويشير كذلك إلى أن طب الأسنان يُعد من الاختصاصات التى لاقت اهتماماً بالغاً فى الحضارة الإسلامية، يؤكد ذلك كثرة عدد أطباء الأسنان، وكثرة التصانيف والتآليف المعتبرة والمرموقة التى وضعوها، تلك التى أضافت ثروة علمية كبيرة إلى الناتج العلمى والمعرفى لتاريخ هذا العلم. وللوقوف على الحجم الحقيقى لهذا الناتج، رأيت أن موسوعة الحاوى فى الطب للرازى تلعب دوراً بارزاً فى هذا المضمار، فلقد انتهى تحقيقى "لهذه الموسوعة" على مدار خمس عشر سنة إلى العديد من الفوائد الجمة التى تخدم ليس تاريخ الطب العربى الإسلامى فحسب، بل تاريخ الطب الإنسانى كله، ومنها أنها تحتوى على أوراق ومتون كتب من الحضارات السابقة على الحضارة الإسلامية، وأيضاً الحضارة الإسلامية، وأصول هذه الأوراق وتلك المتون مفقودة ولا توجد إلا فى الحاوى.

فحاولت الوقوف على مثل هذه النصوص المفقودة لأعلام الطب فى الحضارة الإسلامية بعامة، وأعلام طب الأسنان بخاصة، وذلك بهدف "ترميم" مساهماتهم باسترجاع وتحقيق ما فُقد أو ضاع من مؤلفاتهم، ولا وجود لنصوص منها إلا فى حاوى الرازى، فاسترجعت من الحاوى نصوص مفقودة أو ضائعة لماسرجويه البصرى، وعيسى بن حكم، وعبدوس، والساهر، وبنى بختيشوع، والطبرى، ويحيى بن ماسويه، وحنين بن اسحق، واسحق ابنه، ومجهولين مثل ابن طلاوس، ثم تتبعت اسهامات صاحب الحاوى وهو الرازى فى طب الأسنان، واللاحقين له كعلى بن العباس، والزهراوى وابن سينا. وبيّنت النصوص "المسترجعة" لكل من ماسرجويه، وعيسى بن حكم أن معلوماتهم وخبراتهم أفادت فى مجال طب الأسنان اللاحقين من أجيال العلماء، فجاءت "تذكرة" عبدوس (ت 289ﮬ) من الكتابات المهمة لتاريخ الطب فى الإسلام، إذ بحثت مختلف الأمراض التى يمكن أن تصيب الإنسان من الرأس إلى القدم، وشغل طب الأسنان قدراً معتبراً من التذكرة اقتبس منه الرازى فى موسوعته "الأهم" الحاوى.

وإذا كان كُناش الساهر لم يصل إلينا مثله مثل كثير من مؤلفات الطب العربى الإسلامى، إلا أن ما حفظه الرازى فى حاويه من نصوصه تشير إلى أهمية مساهمة الساهر فى طب الأسنان، كما أن اهتمام عائلة بختيشوع بالطب وتضلعهم فيه لا يخلو من طب الأسنان فلقد اهتموا بالأسنان مثل بقية أجزاء الجسم التى عرفوها ووقفوا على أمراضها وقدموا لها من العلاجات ما يساعد على الشفاء منها، كما دوّنوا معلوماتهم العلمية فى مؤلفات مثل ما لبختيشوع من : التذكرة، وما لجبرائيل من : كُناشه الكبير الملقب بالكافى، والروضة الطبية.

ويعد كتاب "فردوس الحكمة" للطبرى(ت236ه) أقدم تأليف عربى جامع لفنون الطب، وأول موسوعة طبية عربية اعتنت بالطب وعلومه وما يلزم لدراستها، فاحتوت علم الأجنة وعلم السموم والطب العقلى وطب النساء والتشريح وطب الأسنان الذى تضمن علاجات أمراض الأسنان واستخدام المكاوى وغيرها من المسائل الأخرى المتعلقة بطب الأسنان تلك التى شغلت اهتمام اللاحقين من العلماء حتى اقتبسوا من نصوصها فى مؤلفاتهم لاسيما الرازى فى الحاوى.

وكان يحيى بن ماسويه غزير الإنتاج الطبى فسجل له ابن أبى أصيبعة أربعين كتاباً فى الطب، لكنى كشفت عن أن لابن ماسويه كتباً أخرى لم يذكرها ابن أبى أصيبعة ولا غيره من المؤرخين ولم يرد ذكرها وكذلك نصوص منها إلا فى موسوعة الحاوى للرازى تلك التى حفظت لنا ولتاريخ الطب الكثير من نصوص أطباء الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات التى ضاعت أو فقدت عبر الزمن، ومنها لابن ماسويه : كتاب الكمال والتمام وكتاب الأدوية المنقية وكتاب فى تدبير السنة، الأول ذكره المؤرخون ومنهم ابن أبى أصيبعة، والثانى والثالث لم يذكرهما ولا يوجد نصوص من هذه المؤلفات إلا فى موسوعة الحاوى تلك التى ووقفت فيها على نصوص يحيى بن ماسويه فى طب الأسنان.

ومن الملاحظ أن معظم الدراسات التى صدرت فى حنين بن اسحق(ت260ه) قد اهتمت بإبراز جهوده فى الترجمة على حساب جهوده فى الطب، اللهم إلا بعض الدراسات مثل تحقيق ونشر كتاب "المسائل فى الطب" ونشر كتاب "المسائل فى العين" ونشر كتاب "العشر مقالات فى العين" بتحقيق ماكس مايرهوف الذى ذكر أنه منسوب لحنين, ومع ذلك فإن هذا الكتاب قد لعب دوراً مهماً فى طب العيون العربى الإسلامى، فقد أفاد واقتبس منه أعلام الكحالة العرب والمسلمين اللاحقين لحنين. إلا أن أهم الاقتباسات وأكثرها جاءت فى موسوعة الحاوى فى الطب للرازى حيث احتوت على كثير من نصوص ومؤلفات حنين الطبية، منها ما ذكرته مصادر تأريخ الطب، ومنها ما لم تذكره، مثل كتاب الترياق وكتاب المسائل والجواب فى العين وكتاب فى تشريح آلات الغذاء وكتاب فى حفظ الأسنان واللثة وكتاب إصلاح اللثة واللسان. فوقفت على نصوص حنين فى طب الأسنان التى احتواها حاوى الرازى لتضاف إلى الرصيد الكلى لإنجاز علماء الحضارة الإسلامية فى طب الأسنان، ومنهم اسحق بن حنين الذى ساهم متأثراً بأبيه فى طب الأسنان، وإن كانت مساهماته ليست فى حجم إسهامات أبيه، ودوّن علمه وخبرته فى طب الأسنان فى بعض مؤلفاته، واقتبس منها وأفاد بها صاحب الحاوى وهو الرازى(ت313ه) الذى يُعد خير ممثل لمرحلة الإبداع والابتكار من تاريخ الطب العربى الإسلامى، وذلك بفضل انجازاته الطبية والصيدلانية والبحثية والتعليمية التى أبدعها، وأفادت منها البشرية جمعاء. وبالنسبة لطب الأسنان، فبالإضافة إلى ما حفظه للإنسانية من نصوص مجهولة ومفقودة لأطباء الحضارة الإسلامية السابقين عليه ودوّنها فى موسوعته الحاوى فحفظت من الضياع، ساهم الرازى فى منظومة إبداع طب الأسنان فى الحضارة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من تخصيصه لجزء خاص من الحاوى يبحث فى طب الأسنان.

كما وقفت على أطباء أسنان ومؤلفين فى الحضارة الإسلامية لم نعرف تاريخ ميلادهم ولا وفاتهم ولا العصر الذى عاشوا فيه تحديداً، فقد خلت مصادر ومراجع تأريخ الطب من ذكر أخبارهم، فرجحت أنهم سابقين على الرازى أو معاصرين له بدليل نصوصهم التى اقتبسها الرازى ودوّنها فى الحاوى، ومنهم ابن طلاوس الذى وقفت على نصوصه فى حاوى الرازى وتم تحقيقها لتضاف إلى الرصيد العلمى لطب الأسنان فى الحضارة الإسلامية.

ذلك الرصيد الذى تضمن سبق على بن العباس(ت385ه) العلمى الأصيل فى تشخيص ووصف ما يُعرف حالياً فى طب الأسنان باسم البثعة أو الورم اللثوى الذى ينبت على اللثة وفى جوانب الأسنان، ووضع له العلاجات المناسبة من جراحة وأدوية. كما أجرى على بن العباس ما يُعرف حالياً فى الطب بالجراحة التجميلية لتشوه الأسنان فنشر الأسنان النابتة على غيرها. وعالج على بن العباس كسر اللحى أو الفك السفلى، وخلع الفك السفلى بطرق ما زالت متبعة فى الطب الحديث مثل الرد الأصبعى وتثبيت الأسنان وربطها بأسلاك من ذهب والتى تقابل الآن أسلاك الفولاذ، وربط الفك السفلى فى اتجاه الرأس بعد رده برباط قماش والذى يقابل الرباط المطاطى حالياً.

ويسجل أبو القاسم الزهراوى(ت404ه) السبق العلمى الأصيل فى تشخيص ووصف القلح والترسبات القلحية وأثرها فى فساد اللثة وأساليب وطرق إزالتها تلك التى ما زالت مستخدمة فى الطب الحديث. وفى مجال قلقلة الأسنان أبدع الزهراوى وبرع فى تشبيك الأسنان المتحركة بالجبيرة السلكية التى وصفها واستخدمها بأسلاك الذهب استخداماً دقيقاً، ولا تخرج هذه العملية فى الطب الحديث عما أبدعه الزهراوى. وكذلك شغلت الجراحة التجميلية لتطاول الأسنان أو النابتة على غيرها حيزاً فى اهتمامات أبى الجراحة مصمماً وواصفاً ومستخدماً للآلات الخاصة بذلك,فضلا عن أن الزهراوى يعد فى تاريخ العلم أول من زرع الأسنان بعد نحتها من عظام البقر، وأول من صنع المشابك السنية لتقويم الأسنان، وأبدع فى تجبير الكسور، واخترع وصنع الكثير من المكاوى وآلات جراحة الأسنان.

وخصص الشيخ الرئيس ابن سينا(ت428ه) حيزاً لطب الأسنان فى كتابه الأشهر "القانون" مشاركاً به أطباء الحضارة السابقين عليه لاسيما الرازى وعلى بن العباس والزهراوى فى منظومة الإبداع التى شهدها علم طب الأسنان، فأبدع ابن سينا فى مجال تشبيك الأسنان المتحركة بتوسيع منابت الأسنان فى حالة تآكل العظم بسبب آفة نسج داعمة أو خراج سنى، وأشار إلى الامتصاص الدورى الحديث حين وصف تآكل يدقق السن بما ينقص منها. كما وقف على التراجع اللثوى الذى ينشئ عن النسج الداعمة إذا التهب، وذلك بمعرفته نقصان لحم العمور. وفى قلع الأسنان اشترك ابن سينا مع سابقيه من أطباء الحضارة الإسلامية فى اتباع الطريقة المتبعة حالياً من حيث البدء بقطع رباط سنى خاص يربط السن باللثة، ثم يشرط حول السن، ثم يمسك بالكلابة ويقلقل للخارج وللداخل، ثم يسحب. ولم يكتف ابن سينا بقلع السن آلياً، بل اشترك مع الرازى فى الاستعانة بالوصفات الدوائية وخاصة التى يدخل فيها الزرنيخ لتسهيل الخلع، وهذا ما أثبته الطب الحديث من استخدام الزرنيخ فى قلع الأسنان بدون ألم كما قال ابن سينا.

وبعد ابن سينا استمر تواصل وعطاء علماء وأطباء الحضارة الإسلامية فى ميدان طب الأسنان ،وجراحة الفم والوجه والفكين، فاهتموا بما قدمه أسلافهم من انجازات وابتكارات ومعالجات، وزادوا عليها فى كتاباتهم مثل سعيد بن هبة الله (ت 495 هـ ) فى كتابه المغنى فى الطب، وابن العين زربى ( ت 548 هـ ) فى كتابه الكافى فى الطب، وابن القُف الكركى (ت 657 هـ ) فى كتابه العمدة فى صناعة الجراحة، وابن هُبل البغدادى (675 هـ ) فى كتابه المختارات فى الطب، وابن الفرج القربليانى (ت 761 هـ ) فى كتابه الاستقصاء والإبرام فى علاجات الجراحات والأورام.

من كل ما سبق يمكن الوقوف بصورة ما على حجم طب الأسنان فى الحضارة الإسلامية فيما يلى :

عنى أطباء الحضارة الإسلامية عناية كبيرة بوقاية وتنظيف الأسنان مؤكدين على استعمال أعواد السواك كفرشاة وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من الكالسيوم والعفص والحديد. واهتموا بمعالجة السن بكل الطرق والوسائل فابتكروا واتبعوا طرقاً دقيقة فى العلاج تكاد تقترب كثيراً مما هو سائد حالياً فى الطب الحديث. فلقد وضعوا أسس التشخيص التفريقى Differential Diagnosis المتبع الآن لأمراض الأسنان ففرقوا بين الأعراض والآلام المصاحبة للأمراض، وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقة للمرض، فكان الطبيب يتحرى الدقة فى تشخيص السن المصاب تشخيصاً سليماً لاسيما إذا كان النخر فى السن جانبى يصعب رؤيته ويتخذ الألم شكل الشعاع ممتداً إلى السن السليم.

عالج أطباء الحضارة الإسلامية عصب السن والجذور Endodontics بما يعرف حالياً بتحنيط لب السن pulp fixation وإماتته، وأرسوا أساس حشو الجذور المستعمل حالياً فابتكروا فى مجال تسويس الأسنان Teeth caries لأول مرة فى تاريخ الطب طريقة ثقب وسط السن المتآكل بمثقب يدوى لإخراج المواد المحتقنة الناتجة عن التهاب العصب، واستعملوا أنواع عديدة من الحشوات مثل الكبريت والقرنفل والشيح والمصطكى والقطران، وحشوا الضرس بمسحوق الفلفل، فإذا استمر الألم، استبدل بالزرنيخ الأحمر. واستعملوا الحشوات المصبوبة المركبة من خليط من المواد الغير قابلة للصدأ مثل الذهب لتعويض الأجزاء المكسورة أو المفقودة من الأسنان كما صنعوا ونحتوا أسنان صناعية من عظام البقر والعاج لتحل محل الأسنان المفقودة وتملئ حفرتها مثبتة بسلوك من ذهب.

واتبع أطباء الحضارة الإسلامية فى قلع الأسنان نفس الطريقة المتبعة حالياً حيث يبدأ القلع بقطع رباط سنى خاص يربط السن باللثة، ثم يشرط حول السن من الطرف الدهليزى الخارجى، ومن الطرف اللسانى الداخلى، ثم يمسك السن بالآلة الخاصة بذلك وهى الكلابة ويقلقل للخارج وللداخل، ثم سحبه لأسفل إذا كان من الأسنان العلوية، ولأعلى إذا كان من الأسنان السفلية.

وفى قلع أصول الأضراس واستخراج عظام الفك المكسورة ابتكروا واستخدموا الروافع والكلابة التى تشبه فم الطائر، وقاموا بفتح شريحة لثوية للقلع. وإذا ما تفتت عظم من الفك بعد القلع يسبب التهاب، فإنهم أوصوا بإزالته بالأدوية تماماً كما هو متبع الآن فى الطب الحديث، بل أشاروا لأول مرة إلى استعمال الخل المركز لإيقاف النزيف بعد خلع الضرس.

وإلى جانب الآلات الجراحية الخاصة بخلع الأسنان، برع أطباء الحضارة الإسلامية فى تصنيع وتصنيف الآلات الخاصة بجرف التسوس والتآكل والآلات الثاقبة والقاطعة مثل المجرفات والأزاميل والمسلات والمثاقب والمبارد، بالإضافة إلى الصنانير والخطاطيف ومسابر الكى الحرارى تلك التى ما زالت تستخدم فى طب الأسنان بعد أن نال بعضها التطور التكنولوجى الحديث.

وفى مجال التخدير لمنع الألم يُعد أطباء الحضارة الإسلامية الرواد الأُول فى التخدير العام بالاستنشاق والذى سجلوا به سبقاً على الطب الغربى الحديث. وتقوم نظريتهم فيه على بل قطعة من الإسفنج بمحلول مسحوق نبات الزوان والأفيون والحشيش والسيكران وتوضع على أنف وفم العليل للاستنشاق حتى يفقد وعيه فلا يشعر بالألم أثناء إجراء العمليات الجراحية. وكذلك فى مجال التخدير الموضعى لمنع الألم عند خلع الأسنان وصفوا لأول مرة فى تاريخ الطب التبريد لتسكين الآلام وذلك بوضع قطع الثلج على الأماكن المؤلمة فى الأسنان. كما وصفوا استعمال بذور نبات القنة والأفيون والميعة والبنج المعجونة بالعسل التى توضع على الأسنان، فإذا استمر الألم، وضعوا الزيت المغلى فى ثقوبها، أو كيها حرارياً.

وبرع أطباء الحضارة الإسلامية فى تشبيك الأسنان المتحركة بالجبيرة السلكية التى وصفوها واستخدموها بأسلاك الذهب استخداماً دقيقاً، ووسعوا منابت الأسنان فى حالة تآكل العظم بسبب آفة نسج داعمة، أو خراج سنى، وأشاروا إلى الامتصاص الدورى الحديث حين وصفوا تآكل يدقق السن بما ينقص منها. كما وقفوا على التراجع اللثوى الذى ينشئ عن النسج الداعمة إذا التهبت، وذلك بمعرفتهم نقصان لحم العمور.

وأجرى أطباء الحضارة الإسلامية ما يُعرف حالياً فى الطب بالجراحة التجميلية لتشوه الأسنان Malocclusuion فنشروا الأسنان النابتة على غيرها، كما سجلوا السبق العلمى الأصيل فى تشخيص ووصف القلح والترسبات القلحية وأثرها فى فساد اللثة وأساليب وطرق إزالتها تلك التى ما زالت مستخدمة فى الطب الحديث ذلك الذى أقر أيضاً بتشخيصهم لما يُعرف حالياً باسم البثعة Epulis أو الورم اللثوى الذى ينبت على اللثة وفى جوانب الأسنان، ووضعوا له العلاجات المناسبة والتى تنوعت بين الجراحة والأدوية.

وكذلك عالج أطباء الحضارة الإسلامية كسر اللحى أو الفك السفلى Mandibular Fractures وخلع الفك السفلى Mandibular Dislication بطرق مازالت متبعة فى الطب الحديث مثل الرد الإصبعى وتثبيت الأسنان وربطها بأسلاك من ذهب التى تقابل الآن أسلاك الفولاذ، وربط الفك السفلى فى اتجاه الرأس بعد رده برباط قماش والذى يقابل الرباط المطاطى حالياً.

كل هذه الإنجازات جعلت طب الأسنان فى الحضارة الإسلامية يمثل إبداعاً ممتداً إلى العلم الحديث، ويحتل مكاناً مرموقاً فى تاريخ الطب العالمى.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى