الأحد ١٢ أيار (مايو) ٢٠١٣
بقلم مهند النابلسي

نموذج «أبو بريص» الياباني!

في البداية يجب أن انوه بكافة الممارسات المهنية الرائعة والمتميزة والسوية التي يزخر بها شارع الحياة اليومي، وربما يكون الهدف من هذة المقالة تسليط الاضواء علىبعض الممارسات المزعجة والغير سوية وبهدف توعية الانسان العربي وتحريضة لعدم تقبل الاخطاء ونبذ ممارسات الغش والخديعة، وحتى ننأى عن أنماط التفكير الجمعي ونشجع الحس النقدي، لننعم في حياتنا ونتخلص من كم كبير من المنغصات. وغني عن القول ان كل أنظمتنا التربوية والاجراءات العقابية ستبقى عاجزة عن ردع السلوكيات المشينة اذا ما انعدمت الرقابة الذاتية والضمير الحي. وحتى الرادع الديني سيصبح مجرد واجهة استعراضية اذا لم يتجذر الحس الاخلاقي الداخلي والسلوك المهني الرفيع.

والأمثلة متعددة على السلوكيات "الغير حميدة" فالطبيب الجراح قد يسوق المريض لغرفة العمليات قبل أن يتأنى بتشخيص المرض بدقة خوفا من ان يفلت المريض، أوقد يعرضة لجملة فحوصات باهظة غير ضرورية، وقد يخرب طبيب الاسنان أسنانك حتى تصبح زبونا دائما عندة، وقد تؤدي ممارسات طبية-تمريضية خاطئة في أحد المستشفيات (الذي يدعي التميز!) لفقدان حياة مريض، أو لحدوث علة صحية مزمنة ! والاستاذ الجامعي قد يبيع مادة نظرية للشركات متبجحا بمعرفة عملية لا يملكها، والناشر الجشع الذي لا يعترف بحقوق المؤلف المالية، والمدراء في بعض الشركات قد يتظاهرون بحبهم لمصلحة شركاتهم بينما يعملون خفية على تخريبها داخليا بالرواتب الخيالية وبالفساد والمحسوبية، ولن اسهب بالحديث عن مختلف السلوكيات المشينة كممارسات سائق التكسي والموسرجي والسباك وميكانيكي السيارات وبائع البقالة وحتى المهن الراقية لا تخلو من مثل هذة السلوكيات كالتاجر والمحامي والمهندس، فالكل يشهد على حالات غش وخداع وتضليل أدت لمعاناة وهدر للجهود والوقت والمال!

والمتأمل لشوارعنا يجد العجب العجاب، فحالات التجاوز في الممارسات وانظمة السير لا تعد ولا تحصى.....وتربيتنا المنزلية لا تعتمد في الغالب على بناء حس المواطنة وانما تعتمد على المظاهر وتضخم الشعور بالأنا والفردية، فالطفل يفهم منذ نعومة أظفارة بانه يجب أن يكون الاول (ليس بمفهوم التفوق الدراسي)، والمدارس تنمي حس الفردية والتنافس بدلا من تنمية الشعور الجماعي واساليب عمل الفريق كما

يفعل اليابانيون. وما زلنا نتذكر قصص نصابي البورصة الوهمية اللذين نصبوا وسرقوا وغشوا في وضح النهار وكذلك حالات التسمم الغذائي الناتجة عن تلوث الطعام وفساد الضمائر والذمم !
وحتى المهن التي تبدو محصنة أمام السلوكيات الرديئة لا تخلو أيضا من بعض الممارسات والمواقف المنفرة مثل الصحافة والفضائيات والاعلام والاستشارات وغيرها......وكمثال المستوى الرديء لبعض المسلسلات من حيث سخافة السيناريو وركاكة الاخراج وضعف الاداء وخلوها من المنطق الدرامي وعناصر الاقناع، ولنشير بخجل لحالات الخداع والادعاء في قطاع الاستشارات الادارية حيث اصبح كل من حضر دورة متخصصة وأنجز عرضا توضيحيا خبيرا لا يشق لة غبار ! وخذ أمثلة اخرى لكتاب اعمدة ومقالات"يسلقون" مقالاتهم ولا يبذلون جهدا لتحضيرها، أو كمذيعي برامج فضائية يظهرون أحيانا كالمهرجين، أو كموظفي قطاع عام وشركات يمارسون الاستعلاء والجشع على عباد الله!

والغريب أن الاسلام كدين سماوي عالمي يزخر بكم هائل من الايات والاحاديث النبوية والمقولات والماثر والسلوكيات التي تحث بمجملها على الاستقامة في التعامل وتجنب الغش والاحتيال (من غشنا فليس منا)، كما تؤكد على عناصر على جملة ضوابط سلوكية واخلاقية منها النظافة والطهارة والاستقامة في القول والعمل، وللأسف فهذا كلة لا ينسجم اجمالا مع معظم المظاهر والسلوكيات الدارجة أو السائدة في معظم المجتمعات العربية،ولنأخذ ببساطة نظافة الشوارع والمرافق كمثال مقارنة مع أي عاصمة أو مدينة اوروبية!
ولنضرب مثالين معبرين هما: القاء المخلفات من السيارات و"تنبيش" حاويات الزبالة والتي أصبحت ظاهرة يومية!

ان المظاهر الحضارية الحديثة التي أصبحت تعج بها عواصمنا ومدننا العربية يفضل أن تتواكب مع ثقافة موازية ترتبط بتغيير جملة السلوكيات والعقلية السائدة، وكذلك اسلوب التعامل الانساني، وطرق التعامل ماديا مع هذه المرافق والشوارع والانفاق والجسور والابراج والحدائق، والا فقدت هذة الصروح الحضارية المكلفة بريقها وبعض قيمتها!
وعندما يحاول المرء مناقشة مناحي السؤ بأنماط حياتنا وأنشطتنا تجد فورا من يتهمك بالمبالغة والتنظير! لقد أخذنا من الغرب كل شيء تقريبا والمطلوب أن نضع "مواصفات جودة وذوق" لمعظم الممارسات المهنية وأن تكون واضحة لا لبس فيها، وأن نقود في مجتمعاتنا العربية الواعدة حملات توعية شاملة تجعلنا نفيق من سباتنا التاريخي ونزاحم الامم المتحضرة. لقد شبعنا من "بازار" جوائز التميز حتى أصبحنا نتوهم بالفعل بأنا متميزين ومنجزين عكس الواقع الحقيقي المليء بالممارسات الرديئة والانجازات المتواضعة، ومن المنطق تسليط الاضواء على حالات الاخفاق بهدف التصحيح وأخذ الدروس والعبر، وأقترح هنا (للطرافة) أن يتم تشكيل لجنة من الباحثين والادباء والمهندسين والفنانين والخبراء الحقيقيين وذلك بهدف فرز الانجازات والاعمال السيئة واعطاءها جوائز سنوية وذلك اسوة بالجوائز التي تمنح سنويا للاعمال والانجازات المتميزة وعلى كافة الاصعدة الادبية والفنية والهندسية والعقارية أو المعمارية!

حسب اعتقادي المتواضع فان معظم ممارسات الغش والخداع والتضليل والتشوية تنبع اساسا من انعدام حس المواطنة وضعف الانتماء، فالذي يستخدم المياة العادمة لسقاية الخضروات او الذي يبيع معلبات فاسدة أويستخدم صهاريج النضح الفارغة لنفل الزيوت النباتية أو حتى الذي يجمع مدخرات المواطنين في بورصات وهمية كاذبة، كل هؤلاء لا يملكون الحد الادنى من الشعور بالمواطنة والانتماء بل ويملكون كرها مبطنا لمجتمعاتهم ومواطنيهم بالاضافة لانانيتهم وجشعهم ولا يختلفون بالجوهر عن اللصوص ومروجي المخدرات! وعندما يتطور المجتمع بشكل حضاري وينصهر اعضاءة بعيدا عن الجهوية والعشائرية والطائفية والاتنية ويتكون المواطن العربي المنتمي وحيث يصبح الانتماء جزاء من نسيج الشخصية وليس كظاهرة صوتية استعراضية.

وانهي مقالتي بقصة "أبو بريص" الياباني،وهي حكاية ذات دلالة معبرة، فقد اكتشف مواطن ياباني بمحض الصدفة أثناء تعزيلة لمنزلة وجود "أبو بريص" وقد اخترقة مسمار وجعلة غير قادر على الحركة، وتملكة الفضول فراقب الحيوان لساعات ولاحظ أن هناك "ابو بريص" اخر يزور ذلك المعلق من وقت لاخر ويزودة بالطعام من حين لاخر مما أبقاة حيا لسنوات!

انه حس المواطنة واحترام الاخر والضمير الحي الداخلي هو الذي يفعل السحر ويجعلنا نتعايش بنزاهة وعدالة في مجتمعات يسودها الخير والتكافل، فهل يعطينا هذا الحيوان البسيط مثالا معبرا لحس التعاون والمشاركة ووحدة المصير ونبذ الانانية؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى