انتصار الذباب

الزبون الذي كان يشرب بجانبي أصبح امرأة والساقية أصبحت بطلة أولمبية في الملاكمة وأنا أصبحت بعد يوم من الشرب متسولا أمد يدي لرواد الحانة عل أحدهم ينسى أنه أصبح متسولا فيتبرع علي بصدقة جارية تساعدني على تأدية آخر كأس قبل العودة إلى بيتي الذي يتحول في آخر الليل إلى ماخور يقصده كل زملائي بثانوية الأيوبي بسلا.

2

أشرب الخمر إذن أنا سكير خطير. أشرب الخمر وأكتب الشعر إذن أنا شاعر ما بعد الحداثة. أشرب الخمر وأفكر في مصير الطبقات الشعبية إذن أنا مثقف عضوي. أشرب وأحاول إثارة انتباه الساقية التي لم تعد تثير انتباه أحد إذن أنا موجود في حانة المكبوتين الذين يتظاهرون بالعفة. أشرب الخمر وأفكر وأكتب وأحاول حل مشاكل الإنسانية ونسيان مشاكلي إذن أنا حمار.

أشرب وأشرب وأشرب وفجأة أسمع قهقهة الذبابة تتهكم علي. إذا مللت الحياة قالت، فلِمَ لا تصبح ذبابة مثلي وتعيش معنا في قمة جبل القاذورات الرائعة؟ أردت الرد عليها فلم أفلح لأني لم أتعلم الحديث بلغة الذباب رغم أن روحي روح ذبابة منذ أن قررت العيش بداخل الحانة

‌ 3

حانة مليئة بالذباب. ذباب يشرب ويصرخ ويتناقش ويغني عاليا. ذباب، ذباب، ذباب بحانة نجوم الليل بالقنيطرة ووسط الذباب شاعر يهوى الحداثة وتوعية الجماهير لكن عوض الجماهير هناك ذباب غريب. فهناك الذباب الأسود والذباب الأزرق والذباب الأحمر والذباب الأبيض. الذباب الأزرق له أجنحة عدة ويشرب في كؤوس من بلور. الذباب الأسود يشرب فقط بالليل وسط سيقان عاهرات لهن مؤخرات تشبه قمة الجبل الأسود. الذباب الأحمر له أعين حمراء من كثرة لياليه الحمراء بقصر الحمراء وهو لا يشرب إلا النبيذ الذي يذكره بمغامرات أجداده وسط الأزهار المغتصبة. وأخيرا ذباب غريب يحمل كفنه بين جناحيه لأنه يعرف أنه مرشح للموت فور انتهاء الأمسية بحانة الذباب. أما الشاعر ففور انتهائه من احتساء كؤوس معاناته وكتابة الأشعار حول الجماهير فإنه يتجه مباشرة إلى بيته الموجود وسط أكبر قمامة بالمدينة. قمامة ذباب متعدد الأجناس والجنسيات والألوان.

4

ذبابتان أمامي. قالت الأولى للثانية: أهذا هو حبيبك الذي يكتب الشعر عنك؟ لا، أجابتها، هو فقط زميلي في العمل الذؤوب بالقمامة. وبعد ساعة قالت الثانية للأولى: هذا الذي يشرب بلا انقطاع هل هو الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام كشاعر حداثي ثوري تقدمي؟ إنه هو لكنه لم يعد يكتب شعرا منذ ربطه علاقة بساقية كانت ذبابة فترقت وأصبحت ضفدعة.