الاثنين ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم مهند النابلسي

قليل من الاسترخاء

نحن كبشر معرضون في هذه الحياة لضغوط عصبية ونفسية كثيرة، واذا كان قدرنا ان نكون من فئة شعوب العالم الثالث، ومن فئة العرب والمسلمين المعرضين دوما لأطماع الصهيونية والاستعمار بأنماطه القديمة والجديدة، ناهيك عن ضغوط الحياة الهائلة والتغييرات والتداعيات الهائلة التي رافقت وما زالت ما يسمى ربيعنا العربي البائس – الهائج ، وبالرغم من ذلك فهذه ليست أسباب وجيهة لكي نبقى دوما متشنجين متوترين، فنوائب الدهر والحياة كثيرة، وعلى الانسان أن يحافظ على التوازن بين قدراته الجسمية والعصبية والعقلية لكي ينجح باجتياز رحلة الحياة بالقليل من المعاناة والأمراض، ولنلاحظ ببساطة أننا شعب "متجهم ومكشر" ونضغط على أعصابنا أحيانا اكثر من اللازم، كما اننا نفتقد في حالات كثيرة لروح "الدعابة والمرح والفكاهة " والتي ليست لها علاقة "بالتهكم والتجريح والتهريج"، معتقدين خاطئين أنها تضر وجاهتنا العتيدة وقوة شخصيتنا والصورة الصارمة المطلوبة لمظهرنا ...

وهذا خطأ: فالمرح والفكاهة وحتى السخرية والنقد، تعتبر أسلحة نفسية قد تساعد على مواجهة الاخفاقات والاحبااطات والوجاهات المزيفة، وقد تسمو بنا لآفاق رفيعة من السلوك الراقي البعيد عن التفاهات...وهي كفيلة بتزويدنا بقدرات نقدية ذاتية تجعلنا نتامل مواطن العيب والتشنج في سلوكنا وتصرفاتنا، ونكشف عن مواطن الغرور والزيف والعظمة الوهمية! وقد قرأت كتابا عن الاسترخاء وفنونه، واريد ان يشاركني القارىء متعة الاطلاع على خفايا هذا الفن الرفيع، الذي نحن بأمس الحاجة لممارسته في حياتنا اليومية : يعرف الاسترخاء بأنه حالة نفسية وجسدية تؤمن للانسان طمأنينة كاملة، وهو نوعان متكاملان، الاسترخاء الجسدي التدريجي والاسترخاء النفسي او العقلي.

يعتقد معظم الناس ان الاسترخاء يكون بسماع الموسيقى والأغاني او في مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية أو القراءة الهادئة، وهذه وسائل لتمرير الوقت وقد تساعد على الاسترخاء أحيانا ولكنها ليست فعالة، ولو استعرضنا قائمة الأشخاص اللذين يلزمهم الاسترخاء لوجدنا أنفسنا بشكل او بآخر ضمن أحد البنود التالية:

الشخص الذي لا يستغني عن التقدير والمكافأة
الشخص الذي يفعل امورا كثيرة في الوقت ذاته
الشخص الذي يحتاج دوما للربح والتحفيز
الشخص الذي يحمل يومه فوق المستطاع
الشخص الذي يميل بشكل مفرط للمزاحمة
الشخص الذي يعمل أكثر من اللازم وساعات اضافية
الشخص الذي يكون هاجسه العجلة
الشخص الذي يلتزم بمشاريع عديدة ذات مهل محددة
الشخص الذي يفقد صبره اذا كان هناك تاخير
الشخص الذي يشعر بأهميته ويعاني من تضخم "الأنا"

ونلاحظ أن التوتر العصبي يظهر في السلوكيات التالية: صر الأسنان وقضم الأظافر واللعب بالشعر واغلاق الفم بقوة، العزلة وعدم الاطمئنان للناس وفقدان الثقة بالأصدقاء، عدم الارتياح لمسرات الحياة، الشعور بالتعب المزمن والغضب لأسباب تافهة لا تستحق الانفعال، كما نلاحظ تفشي مظاهر الحساسية المرضية، وليس هناك أسهل من اثارة شخص متوتر الأعصاب! وعلى عكس الاعتقاد السائد فكثرة النوم لا تزيل الارهاق والتعب، أما من ينام عميقا ست لسبع ساعات يوميا، فسيشعر بقدر كاف من القوة والنشاط. يؤدي الاجهاد العصبي والتوتر الدائم للذبحة القلبية والقرحة الهضمية، وهناك تقنيات سهلة يمكن تبنيها لمقاومة الاجهاد والتوتر منها: اسلوب استرخاء الأطراف واسلوب التمطي المعروف (كالقطة)، الاستقامة في الوقوف والجلوس، وليكن شعارنا اليومي: العقل سيد الحواس، والتنفس يسيطر على العقل، فلماذا لا نزيد من فاعلية تنفسنا العميق؟! ثم يتطرق الكتاب لثلاثة عومل رخيصة ومتوفرة تساعدنا على الاسترخاء وتقوية الجسم وهي الضوء والهواء والشمس، فالحمامات الهوائية الصباحية القصيرة لا تتطلب منا الا التنفس العميق، وكذلك المشي في الربيع والخريف صباحا وعصرا ، واستغلال النسمات المسائية الرائعة قي أجواء الصيف للمشي بدلا من الجلوس في المقاهي وتدخين الأرجيلة او السجائر ... وهناك سلوكيات استرخاء بسيطة تكمن بالصمت والتأمل والتنزه في المناطق الخضراء، ولن ننسى دور الاستحمام البارد او الفاتر والساخن، رفع الرجلين لأعلى اثناء الجلوس على الأرائك في المنازل والتدليك والتعرق، تربية بعض الحيوانات المنزلية الأليفة ومحاولة التواصل معها، واود بنهاية هذه المقالة التركيز على نوعين من الاسترخاء نظرا للفوائد الجمة التي يمكن ان تجنى من تطبيقهما:
الايحاء الذاتي ويعني طلب الهدؤ والاحساس بالثقل والدفء، ويتمثل في حالاته المتطورة بادراك دقات القلب والتنفس بالشهيق والزفير، وقد يتوصل الانسان بعد ممارسته لفترة معينة لاسترخاء تام واستعادة للسلام الذاتي والهدؤ الداخلي وللسيطرة على النفس.

العلاج بالموسيقى، وهو يختلف عن مجرد السماع اليومي للموسيقى والأغاني، وتشمل مجالات العلاج بالموسيقى والسيطرة على الانفعالات والمشاعر، وتتطور لتتجاوز الشعور بالألم، وقد أثبت العلاج الموسيقي نجاعته في الوقاية من الاضرابات النفسية والعاطفية .

لقد اقتبسنا من الغرب على مدى العقود "موسيقى وأغاني الديسكو الزاعقة" التي تصم الآذان وتوتر الأبدان، وحولناها لضجيج وزعيق محلي، يسمح لكل مدعي غناء او موسيقى أن يصول ويجول ساعات وهو يصرخ ويطبل امام اجهزة الصوت الألكترونية، حتى يزعج الخلق والعباد المساكين ويصيب الجميع بالصداع والتوتر ، وبدا احيانا وكان عامة الناس لا يملكون بمعظمهم ذائقة موسيقية راقية، وانتشرت كذلك أصناف الأغاني الشعبية الهابطة وأنواع الموسيقى "المعدنية" الشيطانية وكذلك صنوف موسيقى وأغاني "الراب" (الغربية والعربية)، ونسينا الموشحات الاندلسية الراقية وكلاسيكيات الغناء العربي الساحرة الشجية (كعبد الوهاب وام كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش ...الخ)، ولم نقتبس من الغرب حبه وشغفه بألوان الموسيقى الكلاسيكية الرائعة (كسينفونيات باخ وبتهوفن وفاجنر وموسارت وشايكوفسكي وغيرهم)، وكادت الموسيقى في غمرة انحسار الذائقة الموسيقة الراقية (التي أصبحت حكرا للنخبة) أن تتحول كوسيلة ازعاج وارهاق عصبي!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى