الخميس ١١ تموز (يوليو) ٢٠١٣
قصّتان قصيرتان
بقلم عثمان آيت مهدي

الراحة الأبدية

التقيته بمقهى عمي صالح على غير عادته، جالسا على كرسي من حديد، واضعا رجلا على رجل، بجانبه، على الطاولة، فنجان قهوة مركزة، مخفيا رأسه بصفحتين من جريدة الوطن يتصفح أخبار العالم. ألقيت عليه السلام، رفع رأسه بتأن وردّ السلام، ثمّ أشار إليّ بالجلوس جانبه، وطلب من النادل إحضار قهوة شديدة التركيز.
قلت: ولمَ قهوة شديدة التركيز؟

قال: ليزول عنك النوم والسأم إلى حين.

قلت: لم أتعود رؤيتك في هذا الوقت بهذا المكان، هل تغيرت طباعك أم هناك سبب طارئ؟
قال: بل سأغير طباعي وفق ملابسات الحياة، تصور مكتبة بحجم التي أديرها ستغلق أبوابها إلى شهر سبتمبر، موعد الدخول المدرسي والاجتماعي، وسأقضي هذه الشهور من جوان إلى غاية العودة متنقلا بين البيت والسوق والمقهى.

قلت: إذًا، ستكون رفيقي في هذه العطلة، ولن تشعر بالملل والوحدة، فكلانا في الهم سوى. لقد أغلقت أبواب المدارس والمكتبات، لنفتح أبواب المقاهي والمنتزهات، نلهو ونتفسح، نثرثر ونتبجح، نسترخي وننام، إلى أن يبزغ علينا شهر الدخول الاجتماعي والدراسي، عند ذاك نعود إلى النشاط والمثابرة.

قال: ليتنا كنّا كذلك، إنّنا بعد هذه العطلة الطويلة للراحة الرسمية، ننتقل إلى فصول أخرى للراحة داخل مؤسسات العمل.

وجعلنا الليل سباتا

انتاب السائح شيئا من الخوف والقلق وهو يدخل مدينة كبيرة خالية على عروشها، يعمها ظلام دامس ويلفها سكون رهيب، فسأل السائقَ الذي يحمله من المطار إلى الفندق: هل في الأمر شيء؟ هل يسكن أناس هذه المدينة؟ ردّ السائق: لا شيء عليك، نحن قوم بعد صلاة العشاء، نتوقف عن العمل، ندخل بيوتنا، نطفئ الأضواء وبعدها نستسلم للنوم العميق، لقد جعل الله لنا الليل لباسا والنهار معاشا.

قال السائح: يعني أنّكم تجتهدون وتثابرون في النهار وتسترحون في الليل.

قال السائق: هو كذلك.

قال السائح: وبذلك تتجنبون جميع أعراض الإرهاق والتوتر والقلق، وتحيون حياة الهدوء والطمأنينة.

قال السائق: هو كذلك.

قال السائح: فكرة رائعة، لكن، مالذي جعلكم من العالم المتخلف الفقير؟

ردّ عليه السائق بأسف شديد: لأننا جعلنا الليل سباتا والنهار راحة وخمولا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى