الأحد ٢٦ آذار (مارس) ٢٠٠٦
قصة قصرة
بقلم طلال الشريف

قدر

فاجأته كالصاعقة, عندما أخبرته بسفرها في غضون أسبوعين, فتسمرت الحروف علي شفتيه من الصدمة, التي انتابته من خبر السفر, بعد أن أمضي عامين محاولاً إقناعها بالارتباط به, دون جدوى, فقد كانت لا تتحمل مجرد الحديث في موضوع الزواج منها. وكان هو من عمق إعجابه بها, مقتنع بأنها في النهاية ستستجيب لحبه الجارف, فهو يعرف, أنه إذا ما دارت في ذهنه فكرة فلابد في النهاية, إلا أن تتحقق.

لقد أصابته في مقتل منذ أن رآها أول مرة, رغم أنه لم يتبادر إلي ذهنه طوال عشرين عاماً, أنه قد يعجب بفتاة من جديد لتكون زوجة ثانية, والأهم من ذلك أنه صاحب أيديولوجية لا تؤمن بالقدر, بل كان دائماً من أصحاب نظرية أن الإنسان قادر علي عمل الأشياء جميعها, وإذا لم يتحقق شيء ما في هذه الدنيا, فهو ناتج في فكره عن قصور في الإدارة والتدبير.

وما أن رآها أول مرة, حتى جلس يستعيد صورتها, ويعيد المشهد مرة تلو المرة, وأخذت تشكل جزءً من حيز التفكير لديه, فعلل ذلك لقوة شخصيتها, وأنه مجرد إعجاب عابر لا يلبث أن ينتهي, ولكنها سيطرت علي تفكيره, أياما وشهوراً, وبدأ يحس أن هناك قوة فوق قوة الإنسان, وكيف صنعت هذه القوة الخفية التي أدت إلي اصطدام عيناه بعينيها, وذلك الإحساس الغريب الذي هز قلبه في ذلك اليوم الغريب, فقفز من مكانه عندما انكسر حاجز القدرة الإنسانية لديه, وهتف بصوت عال، إنه القدر. يا لها من فتاة جعلته يتغير, ويعيد ترتيب قناعا ته بشكل جديد. فقد كانت تقول له ماذا تريد؟ لديك زوجة وأبناء, ويبدو عليك الارتياح والسرور والاتزان في حياتك العائلية. فلماذا تريدني زوجة أخري وأنا لم يخطر ببالي الاقتران برجل متزوج, رغم احترامي الشديد لك, فأنت رجل تتمناه كل فتاة لو لم تكن متزوجاً, فيرد عليها بأنه لا يعرف ما الذي جري له, انه ليس من صنعه, فهو يعرف أن شحنة من الطاقة قد صدمته, فخلخلت أحواله منذ أن رآها, وكم حاول الابتعاد عنها, ونسيان صورتها, لكن الحقيقة أن أحاسيس عميقة قد تولدت لديه نحوها فأصبح لا يستطيع الابتعاد عنها.وهي أيضا كانت تدرك أن نظراته, وكلماته معها تزداد جرأة وعمقاً, فكانت تخشي أن تصدر عنها إيماءة لكي لا تزيد الطين بلة. ولكنها هي أيضاً قد تكون لديها مستقبل لكلماته وتصرفاته فأصبحت كمن تريده ولا تريده, وتواصلت الحكاية وكأنها قصة مؤجلة إلي حين.

إنها حقاً قد أحبته لكنها لا تريد الاقتران به, وكانت تفضل أن تكون صديقته أو زميلته من بعيد فالأنثى, كعادتها بطيئة الاستجابة لمن لا تحبه هي من أول نظرة, ولا تظهر ذلك بشكل واضح, مثلما الرجل الذي يحب أكثر من امرأة, أما المرأة فلا تحب حقيقة إلا رجل واحد, حتى وإن لم تتزوجه في أغلب الأحيان, وقد يكون هذا لطبيعة الرجل في أغلب الظروف, حيث يكون في الغالب الأعم هو الذي يسعى لمن يحب فيظفر بها, أما المرأة ففي الغالب الأعم, لا تظفر بالرجل الذي تحبه. ولذلك إذا لم يكن الحب متبادل من الأساس فيجب التفكير دائماً في أن المرأة تعيش في كنف رجل ما, والرجل الذي أحبته حقيقة يكون في مكان أو عالم آخر.

وكما قلنا إنها لا تريده لأنه متزوج بأخرى لكنها أحبته, وكان ينتابها شعور بأنها تستطيع الاقتراب منه في أي وقت إذا احتاجته, وأدركت أنه يحبها, وسينتظرها حينما تريد ذلك, وعندها قررت السفر لتحقيق حلمها الأول وهو شهادة (........) التي كرست حياتها لها, ولم يجد هو بداً من تشجيعها, ودعمها رغم شعوره بالحزن لفراقها, وحين جاءت لحظة الوداع جحدت به وماطلت في رؤيته وحاول رؤيتها إلا أنها تملصت بكل الطرق لكي لا تراه فودعها عبر التليفون, وهو يعتصر ألماً لعدم مقدرته من النظر في عينيها التي سحرته أول مرة رآها فيها, وفجأة نطق بما لم ينطق به من قبل صائحاً, لا إله إلا الله, فردت عليه محمد رسول الله.

إنها الحقيقة التي غابت عنه سنوات طويلة ولم يكن يؤمن بها, وهكذا يفعل القدر فعله في الزمان والمكان المحددين, بعد أن تأخذ الدنيا الناس بعيداً عن الحق فتصدمهم الحقيقة في لحظتها فيكتشفون أنهم مسيرون ولا حول ولا قوة وإلا ما قدره القدر. 24/3/2006م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى