الخميس ٢٢ أيار (مايو) ٢٠١٤
بقلم أمينة شرادي

صاحـــب القـطـــــعة النقــــــــدية

هي طفلة، تشبه كل طفلات الحي الذي تسكنه. تحب اللعب باستمرار وترفض الأوامر التي تعيدها إلى البيت. هي طفلة، جميلة الشكل و الروح مثل كل طفلات الحي. لها شعر طويل و خدين يستوطنهما الخجل. تجر لعب الطفولة ورائها، تسدل ضفيرتها خلف ظهرها و تتركها تتهاوى مع كل حركة وأحيانا كانت تفتعل الحركة حتى تشعر بها تتمايل بكل حرية. تنطلق عند كل صباح مع أصوات العصافير وتعود إلى البيت بعدما يبلغ منها التعب مبلغه. لم تشعر يوما أن عينا تراقب نمو جسدها الصغير الذي بدأ يشق طريقه إلى المجهول. وستسلقها الألسن و ستتحول إلى لعبة مثيرة و مخيفة بين أقرانها من الأطفال و الطفلات. اتكأت يوما على حائط المنزل، تغازل الطيور و القطط بعينيها. تحاول التقرب منهم، تفر القطط و تطير العصافير إلى الفضاء الواسع. تلاعب شعيرات شعرها المنفلت من قبضة الضفيرة المحكمة الإتقان. هو كان هناك، نظر إليها مليا، ابتسم، ابتسمت بكل عفوية...اقترب أكثر وتجرأ على لمس شعرها بحجة أنه جميل و يشبه شعر ابنته. أهداها قطعة نقدية وذهب. احمر وجهها و فرت دمعة فرح من عينيها و دست القطعة النقدية في جيبها. عادت تلاعب الشعيرات المتمردات و لاحقت القطط والعصافير من جديد.

استحال حائط المنزل إلى المكان المفضل لدى الطفلة، خاصة لما تتجمع عند عتبته القطط و العصافير..
عند كل صباح، تخرج الطفلة كالعادة، لا تلوي على شيء، يمر الرجل كهدية من السماء يهديها قطعة نقدية و يختفي. توالت الأيام بهدوء ثقيل، كان يوم شديد الحرارة من أيام الصيف الفائضة، كل من في البيت نائم بعد قضاء ليلة ساهرة، مر الرجل صاحب القطعة النقدية، نظر اتجاه الحائط، لم يجد الطفلة. توارى إلى الخلف غير راغب في الذهاب دون أن يراها أو...و ما هي إلا لحظات حتى سبقها صوتها الصغير الذي يراقص حركاتها البهلوانية و لعبها الطفو لي و شعرها المتحرر. لمحته، اتجهت صوبه وكل ملامحها الصغيرة تتمدد و تتقلص من الفرح و التردد و الخوف. رمقته بنظرة خجولة و همت بفرك يديها و النظر بين الفينة و الأخرى خلفها. مرعوبة من شيء ما.

ابتسم كعادته و مسح بيده على شعرها مرة أخرى و قال لها بأنها جميلة جدا و لها فم أحمر كلون الدم. لم تدرك شيئا سوى أنها ابتسمت لهذا الكلام و همت بالانصراف. أقوفها و طلب منها أن تتبعه لكي يهديها هدية جميلة تليق بها. أمسكت به و هي التي ارتاحت إلى كلامه الهادئ و طيبو بته، عند كل لحظة، كانت تنتظر أن يهديها قطعة نقدية أخرى. طال الانتظار. حل الليل يحضن الجميع بين أحضانه، و الطفلة تنتظر و الرجل صاحب القطعة النقدية غائب حاضر، يظهر و يختفي. أعجبتها اللعبة و ظنت أنه يلعب معها لعبة "الاستغماية" التي كانت تلعبها مع الأطفال في الحي. أعجبتها اللعبة واختبأت بين أحضان الظلمة الحالكة. تنتظر أن يظهر و يعلن انهزامه أمامها لأنها شاطرة و لا مرة انهزمت مع أطفال حيها. طال الانتظار و حل محله الهلع و الاضطراب. حاولت الصراخ و الانفلات من قبضة الليل الموحشة، لم تستطع. ضاع صوتها في فضاء المكان الموحش و تجمدت رجلاها و رفض قلبها أن ينبض من جديد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى