الاثنين ٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٤
حكايات أبي (5)
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

المجنون

اليوم وجدت أبي يعد الشاي بيده،

أضرم النار وسخن الماء في إبريق زنكي ثم صبه في إبريق صيني ثم أضاف ملعقة شاي سيلاني (ويسميه شاي أبو الحصان، ذلك لأن على علبته صورة حصان) وتركه يغلي على الجمر؛

ثم أحضر فناجينه وجلس جانب الموقد يلم الجمر ويراقب غليان الشاي.

وأنا أتابع بخار الماء الذي يخرج من مصب الإبريق ويختفي بسرعة فائقة.

سألته: لماذا لا تستخدم الكهرباء أو الغاز لإعداد الشاي كي تحافظ على صحتك من الدخان؟
أجابني: لشاي الجمر نكهة خاصة، لا يتلذذها إلا شارب الشاي.

ضحكت فقلت له: مهما تلطفه وتبالغ في وصفه لتجذبني صوبه، فما أنا بشاربه.
تبسم وقال: ستشربه يومًا ما.

ثم احتسى فنجانين، أو ثلاثة ...وبدأ يحكي عن الماضي فقال:
كان علوان العنقودي مختلّ العقل، جميع أهل القرية يعرفون ذلك... مجنون ...مخبل بمعنى الكلمة.
لكنه لا يؤذي أحدًا، هادئ ومسالم.

ولم يستمر الهدوء والسلام ...ذات يوم جن جنونه، وهجم على مخفر الشرطة الذي يقع في القرية المجاورة ...
اقتحم المخفر ... ضرب الجنود بعصاه على رؤوسهم ...وجعل دماءهم تسيل.
ضرب النقيب فأسقطه ثم دخل في غرفته، ضرب زوجته وأسقطها؛
ثم ركض نحو أحد الجنود وأخذ بندقيته،

وتمشى نحو النقيب المدمى من ضربة العصا، يصوب البندقيته نحوه ثم يطلق صوتًا من فمه ...تي ...تي...فيركض النقيب أمامه هاربًا.

ثم يلتفت إلى الجنود، فيولون هاربين أمامه كالمواعز.

واستمر يطاردهم إلى حين، حتى أتى رجل من أهل القرية وأخذ البندقية والعصا منه فأمسكه رجال الشرطة وقيدوه.
والعجيب أن في استنطاقه قال إن أهل القرية هم الذين أرسلوه ليقتحم المخفر!

فهجم النقيب وجنوده على القرية وكتّفوا الرجال وجلبوهم إلى المخفر.
كان من ضمنهم أبي والمرحوم (دايخ) والمرحوم (صقير) و(عويص) و(شناوة) و(يفيل) و(اغليم) و(جويسم) و(ذويب) وكلهم رحلوا إلى رحمة ربهم.

أحضر النقيب الأسرى أمام علوان المجنون، وسأله:
من الذي أرسلك لتقتحم المخفر؟

فيقسم علوان: (بالحظ والبخت)، قد أرسلني هذا ووعدني أن يزوجني ابنته!
و(بالحظ والبخت)، قد وعدني ذلك بأن يعطيني منًا من القمح!
و(بالحظ والبخت)، أغراني ذاك بألف ريال!
ووعدني هؤلاء بشياه ...

اعترى جماعتنا الذهول مما سمعوه من علوان المخبل؛
نظروا إلى بعضهم؛
كيف يدافعون عن أنفسهم؟

تهم خطيرة؛ قد يُسجنون أو يُعذبون بسببها.

فسأل أبي النقيبَ:

وهل علوان عاقل لتصدق تهمه ضدنا؟!

قال النقيب: نعم، أنتم تحقدون على الحكومة فأرسلتموه لهذه المهمة لتنتقموا من رجال الشرطة.
ولم ينفع دفاع المتهمين مهما حاولوا أن يقنعوا النقيب بجنون علوان؛ فأودعهم في سجن المخفر.
ثم توسط (عبدالخضر) وهو كبير شأن في قرية (غرغر) ودفع المتهمون خمسة آلاف ريال للنقيب فأفرج عنهم.
الزنك: يسمى باللغة الدارجة (چینکو) وهو عنصر فلزي أبيض؛ تصنع منه بعض الأواني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى