الثلاثاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
للشاعر المقدسي الدكتور معتز القطب
بقلم جميل السلحوت

رسالة من مولاتي

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، وقد صدر الديوان في القدس قبل أيام قليلة، ويقع في 100 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي 30 قصيدة عمودية. وقدّم له الدكتور مشهور حبازي والناقد ابراهيم جوهر.

بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:

معتز علي القطب في ديوانه الجديد "رسالة من مولاتي"

ينتصر لمدينة الصلاة والروح والحياة

تحضر (القدس) حضورا لافتا في شعر الدكتور الشاعر معتز علي القطب، فهو يسأل عنها، ويستنهض القوم ليلتفتوا إليها وينقذوها ولا يكتفوا ب(الزيت) لأن الزيت تسبقه الفتيلة! ولا فتيل في المدينة.

القدس تتربع على عرش قلب الشاعر وكلماته وروحه، منها تنطلق الحياة وفيها المحشر والمنشر والحساب. هي أمّ البدايات وأمّ النهايات. على أرضها كانت بداية الصلاة وهي تشهد اليوم هذا النسيان والإهمال وتعاني وحدها خطر الموت القادم.
الشاعر هاله الذي يجري في مدينته فانتصر لها معليا صراخ القلب في صورة رسالة من مولاته، ولا مولاة له إلا القدس. لذا وجدت غضبا واستنهاضا واستفهاما بلاغيا إنكاريا يتعجب به ويستفزّ قارئه ليذكّره بواجبه ورسالته ودوره.
القدس عند الشاعر ترسل رسائلها وتذكّر من لا يتذكّر لكي لا تدع له مجالا للادعاء بأنه لم يدر! ولم يسمع! ولم يصله صوت الاستغاثة الذي بح مناديا: وامعتصماه...

استوقفني الشاعر معتز القطب في رسائله هذه من القدس إلى الناس الأحياء وأشباه الأحياء، كما استرعى انتباهي جملته التصديرية التي تغاير ما درجت دور النشر والطباعة على تدوينه فى الصفحة الأولى من أي كتاب يصدر وهي تحذّر من إعادة الطباعة أو النسخ والتصوير.....

الشاعر الغاضب الصادق في عشقه وفي غضبه وانتمائه صدّر ديوانه هذا الذي بين أيدينا بتعميم جاء فيه إنه ( وقف لله تعالى لمصلحة مدينة القدس) وهو يسمح بإعادة إصداره بشرط (أن يقتصر النفع المادي والمعنوي على مدينة القدس الشريف) مكتفيا بحفظ حقوقه الأدبية.

الفكرة الجديدة هنا وهي تغاير السائد المألوف تجيء استكمالا لأسلوب الشاعر في قصائد هذا الديوان.
القصائد هنا ذات نفس ملحمي يعود بالقارئ إلى التاريخ ويتناصّ مع القصص القرآني والفلك والطوفان بلغة سهلة أليفة لا تعقيد فيها ولا غموض. فأسلوب الشاعر يتقصّد السهولة والبساطة في التعبير وكأني به يقول: إن قضيتنا سهلة التناول والحل، ولكنكم تستمرئون الخوف والقعود!

والقارئ سيستذكر لغة شعراء أحبهم ؛ سيجد أبا القاسم الشابي، وحافظ ابراهيم، وأحمد شوقي. وسيطرب مع موسيقى الشاعر وهو يتخيّر بحوره الشعرية المناسبة.

وسيقف على أساليب فنية اعتمدها شعراء العصر العباسي المشرق من القصة الشعرية والحوار والاستفهام والتكرار بهدف التوكيد، وحروف الإطلاق والقافية التي تحمل همّا ونغما وإيحاء.

الشاعر هنا لا يعجب بما بات عدد من الشعراء المحدثين يعجبون به، فلم يعمّ في لغته، ولم يستعن بأساطير لا يفهمها جمهور الشعر المحلي، ولم يعمد إلى صور مركبة ولا رموز معمّية، بل اكتفى بالوزن الكلاسيكي واللغة قريبة التناول والتأثير مذكّرا بثقافة القارئ الدينية وثقافة الشاعر القرآنية.

وسيجد قارئ هذا الديوان الغزل بالمدينة وهي تتجسّد أنثى حصانا معطاء. كما سيتحاور مع المرأة رمز العطاء وبعث الحياة والتربية، فتكون الأم رمزا لكل الجمال والقيم.
القدس في هذا الديوان تتسوّد المشهد لأنها في خطر. والشاعر هنا يحفر اسمه في سجلّ عشاق القدس الصادقين

وقال جميل السلحوت

حظيت القدس بكتابات أدبية تراوحت بين القصيدة والقصة القصيرة والأقصوصة، والرواية والمسرحية، أكثر من أي مدينة أخرى، ولا غرابة في ذلك، فالقدس هي جوهرة المدائن، كونها مدينة عربية، وجزء من العقيدة الاسلامية، ففيها المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ومعراج خاتم النبيين، وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال، وفيها كنيسة القيامة احدى أشهر الكنائس المقدسة لدى المسيحيين، اضافة الى عشرات المساجد والكنائس والأديرة والمدارس والمقابر التاريخية. فكل حجر في القدس يحمل عبق تاريخ عربي لا يكذب. والقدس أيضا هي عبر التاريخ العاصمة السياسية والدينية والتاريخية والاقتصادية والثقافية والعلمية للشعب الفلسطيني ودولته العتيدة.

وشاعرنا الدكتور معتز علي القطب، ابن مدينة القدس ليس استثناء، فالقدس التي ولد وترعرع فيها أبا عن جدّ تسكنه كما هو يسكنها، وتكاد تكون قصائده حكرا عليها، حتى أن ديوانه الأول يحمل عنوان"آخر صورة لمولاتي" وهذا ديوانه الثاني "رسالة الى مولاتي" ومولاته وسيدته هي القدس، مدينته التي يسرق تاريخها وثقافتها أمام ناظريه كما سرقت جغرافيتها. ولا عجب في ذلك فمدينة القدس تسحر وتسلب قلب وعقل زائرها، فما بالكم بمن ولد وترعرع فيها؟ وشاعرنا القطب يعتبر القدس سيّدته وعشيقته وبالتالي هو وفيّ ومحب لها الى درجة الوجد والهيام.، ومعه الحق كله في هذا الفهم الذي يدلّل على عمق وأصالة الانتماء.

وفي ديوانه هذا يهيم الشاعر بمدينته المقدسة، ويراها فتاة حسناء يتمنى في أكثر من موضع، وأكثر من قصيدة أن يضمها الى صدره مثل قوله في قصيدته"متى أضُمّ القدس؟" ص 30:

متى أضمّك يا أحلى مدائننا...وأطفئ الشوق والتحنان واللهبا
أقبّلُ المسجد الأقصى وأحضنه...وأمسح السور والأبواب والقببا

ويواصل قوله:

ما زالت القدس أحلى ما بعالمنا...كدرّة تلبس الألماس والذّهبا
بل انه يرى نفسه في حبه للقدس كقيس بن الملوح"مجنون ليلى" في حبه لليلى فيقول في قصيدته"قيس والقدس"ص 20:

أنا قيس وأرض القدس ليلى...وأطمع أن أكون غدا فتاها
أدللها وأفديها بروحي...حبيب قد تجلى في هواها
متى يا رب تجمعنا سويا...فإن القلب لا يهوى سواها
وفي هذه القصيدة يبدو واضحا مدى تأثر الشاعر بغزل قيس بليلى خصوصا قوله:
سألت الله يجمعنى بليلى...أليس الله يفعل ما يشاء!

والقارئ لديوان الدكتور القطب يرى فيه العاطفة الدينيّة الصادقة، والمبنية على الوعي الشّرعي والثقافي والتاريخي للمدينة، وهي يستغل ذلك في بناء مشروعه الشعريّ. ولن يجد القارئ للديوان قصيدة بعيدة عن الفهم الديني.
والشعر في قصائدة لا ينسى معالم القدس وأحياءها، فهناك قصيدة عن حي الشيخ جراح وأخرى لقرية سلوان لتعرضهما لسياسة تهويد مبرمجة ومركزة، وكذلك قصيدة لمقبرة مأمن الله في القدس الغربية والتي تعرضت لسياسة تجريف مؤلمة اقتلعت فيها عظام الموتى المسلمين ممن شاركوا في الفتح الاسلامي للمدينة، ورفات أعلام وأعيان القدس، اضافة الى رفات 70 ألف مقدسي-هم سكان القدس في حينه- الذين قتلهم الفرنجة الذين احتلوا المدينة عام 1099م وهم يحتمون بالسجد الأقصى.

الأسلوب: الشاعر معتز القطب لا يكتب الا القصيدة العمودية، ويبدو أنه غير مقتنع بالشعر الحرّ، أو هو لا يريد الكتابة به، وهو يعمد الى استعمال أكثر من بحر من بحور الخليل بن أحمد، ومع أنه يملك موهبة شعرية واضحة، إلا أن بعض قصائده ليست بعيدة عن النظم على حساب الشعر.

وقال عبدالله دعيس:

د. معتز علي القطب، ابن القدس يتغنى بمدينته. يعبر عن حبه الشديد لها، وعن هيامه بتربتها وحجارتها، ومساجدها الشامخة وكنائسها العتيقة. يطوف أحياءها، وكأنه يتحسس عروق الحياة فيها بعد أن دنسها محتل أثيم، فيعبر عن حزنه العميق وألمه الشديد بسبب ما تقاسيه مدينته تحت نير الاحتلال. لكنه لا يخفي أمله في مستقبل زاهر للمدينة، فهو وإن كان يعتب على المسلمين لتقصيرهم في تحريرها، إلا أنه يؤمن بأن هذه الأمة لن تنام على الضيم طويلا.
يلخص الشاعر هذه المشاعر في الأبيات التي يفتتح بها ديوانه

إني أريد لأرضي أن تسامحني
فلست أملك غير الدمع أعطيها
عسى جدودي متى جاورت مدفنهم
لا يسألوني على أرضي فأبكيها
ما زلت أرجو لأرض القدس مفترجا
يأتي قريبا يعيد الدار يحييها

فإن كان ابن الرومي شهد سقوط البصرة فرثاها، ورثى الرندي الأندلس فخلد ضياعها، فمعتز القطب شهد مأساة مدينته فازداد حبه لها وتعلقه بتربها. فرثاء المدن ليس عنوانا لديوانه وإنما عشق القدس وحب الوطن هو العنوان.
يفتتح الشاعر ديوانه بمناجاة رائعة لربه، تعيد إلى أذهاننا قصائد الغزل الإلهي، ويعلن إيمانه العميق وحاجته إلى رحمة ربه، ويقف معتذرا عن ذنوب اقترفها. ثم يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بقصيدة يعبر فيها عن حبه له، وعن امتنانه لدعوته، ويبين خصائله ومزاياه

يا أعظم الناس في الأفعال أجمعها
الناس دونك يبدو فعلها عدم

اعتدنا أن يرمز الشعراء للأرض بالأم التي تعطي بلا حدود، لكن الشاعر معتز القطب جعل القدس عشيقته، يهيم بها ويلثم ثغرها ويتمنى أن يغيب في ثراها. والعاشق لا يخون معشوقته

أنا لن أخونك في الحياة وبعدها
جسدي سينعم هانئا بثراك

يهيم الشاعر في القدس ويعشقها ويتفانى بحبها، فهو يؤسس هنا لغرض شعري جديد هو غزل المدن. يشبه حبه للقدس بعشق قيس لليلى العامرية في عمقه وتفانيه، وحب عنترة العبسي لعبلة في شجاعته بالدفاع عنها. فقد جمع بين الحبين، وفاق حبه عشقهما معا فلله دره من عاشق ولله درها من معشوقة.

يتألم الشاعر لخذلان العرب للقدس وتباكيهم عليها، فالقدس حزينة تنتظر من يهب لتحريرها من أبناء أمتها، فهي تحتاج من يصلح سراجها لا إلى من يهديها زيتا. وشمس القدس قد أصابها الكسوف، لكنها لن تستسلم للغياب، فغيابها ليس ليلا تطول عتمته، وإنما كسوف سرعان ما يزول.

وسفينة القدس تسير في بحر متلاطم الأمواج، تنتظر ربانا يقود دفتها إلى بر الأمان، وغصن زيتون تحمله حمامة من مسجدها الأقصى لكي يعمها السلام. والقدس تحنو على أهلها، رغم مصيبتها، فهي تحملهم في سفينتها كي تنقذهم. وكما أنقذت سفينة نوح الحياة بعد أن جرفها الطوفان، فستعود القدس لتكون شعلة الحياة التي تنقذ الإنسانية من سقوطها في وحل الظلم والطغيان. فشاعرنا، ابن القدس، يغني للقدس، ويجعل القدس محور حياته وغاية شعره: تنطق لسانه وتحتل جنانه بلغة عذبة رقيقة، وصور بسيطة واضحة. فقصائده أصيلة كأهل المدينة البسطاء في انتمائهم، تمتد جذورهم إلى ماض سحيق يعتزون به ويحبون مدينتهم ويعشقونها ببراءة طفل وقلب شاعر وساعد بطل مغوار.

وقال رفعت زيتون:

مهما انهمرت القصائد فوق ثرى القدس سنشعر بالتقصير دائما، لأن القدس تستحق منا دائما الأكثر، تستحق الكلمات وتستحق الرجال والأرواح. ولا عجب أن نجد

للقدس كل هذه الأعداد من العشاق وهي جميلة الجميلات. ومن أحق في عشقها

أكثر من الشعراء؟
وشاعرنا الدكتور معتز هو أحد هؤلاء، كيف لا وهو من ولد فوق ترابها ورضع

حبها وتربى في حواريها وعايش فرحها وترحها.

ها هو يطلّ علينا اليوم بحبّه الجديد للقدس ربما من تجديد العهد والبرّ لها أمّا وحبيبة

وهذا ما كان جليا في قصيدة قيس والقدس وأظنه كان موفقا في هذا الربط بين القدس والحبيبة وبينه وبين شيخ العشاق قيس، وكأنه يريد أن يقول أن حبي للقدس

بلغ بي مبلغا كالذي بلغ من مجنون ليلى وقد أعجبني هذا البيت الذي يقول فيه

ستدرك كلّ أنثى ذات يوم... بأنّ الحسن يؤخذ من نداها

ثم يأتي على جرح ليلاه التي أتاها غاصب تكره وتضطر للعيش تحت ظلّه، تمام كما ليلى التي تزوجت من رجل لا تحبه.
وإلى القصيدة التي سُمّي الديوان باسمها ( رسالة من مولاتي) يتحدث فيها الشاعر

باسم المدينة وما عانت من ألم وأوجاع عبر سنيّ هذا المحتل. وكيف يحاول المحتل
تغيير معالمها وتزييف تاريخها العريق. ثم يمضي يذكر العرب بمكانتها وقدسيتها
متسائلا ومستنكرا ما آلت إليه الأمور بعد عزها وشموخها.
وقد أعجبتني في هذه القصيدة فكرة أن القدس هي أرض المحشر حيث سيأتي
الجميع إليها راغمين وعندها سيكون حسابهم عسيرا على ما فرطوا في جنبها.
قصيدة ( متى أضمّ القدس) وجدتها بكائية على أطلال الذكرى، يستذكر بها المسجد
والتكايا والانسان والحجارة. هنا هو لم يفقد الأمل رغم سواد الموقف فهو ما زال
يحلم بالفجر الذي حتما سيأتي.

قصيدة ( استغاثة القدس) وقصيدة ( آخر صورة لمأمن الله) على ما فيهما من جمال

إلا أنهما بفكرتهما ولغتهما ومضمونهما تكرار لما سبق من قصائد حيث كان الحديث عن وضع القدس ومعاناتها واستباحة كل شيء فيها وانتظار الفارس ا لذي سيخلصها مما وقع عليها ثم قصيدة (آخر صورة لمأمن الله) وقصيدة ( آخر صورة للشيخ جراح) وقصيدة(آخر صورة لسلوان) ، وكلها قصائد جميلة
لبعض أحياء القدس وهي إضافة جميلة لما كتب في أحياء المدينة سيتذكرها

أهل هذه الأحياء بامتنان للشاعر.

قصيدة جميلة أخرى هي (إبداع أنثى) أبدع فيها في مدحه للأم وتجلى في برّه،
الديوان بشكل عام ديوان حبّ وإخلاص لسيدة الكون مدينة القدس. تنوعت فيها
القصائد في بحورها، في لغة سهلة بسيطة خالية من التعقيد، لم تخلُ القصائد
من التكرار والحشو غير اللازم، ولكن في المجمل قد أضاف شاعرنا معتز
القطب للمكتبة العربية كتابا جديدا على رفّ عشاق المدينة.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: ديمة السمان، سامي الجندي، طارق السيد، ديانا أبو عياش،راتب حمد ورائدة أبو صوي.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى