الجمعة ٢٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
بقلم حسين سرمك حسن

عبد الأمير محسن «قطيع أسود من السنوات»

عن دار تموز للطباعة والنشر بدمشق، صدر للقاص "عبد الأمير محسن" كتاب: "قطيع أسود من السنوات – قصص بالغة القصر". وهو الإصدار الأول للكاتب الذي سبق أن نشر بعضاً من قصصه ضمن إصدارات (البصرة أواخر القرن العشرين) هذا المشروع الكبير والخطير الذي "اختفى" من دون مراجعة نقدية وبحثية واسعة تناسب أهميته الإبداعية والتاريخية.

حمل الغلاف الأخير شهادة للشاعر الكبير الراحل "حسين عبد اللطيف" بحق القاص قال فيها:

(عوّلتُ كثيرا على موهبة عبد الأمير محسن في مشروعه عن القصة القصيرة جدا أو (القصة بالغة القصر) كما يسميها هو بمصطلحها هذا الذي اخترعه أو اقترحه لها. منذ ذلك الحين الذي استمعتُ إليه وهو يقرأ بعضا من هذه القصص في إحدى أصبوحات (ملتقى الجمعة الأدبي) في اتحاد أدباء البصرة إبان التسعينات والذي قال عنه الناقد شجاع العاني (إنها بالغة القصر تماما لكنها ستكون البداية الواعدة مستقبلا لهذا النمط)... أما محمد خضير فقد قال عنها (نقف باندهاش أمام جرأة الطرح في هذه القصص).. لكن هذا المشروع انكفأ وتأخر وتأجل كثيرا لانشغالات العيش والانغمار به نظرا للظروف الفادحة التي وقع تحت وطأتها الجميع ومنهم القاص نفسه.

وقصص عبد الأمير محسن بالغة القصر تطمح أن تكون (قصيدة نثر) وهي تعكس مجريات واقع مؤس وفاجع وتقدم لنا حيثياته بحس شعبي ساخر يقوم على المفارقة الصادمة المبهرة بلغة بسيطة أدائية تتكفل بالتوصيل وتتوسل باللغة الدارجة أحيانا... دعابة سوداء، ألعاب طفولية شعبية، خيبات وخسائر متلاحقة، وقائع لواقع ضنك ومرير، تاريخ طويل أو (قطيع أسود من السنوات) ومن الفواجع والندوب والقهر التسلطي والتهميش والإنزواء) (الغلاف الأخير).
وأعتقد أن أي قاريء أو ناقد لهذه المجموعة لن يستطيع تجاوز ما حملته مقدّمتها التي عنونها الكاتب بـ: (مفتتح التجربة ودوافع الكتابة) من أفكار ورؤى الكاتب لجدوى الكتابة القصصية ومغازيها ودورها الوجودي. إنها مقدّمة جميلة ثرة ومحمّلة بأفكار شديدة العمق خصوصاً المشهد الذي يقرفص فيه الجندي عبد الأمير محسن وهو في طريقه للإلتحاق بوحدته، في أحد الحقول، تحت وابل المطر، يجلده البرد، فيبدأ بحرق الأجزاء الأربعة من ألف ليلة وليلة، ليتدفأ بها وسط صرخات وزعقات شهريار المحتج:

(تدفأتُ بالجزء تلو الجزء. كانت الأصوات الخارجة من المصائر تصعقني - عويل الزنازين وصراخ الأمهات والأطفال يختلط بنغمات العود وبخور التكايا فيحولني إلى مريد يبحث عن كائنات عالم الذر ليستحضرها ويحررها إلى الأبد من نير الرق واصفاد العبودية ويسري بها إلى فيافي الحرية والعرفان.

رفعت رأسي بعد أن دوّخني الدخان وأسال دموعي لألمح من بعيد سيارة أحد المزارعين.. وصلتُ إلى الصفحة الأخيرة من الجزء الرابع، لم أحرقها، بل وضعتها في جيبي لأكتب عليها ذات يوم بالقلم الرصاص:
(يجي يوم الناس تنزل بالسماوة

وآنه أنزل بالوطن كلّه واضيع) (ص 12 و13).

ملاحظة: بيت الشعر العامي الأخير من قصيدة "يجي يوم نرد لهلنه" للشاعر الكبير "مظفر النوّاب".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى