الاثنين ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
من جهود الدكتور عبد الرحمن بودرع

في خدمة اللغة العربية

أبو الخير الناصري

تنوعتِ الاهتماماتُ الفكريةُ والأدبية للدكتور عبد الرحمن بودرع فشملت مجالاتٍ مختلفةً من بينها: الأبحاث اللغوية والدراسات البلاغية والفكرية ، وأدب الرحلة ، وأدب السيرة الذاتية ، وغيرها.

ومع هذا التنوعِ الكاشفِ عن الغنى الفكري للرجل تظل للغةِ العربية وقضاياها مكانةٌ خاصةٌ ومركزيةٌ في دائرة اهتماماته وأبحاثه، حتى إنه ليُمْكننا القولُ إن عدداً من دراساتِه ومؤلفاته الفكريةِ والبلاغية إنما كان صادرا فيه عن اشتغالهِ الأصيلِ باللغة العربية، وإن ذاكَ الاشتغالَ هو ما دفعه للاجتهاد في قراءةِ نماذجَ من أحاديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قراءةً تنطلق من دراسة «ما بالحديثِ النبويِّ الشريفِ من قِيَمٍ لُغَوِيَّةٍ وبلاغية عَالِيَةٍ، تُعَدُّ مِفْتاحاً رئيساً لفهم الحديث النبوي فهما صحيحا، مثلما اشتُرط فهمُ لسان العرب لِفَهْم نُصوص الشريعة» ، وهو أيضا ما دفعه لتقويمِ نماذجَ من أخطاء بعض المُؤَوِّلة الجُدُدِ في فهم النص القرآني وتأويله، وهي الأخطاء التي ترجع لأسبابٍ من أهمها عَدَمُ فِقْهِ مُرتَكِبِيها للسان العربي الذي أُنزل به كلامُ الله تعالى، حتى إنهم لم يتبينوا – مثلا – أن بعض ما سمّوه فراغاتٍ في النص القرآني قد «سَمَّاه القُدَماءُ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ دلَّتْ عليه قَرَائِنُ الأحوال» .

وإذا نحن بحثنا عن أسباب كامنةٍ وراءَ مركزيةِ اللغة العربية في فكر الدكتور عبد الرحمن بودرع واهتماماته – حفظه الله – وجدنا ذلك راجعا لارتباط هذه اللغة بالأمة وهُويتها ارتباطا «يُسَوِّغُ لنا مَقُولَةَ ضَيَاعِ الْهُويةِ العَرَبِيَّةِ بِضَيَاعِ لُغَتِهَا» ، «فليستِ اللغةُ [العربيةُ] أداةً للتَّعْبيرِ فقط، ولا وسيلةً للتواصل بين الأفراد فقط، ولا شأنا من شؤون العلمِ والثقافةِ والتدريسِ فقط، ولكنها شأنٌ من شؤون الهوية والأمن القوميّ والسيادةِ الوطنية والاستقرارِ الاجتماعيّ والنفسيّ» ، بل إنها «هي الهُويةُ ذاتُها وهي الأداةُ التي نُحَوِّلُ بها المجتمعَ إلى واقعٍ» .
لذلك نجد اهتمامَ الدكتور عبد الرحمن بودرع باللغة العربية اهتماماً يوميا لا يفارقه في محاضراته، وقراءاته، وكتاباته، ومحاوراته مع متتبعي صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) ومنتداه حول اللسانيات العربية ومدونته وغيرها.
ونحب أن نتوقف، في هذا المقال الموجز، عند جانبين اثنين من اهتمام أستاذنا الفاضل باللغة العربية نقدِّرُ أنهما على قَدْرٍ كبير من الأهمية، وهما: تَشْخيصُه لأزمة العربية في العصر الحالي وإسهامُه في حَلِّ هذه الأزمة.

1- تشخيص أزمة اللغة العربية

يُلَخِّصُ أستاذُنا مظاهرَ متعددةً لأزمةِ اللغة العربية في مفهومٍ جامعٍ سمَّاه "غربة اللسان" ، ويقصد به كَوْنَ اللسانِ العربي أصبح مهجوراً بين أهْلِهِ وذَوِيه لا يُسْتعمَل إلا في حَيِّزٍ محدود، فـ«ما زال الإحساسُ بالفصاحة يتراجع حتى حُصِرَتِ اللغةُ [العربيةُ] في دائرةٍ ضيقةٍ، وحَلَّتْ في الْمَحَلِّ الأدنى بعد أن كانتْ لُغَةَ الأمّةِ الأُمَّ ورباطَها الوثيقَ الذي يَمْنَعُ عنها التَّفَكُّكَ» ، وصار المُتكلمُّ بهذه اللغة يبدو غريبا أو كالغريب بين أهله الذين هَجَرُوا لغتَهم الفصحى في أغلبِ مجالاتِ الحياة، وراحوا يتحدثون غيرَها من اللغاتِ و اللهجات.

وتتصل غربةُ اللسان العربي، وَفْقَ تحليلِ أستاذِنا، بِعَواملَ متعددةٍ من أهمها ما يلي:

 أولا: أنها غربةٌ من غربةِ الدينِ نَفْسِهِ، «فَمِنَ المعروفِ أنَّ اللغةَ العربيةَ انتشرت بانتشار الإسلام وامتدادِ فتوحاتِه في إفريقيا وآسيا، وكان لها من القوةِ والنفوذِ ما مَكَّنَها منَ التَّغلُّبِ على لُغَاتِ الأمْصَارِ القديمة. ويرجع تمكُّنُها إلى بنيتِها الداخليةِ ودقَّةِ نظامِها وقواعدِها وغِنَى مُعْجَمِها، وإلى آدابها وتُراثِها الذي يُؤَسِّسُهَا، وعلى رأسِ الثَّقافةِ التي تُسْنِدُها القرآنُ الكريمُ والحديثُ النبويُّ الشريفُ ببلاغتهما الْمُعجِزة» .

ولقد بلغ من أمر شيوعها على ألسنة الناس في حياتهم اليوميةِ أن صارَ علماءُ الإسلامِ«يَكْرَهونَ تغيير شعائرِ العربِ حتى في المعاملاتِ وهو (التكلم بغير العربية) إلا لِحَاجَةٍ، كما نَصَّ على ذلك مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ، بل قال الإمامُ مالكٌ: (مَنْ تكلَّمَ في مَسْجدِنا بغيرِ العربية أُخْرِجَ منه)، مع أن سائرَ الألْسُنِ يجوزُ النطقُ بها لأصحابها، ولكنْ سوَّغوها للحاجة وكرِهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام..» .

أما اليوم فيكفي النظرُ إلى غُربة الدين بين معتنقيه ومقارنتها بغربة العربية بينهم ليُعْلَمَ أن الصلةَ بين الغربتين أكيدةٌ وطيدة.
 ثانيا: أنها غربةٌ من غربةِ الحضارة؛ وذلك للصلة الوثيقة بين اللغات والحضارات، «فقد كان لها [= للعربية] نصيبٌ غيرُ يَسيرٍ من التأثر بالحضارة العربية الإسلامية والتأثير فيها، وعُرِف عن العرب منذ القديم اعتزازُهم بلغتهم، وشعورُهم بتفوقِها وقدرتِها على التعبير عن أغراضهم ومُسْتَجَدَّات حياتهم الاجتماعيةِ والعَقَدِيةِ والعلمية، وكان هذا مظهراً من مظاهر تَحَضُّرِ الناطقين بالعربية لأنهم كانوا يَصُوغُونَ خيوط أنماط حياتهم بنسيج عربي خالص، ولا يعتمدون على أنماطٍ أخرى أجنبيةٍ عنهم إلا على سبيل الاستفادةِ والتفاعلِ لا الهيمنةِ والغزوِ. بل يُعَدُّ انتقالُ العربِ من الجاهلية الضيقة إلى حضارة الإسلام الواسعة أكبرَ عاملٍ من عوامل نهضةِ لغتهم ورُقِيِّ أساليبِها واتساعِها لمختلِف أنماط التعبير..» .

غير أن ما تعرض له المجتمع العربي الإسلامي من غزو استعماري كان سبباً في أن «تراجعت قدراتُه الإبداعيةُ ومهاراتُه اللغويةُ، وتفككتِ الأواصرُ التي كانت تشدُّ اللغةَ بالحضارة، فتخلى المتكلمون عن التعبير عن أنماط حياتهم [بلغتِهم الأمِّ]، واستعاروا لغاتِ الغُزاةِ، وأكَبَّ الباحثون على مناهج البحث اللغوي في اللغات الأجنبية وأخذوا يطبقونها على لهجاتهم اليومية، حتى بات متداولاً عندهم أن العلوم والمعارف تتطور في كنف اللغات الأوروبية فقط، أما اللغة العربية فقد احتفظوا لها بصفة التعبير عن التقاليد والأصالة والذات لا غير؛ لأنها بِزَعْمِهِمْ عاجزةٌ عن التعبير عن أنماط الحياة الجديدة التي تفرضها المدنية الغربية على العالم» ، فكان ذلك عاملا من عواملِ تَغريبِ العربيةِ وتَضْيِيقِ مجال استعمالها بين أهلها.
 ثالثا: أنها غربةٌ ناشئةٌ، في بعض جوانبها، عن مؤامرة التغريب التي تتعرض لها. ومن تجليات هذه المؤامرة ما عمد إليه المستعمِر من استغلال «وجود لغةٍ عليا للفكر والأدب والعلم، مع لهجات محلية للتعامل، [وهي] ظاهرةٌ طبيعيةٌ عرفتها العربيةُ منذ قديمها الجاهلي، وتَعْرِفُهَا الدنيا في سائر اللغاتِ الحية» لِكَيْ «يُحَارِبَ العربيةَ الفصحى بلهجاتها الشعبيةِ للوصول إلى تمزيق نسيجِ الأمة وفَكّ وحدةِ اللغةِ والمزاجِ والفكرِ والفِعْلِ، وليجعلَ من الأمةِ الإسلامية عقلياتٍ متضاربةً بدلاً من عقليةٍ واحدةٍ» .

لقد اتخذ المستعمِرُ العاميةَ «سلاحاً ضِدَّ العربيةِ الفصحى تُناصبُها العَداءَ، وانطلقت حملاتُ الاستعمار في المغرب والمشرق تكشف عن "جمود" الفصحى و"تَخلُّف" أصحابها، وتدعو للعامية لأنها قريبة من الأميّين ولِيُسْرِ أدائها – بِزَعْمِهِمْ – مثلما تدعو للغة المستعمِر في التعلم والتقدم» .

هكذا أسهمت الحملاتُ الاستعماريةُ في مَزِيدٍ من مُحَاصَرَةِ الفصحى وتَغْرِيبِها في أوطانها، خصوصا حينما ساند تلك الحملاتِ عددٌ من المثقفينَ العربِ الذين خاصموا الفصحى كـ«سلامة موسى القبطي الذي تجند للدعوة إلى نبذها، ولويس عوض الصليبي الذي أُقْحِمَ في الجامعة المصرية وظلَّ يدرّس بها لا يعرفه أحدٌ، وعبد الحميد يونس، وأحمد لطفي السيد الذي يُعتبر من حَمَلَةِ لواء "تمصير اللغة الفصحى"، وأنيس فريحة صاحب كتاب "نحو عربية ميسرة" الداعي إلى اتخاذ العامية وحامل آراء سلامة موسى، وكلهم يزعم أن العربية قاصرة عن نقل آثار الغرب وعلومه؛ بدعوى أنها لغة بدوية صحراوية، وأنهم يعانون الترجمة إلى اللغة الفصحى..» .

تلكم جوانب من أزمة اللغة العربية وبعض عواملها، وهي «جزءٌ من أزمة الأمة وتَخلُّفها» ، هذه الأزمة التي ينبغي لكل مُحبٍّ لأُمَّتِهِ غَيُورٍ على مصلحتها أن يسهم قدر ما يستطيع في حلِّها للنهوض بالأمة والخروج بها من طور التبعية والتقليد لغيرها من الأمم إلى طور الظهور بشخصيتها المستقلةِ المستندةِ على الجانب المشرق من تراثها والمستفيدةِ من العطاء النافع للآخرين، وذاك ما أسهم في تحقيقه الدكتور عبد الرحمن بودرع– حفظه الله – بأعمال نذكر بعضاً منها في الفقرة الآتية.

2- مساهمة الدكتور عبد الرحمن بودرع في حل أزمة العربية

يتخذ إسهام د.عبد الرحمن بودرع في حل أزمة اللغة العربية المعاصرة أشكالا متعددة كَدَعْوَتِهِ الْمُسْلِمَ إلى «أن يَحْمِلَ نَفْسَه على ممارسة تلاوة القرآن الكريم باللسان الذي أُنزِل به وبالفصاحة العالية التي نطق بها الأولون» لِمَا لذلك من دَوْرٍ في تنمية مَلَكَة الحديثِ بالفصحى، ودَعْوَتِهِ إيَّاهُ إلى «أن يُغلِّب الفصاحةَ النبوية في سُلُوكِهِ الكلاميِّ على لهجته المحلية، ويُقوِّيَ إحساسَه بها، ويُجَاوِزَ واقعَ الضعف والاستغراق في الخصائص المحلية» ، وإلى أن يقرأ النصوصَ العربيةَ ذاتَ اللغةِ الرصينةِ وألا يكتفيَ بقراءة «عناوين الأخبار في الصحف السَّيَّارةِ والمقالاتِ الشاردة» وما هو مقررٌ في المناهج الدراسية مما لا يُوَلِّدُ في نفوس قرائه حُبَّ العربيةِ وآدابِها .

على أن من أهم أشكال إسهام أستاذنا في حل أزمة العربية هذه الخطوات العَمَلية الثلاث:

 أولا: تقديمُهُ اقتراحاً عَمليا لإحياءِ ما أُقْبِرَ من اللغة العربية مما نحتاجُه في عصرنا الحالي «من أجل إغناء الحَصيلة الْمُعْجَمِيَّةِ الفَصيحةِ وتَنْمِيَةِ المهارات اللغوية» و«فَكِّ الطَّوقِ عن الدلالة، والانعتاقِ من "الاستلاب اللُّغَويِّ"» ، وهو اقتراحُ «استئنافِ المشروع العربي القديم في العَمَلِ المعجمي والدلالي عامَّةً، والمقصودُ بالاستئناف أن يواصلَ ما بَدَأه عُلماءُ العربية مِنْ قَبْلُ ويَزيدَ عليه، فقد أخرجوا مادّةً مُعجميةً كَبيرةً، وحقّقوا فِكرةَ المعجم الكبير، الذي جَمَعَ فيه عُلَمَاءُ المعجم كُلَّ ما انتهى إليه علمُهُم من مُفرَدات العَربيّةِ التي استُقْرِيَتْ في عصرِها، وعلى مَشروع تنمية العربية الراهنِ أن يُواصلَ ما توقف عنده الْمُعجميّونَ، وذلك بإدراج مئاتِ المفرداتِ الجديدة التي يحتاجُ إليها التّداوُلُ العلميّ والتعليميّ والإعلاميّ والاقتصاديّ، وتستجيبُ لمعاييرِ التطوّرِ، من غيرِ أن تُخلَّ بشُروطِ القياس التّركيبي والتّوليد الصرفيّ والصوتيّ..» .
ويقترح الرجلُ تصوراً منهجيا لتحقيق هذا الأمر مُلَخَّصُهُ «أن ننتقيَ من المصادر، مصادر الأدب واللغة والمعاجم وكُتُب النوازل الفقهية، ومن كتب الآداب والمواعظ والحِكَمِ والتواريخ، وكتب الفلسفة والحكمةِ والطب والسياسةِ وعلمِ الكَلامِ، والنّوادرِ والأخبار والحكاياتِ واللطائفِ ورَقائق الأشعار، وغيرِها، عدداً من الموادِّ والظواهر ومئاتٍ من الألفاظِ والأسماءِ والأمثلةِ والنّماذجِ والرُّؤى التي تزخَرُ بها، مما يُتداولُ في عَصرِنا أو يُجيبُ عن أسئلتِه أو بعضِ أسئلتِه، أو له بها اتّصالٌ، فيكون هذا الانتقاءُ سياسَةً أو تخطيطا جاريا على جزءٍ كبيرٍ من التراث الذي هو في الأصل إنتاجٌ علميّ ضخمٌ كُتبَ له البقاء؛ لِمَا يتضمَّنُه من عُمْقٍ في النظر وجُهدٍ في الإنجازِ والتَّوليد..» ، «وبَعْدَ ذلك تُصَنَّفُ الموادُّ الْمُسْتخرَجَةُ إلى أصنافٍ وأبوابٍ، بِحَسَب المواضيع والمعاني والمجالات الْمُتداوَلَةِ اليومَ، ثمَّ تُذَيَّلُ بالمعلومات اللازِمَةِ التي يُحْتَاجُ إليها في مجال التَّداولِ والاستعمال، وتُنْشَرُ في كُتُبٍ مُتَخصّصَةٍ ودورياتٍ ومَجلاتٍ ومَعاجِمَ للمصطلحات، وتُرْفَع إلى الجهات الرسميَّة المَعْنِيَّةِ بالتعليم، لإدراجها في مُقَرَّرات الدراسة وتوزيعها على كُتُبِ البرامجِ التعليمية؛ فتكون تلك الدوائرُ الرسميَّةُ قد أسهمتْ في نَشْرِ علومٍ غنيَّةٍ ظلَّتْ رهينةَ بُطونِ المصادر وكُتُبِ التُّراثِ عشراتِ السنين» .

ومما يجدر ذكره أن أستاذنا الكريم لم يكتفِ بتقديم هذا الاقتراح، بل أتْبَعَهُ بخطواتٍ تطبيقية يُجَلِّيها كِتابُه "المنتقى من فصيح الألفاظ للمعاني المتداولة" .

 ثانيا: حَلُّهُ بَعْضَ ما لدى القراءِ من مُشْكِلاتٍ لغويةٍ تعترض حديثَهم بالفصحى أو كتابتَهم بها. ونقصد بذلك ما يَصْدُرُ عنه من فتاوى لغويةٍ يجيب بها عن أسئلة السائلين في قضايا تخص اللغة العربية نحوا، وصرفا، ومعجما، وتركيبا.. وهي فتاوى منشورٌ بعضُها في مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، وبعضُها منشور على صفحاتِ منتداه "منتدى اللسانيات العربية"، ومدونته الخاصة، وعلى صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) التي غَدَتْ قِبْلةً للراغبين في الاغْتِرَافِ من عِلْمِهِ في اللُّغةِ والأدبِ والفكر.

 ثالثا: ضَبْطُهُ مؤلَّفاتِه بالشَّكْلِ، وهذا أمرٌ لافتٌ لانتباه من يقرأ كتاباته. ويُعدُّ هذا العمل خدمةً جليلة للعربية تتجلى أهميتُها في أربعةِ جَوَانِبَ:

أولها: أن ضَبْطَ النصِّ بالشكل يساعد على ترسيخ قواعد العربية في أذهان العارفين بها، خاصةً حينما يضبطُ أستاذُنا أواخرَ الكلماتِ تنبيهاً منه – حفظه الله – على مَحَلِّ الكلمةِ من الإعرابِ.
وثانيها: أن شكل الكلمات يسهم في تقويم الألسنة؛ وذلك بتَمْكينِهِ مَنْ يخطئون في قراءة الكلمات والجُمَلِ من قراءتها على وجهها الصحيح.

وثالثُها: أنه يساعد القارئ على فهم مُرادِ ما يقرؤه، وذاك ما يعني أن الدكتور بودرع يعتني اعتناء واضحاً بمسألة الإفهام، فهو لا يكتفي بتحرير ما يتضمن مَعَانِيَهُ القَصْدِيَّةَ، بل يهتم أيضا بالمعاني الإدراكية لدى المتلقي؛ ولذلك يضبط ما يكتُبُه بالشكل حتى لا يفهمَ قُرّاؤُه معانيَ غيرَ التي أرادها؛ فيذهب بهم ذلك مَذاهبَ في التفسيرِ والتأويلِ غَيْرَ مقصودة.
ورابعُها: أنّ ضبطَ الحرفِ العربيّ بالشّكلِ يَزيدُه جَمالاً واكتمالاً، خاصّةً إذا اقتُصِرَ على شكلِ الحُروفِ المُشكلَة، وتَجنّبِ الشّكلِ التامّ الذي قد يُثقلُ الكلمةَ ويُتعبُ النّظَر .

تلكم ملامحُ من جهود أستاذنا الدكتور عبد الرحمن بودرع في خِدْمَةِ اللغة العربية وسَعْيِهِ لإخراجها من أزمتها، وهي جهودٌ تجمع بين التشخيص والعلاج كما تبين مما ذُكِرَ أعلاه. وإنا لندعو الله عز وجل أن يبارك لهذا العالم اللغوي في صحته وفي عمره وعلمه حتى نستفيد من جهوده المتوالية في خدمة هذه اللغة التي أكْرَمَهَا الله عز وجل بأن جعلها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو الخير الناصري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى