السبت ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤

المقاهي البغدادية

سميرة البغدادي

تعد القهوة من المشروبات التي انتشرت وفرضت نفسها بقوة واضحت من اشهر المشروبات المنتشره بالعالم اجمع ولكافه الشرائح الاجتماعية فالقهوة التي استمد منها اسم المكان لم تدخل مصر الا في القرن السادس عشر الميلادي وكان أول من اهتدى إليها في العالم العربي هو المتصوف "أبو بكر بن عبد الله المعروف «بالعيدروس» فقد روى أنه عندما كان يسير فى حديقته ببغداد التقط ثمرة البن وصنع منها شرابا وأرشد اتباعه إلى شرابه حتى وصل أبو بكر إلى مصر فى عام 905 هجري وهكذا أدخل الصوفية شراب القهوة إلى مصر. وقد اختلف الناس حول هذا المشروب الجديد هل هو حرام أم حلال؟ ألا أن الصوفية اصحاب الطريقة الشاذلية التي أسسها أبو بكر بن عبد الله الشاذلي، أدمنوا شرب القهوة،لأنهم رأوا أنها تساعدهم على السهر وتنشطهم للتهجد ومن هنا سميت القهوة في نجد الشاذلية.

من دون الخوض فيما إذا كان أصلها شرقياً أم غربياً، كانت المقاهي بديكوراتها التقليدية الجميلة بأرائكها(تخوتها) وكراسيها تعمل الشاي بالقوري والدلة للقهوة لمرتاديها ، وهي تحمل بين طياتها جمالية المكان والروح المنبعثة من جدرانها وفضاءاتها تعبيراً أميناً لأهم مرحلة من مراحل التحول السياسي والاجتماعي بعد تأسيس الدولة العراقية والتي بدأ فيها ظهور منارات للفكر التنويري في الأدب والسياسة والأبداع، فالمقاهي في بغداد كان لها دورها في أثراء الحياة الثقافية والفنية والسياسية والتجارية منذ عقود بعيدة .العشرات من هذه المقاهي تنتشر في مناطق وشوارع وأزقة بغداد وعلى ضفتي نهر دجلة الخالد تلك المقاهي الشعبية ذات التصميم والطبيعة والهوية التراثية البغدادية العريقة .

لقد تغلغلت هذه المقاهي في الساحة الاجتماعية والادبيه بل الفكرية ايضا حيث ان معظم اللقاءات بين الكتاب و المفكرين كانت تتم تحت سقف احدى هذه المقاهي , رغم ذلك الضجيج المتعالي دوما من الشوارع المحيطه واصوات الماره والبائعين كل هذه الظروف وغيرها لم تحجب ا وتمنع المقاهي من لعب دورها الرائد في الادب او حتى الامور السياسيه وما ترتب عليها .

يقول السيد ضياء الأسدي ... (لقد شكلت المقاهي الادبية ، ذاكرة للثقافة العراقية ، وأصبحت الوسط الذي تخرج منه ألمع المثقفين العراقيين الذين ساهموا بنشاط في المشهد الثقافي بأبداعاتهم الخلاقة ، فلقد لعبت المقاهي الثقافية دوراً ثقافياً واجتماعيا" وسياسيا" منذ بداية النهضة الفكرية واصبح لها دورا" مهما" في حياة المثقف العراقي. حيث خرجت منها المحاولات الأولى لتطوير القصيدة العربية و الشعر والمدارس الحديثة للفن التشكيلي والنحت)

رغم عدم جود مراجع معتمدة وغياب الدراسات عن عمر مقاهي بغداد , الا ان هنالك نقل لكلام (فخري الزبيدي) في كتابه(بغداد أيام زمان) نقلا عن مذكرات الشاعر العراقي الكبير معروف عبد الغني الرصافي " يقول:

اول مقهى كان جغالة زادة سنان باشا والي بغداد سنة 995هـ/ 1586ميلادية فتح في بغداد في موقع خان الكمرك المتصل خلفه بالمدرسة المستنصرية وبابه على الطريق المؤدي الى سوق الخفافين وهو السوق الواقع فيه جامع الخفافين وبعدها سنة1590ميلادية فتح مقهى ثان كان يستخدم غلمانا ملاحا ملابسهم فاخرة لتقديم القهوة وقبض الدراهم وهناك جوق موسيقي في المقهى والتردد على المقهى اكثر ما يكون ليل وسمي بخان جغان.

ومن اشهر المقاهي التي حفرت اسمها ووجودها في التاريخ البغدادي:

(مقهى الخفافين .. مقهى الشط او التجار .. مقهى الزهاوي ... مقهى البرلمان .. مقهى حسن عجمي .. مقهى المقعدين .. مقهى البرازيليه .. ومقهى البلدية التي كان سابقا يسمى بمقهى وهب .. مقهى النعمان مقهى الجسر في السفينه .. مقهى السيد جعفر .. وفي الأربعينات والخمسينات توافد على هذا المقهى الى جانب الجواهري ، بدر شاكر السياب والبياتي وعبدالأمير الحصيري والكثير من وجوه الفكر والأدب. والى جانب المقاهي الثقافية هناك مقهى من نوع آخر يختلف في رواده عن المقاهي الأخرى وهو (مقهى ام كلثوم) الذي تأسس في أواخر سنة 1968 في مدخل شارع الرشيد ببغداد قرب ساحة الميدان حيث تشدوا هناك كوكب الشرق بأغانيها المؤثرة منذ الصباح وحتى المساء إضافة إلى إسماع الزبائن الأغاني الوطنية والدينية وعلى مدار اليوم....

اما مقاهي اليوم فقد فقدت بريقها وانزوت الى الزوال وابتعد معظم روادها اما بسبب الهجرة الى البلدان البعيدة او المجاورة اوانها تحولت (اسفا) الى انقاض مهملة او مطاعم كما حال مقهى البرلمان او الى مخزن لبيع الاقمشة (مقهى البرازيليه)... فمن هذا نرى ان المقاهي اضحت اماكن لشرب النركيلة والدمنه وملاذا لتمضية الوقت بلا هدف ...

سميرة البغدادي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى