الثلاثاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
الحاسة صفر عند ا
بقلم إياد شماسنة

لروائي والشاعر أحمد أبو سليم

عن دار فضاءات عام 2012، صدرت في عمان، رواية الحاسة صفر للشاعر والروائي أحمد أبو سليم،في 332 صفحة من القطع المتوسط، حظيتُ بإهداء نسخة خاصة منها بيد المهندس أحمد، صاحب الأعمال الشعرية (الإصدارات :دم غريب، مذكرات فارس في زمن السقوط،البوم على بقايا سدوم ) التي عرف بها شاعرا مجيدا.

يقدم أحمد أبو سليم بناء سرديا شفيفا، يتدثر أحيانا بالشعر، ولا يغرق فيه، ويستعين بمهارته المختلفة وخبراته الثقافية؛ ليقدم رؤية جديدة لمرحلة غاية في الأهمية من مراحل تاريخ النضال الفلسطيني، بلغة رشيقة،تمزج بين الكتابة الكلاسيكية وتقنيات ما بعد الحداثة في الكتابة الروائية كما أشار عدد من النقاد في وقت سابق.

تدور أحداث رواية أحمد أبو سليم"الحاسة صفر " بين أحداث عام 1982 بعد خروج المقاومة من بيروت،وأوسلو 1993، وتدور الأحداث بين بيروت وعمان ودمشق. ورغم أنها رواية إضافية من روايات تاريخ النضال الفلسطيني والشتات والقهر؛ إلا أنها لا تقع في مطب المدح والتمجيد ولا البكائيات التراجيدية على ما فات، بالصراخ بما سوف ننجزه لاحقا بالرصاصة الأخيرة في مشط الرصاص المقاوم، كما أنها لا تنزلق الى القدح أو الإساءة، بل تعاين واقعا بعينٍ خبيرة واعية، ثم تقدمه بصورة مختلفة، فموضوعها ومسرحها ليس الثورة بذاتها، وإنما ما خلف الثورة،وليس الفدائيين أنفسهم بل بقايا المقاتلين في ساعات الانسحاب، وليس مجموع مقاتلي الثورة في قمة الاشتباك.

تدور أحداث رواية الحاسة صفر مثل لعبة كلمات متقاطعة يجتمع شملها شيئا فشيئا مع بقاء المفاجآت وحالات الدهشة متجددة بين طياتها. ورغم أن الرواية هي الأولى للروائي الشاعر أحمد أبو سليم،إلا أن كاتبا مثل الأستاذ موسى حوامدة يشهد بأننا"أمام نص روائي مدهش، مكتمل، بما يؤهله أن يكون امتدادا لجيل السرد الروائي؛ رغم أن القارئ قد يعثر في طيات الرواية على قصائد كاملة ذات تفعيلة واحدة متكررة"

وقد نسفت الرواية بالنسبة الى الأستاذ يوسف ضمرة"الصورة النمطية للمقاتل الفلسطيني، وقدمته إنسانا طبيعيا يصاب بالضعف والوهن ويمارس الأخطاء" بجانب فعله النضالي ومهمته في الكفاح وإيمانه بحقه وحريته.

تكسر رواية أبو سليم النموذج المألوف للمقاتل البطل المبني على القدرة الأسطورية والطهارة الثورية،فهو إنسان حقيقي له شهوة وأخطاء،ويصاب بالخوف والخيبة،فالمقاومة رجال ونساء،بمجموع تفاعلهم ليست معصومة،فهناك تجاوزات وخيانات وانشقاقات واختراقات وفساد،واقتتال أيضا في بعض الأماكن.

ورغم ذلك فقد أضاف الأستاذ محمد أبو لافي أن الرواية تشكل علامة فارقة في مسيرة أدب المقاومة، وتؤسس لما بعدها، فقد فتحت بابا كان شبه مغلقٍ حول مناقشة الطهارة الثورية وعادية الإنسان الثائر،وأنه ضحية على حق تبحث عن حقها.
في الرواية حكايات شيقة تشبه العقد البوليسية تساهم في تحولات درامية مدهشة في مسار السرد، فالرواية تمتلئ بالأحداث والأماكن،وتتشابك فيها العلاقات والوجوه وتتواتر وتتابع المفاجآت التي تصدم القراء والشخوص على حد سواء.
ورغم هذا التشابك والصدام إلا أن هناك رشاقة تظهر في تنقل الراوي عبر الأمكنة في حركات سريعة خاطفة، إضافة الى تأملات فكرية تثري العمل تتنقل بين الماركسية والفلسفة والتاريخ والدين والمرأة والجنس.

بطل الرواية "سعيد الدوري" ينتعل حذاء طويل العنق، يتقلد بندقية كلاشينكوف، ويخوض معارك الاجتياح مع عدد كبير من الشخصيات من جنسيات مختلفة : فلسطينية،شامية وتونسية وباكستانية وأفغانية، لكل منهم حكاية،وفي كل ما يجري من أحداث يبحث سعيد الدوري عن شقيقه الذي غادر ولم يعد يعرف عنه شيئا.

رغم وضوح الشخصية الرئيسة في "الحاسة صفر" إلا أن هناك غياب للملامح الخاصة التي تميز بين الشخصيات فضلا عن الأمكنة،فتغيب الهوية الخاصة التي تميز بين الأشياء والناس وكأنهم جميعا: بشرا وترابا في خلاط واحد يمزجهم جميعا ليتلاشى ما يصنع فارقا بينهم

يشهد الأستاذ محمد أبو لافي للرواية بأنها في مستوى فني يمكنها من تسجيل قدرة عالية في الإمساك بخيوط السرد، بما يتمظهر في شكلين :كلاسيكي وحداثيٍ قائم على تقنيات الاستباق والاسترجاع والقطع السينمائي.
الأستاذ موسى أبو رياش اعتبر الرواية بأنها صادمة ثقافيا، متمردة على التابوهات الثورية، في زمن ليس في حاجة الى المقدس في النضال الإنساني،وأضاف أن "الحاسة صفر" هي حاسة الخيبات والوجع الذي لا يتدفق،والبحث الذي لا يصل الى حقيقة قاطعة، وأنها حاسة الشك والألم .

شخصيات احمد أبو سليم، شخصيات متبقية في مسرح الحدث كبقايا مقاتلين في ساعات انسحاب، لذلك؛ تجد الخيبة لها مكانا فيها دواخلها وبين ثنايا تكوينها النفسي، بل ويرى الأستاذ رشاد أبو شاور أنها شخصيات معطوبة داخليا كل ما حولها لا يمنحها الثقة، فتفقد التوازن بين اللحظة والمحيط والظروف الجارية المفروضة

تبدو الرواية أحيانا أو كثيرا، وكأنها تبحث في فضاء قاتم معتم رغم السوداوية التي تعتري أحيانا؛ إلا أنها تمارس الاعتراف المطلوب دائما،وتدعو الى مراجعة الذات والنقد ثم التجاوز،تلك المراجعة التي تؤدي الى الغفران بعد اجتيازها
وكما اعتبر الأستاذ أبو شاور هذه الرواية بأنها رواية" الصرخة والغضب الجامح" فإنها تبقى بحاسة الصفر الذي يمسح الخراب ويزيل الأنقاض ولا يبكي فوقها،من أجل بناء الأحداث القادمة والاستمرار في النضال وتأكيد الهوية،واسترداد الحق على أسس نقية واضحة كما أكد الناقد مجدي ممدوح، وهي رواية الاعتراف والتطهر بامتياز.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى