الخميس ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم فراس حج محمد

يوميات هدى العاصفة (3)

اليوم الثالث (8-1-2015)

هل كانت "هدي العاصفة" قاتلة؟ هل هي من شردت الأطفال وأبعدتهم عن ديارهم وأسكنتهم في الخيام؟ هل كانت وحيا شريرا وشيطانا عربيدا ليعلق الناس عليها تلك الجرائم البشعة؟ هل كانت "هدى" قاتلة أطفال بردا وتشردا؟
إني أرى "هدى العاصفة" ترعد وتزبد وترفع صوتها بالنحيب على ما صنع اللئام بأطفال كرام، كيف يلاقي هؤلاء البريئون ما لاقوا من مرارة الحرمان في مخيماتهم، بعد أن تمسك الدكتاتوريون بكرسي الحكم، ولم يحترموا رغبة شعوبهم بأن صلاحيتهم قد انتهت؟!

إنني أرى "هدى" باكية واجمة؛ فكيف كان الموت على هؤلاء الأطفال جرئيا، فيصطاد منهم تلك الياسمينة الشامية الحمصية "هبة"، تلك التي قتلها الإهمال وأحرقتها تحت برد الثلج سياسة عقيمة، تفرق بين شآمي ولبناني وفلسطيني وعراقي، فضلا عن أنها لا تفرق بين فرنسي وأمريكي وأفريقي، كما تفرق بين شمالي وجنوبي، شرقي وغربي! إنها سياسة التقوقع والتحوصل في حواصل اليباس، لتكون الضحية طفلة بل أطفالا يتزاحمون على كفّ الموت، ولن تجد من يقول لهم: "كفى ازدحاما على كفيّ واتزنوا".

فكأننا مع كل عاصفة على موعد مع مصيبة تهز المشاعر والأفئدة، فقد كانت ضحية العام الماضي الكاتب "محمد بنيس" الذي وجد متجمدا من البرد في أحد شوارع القاهرة، غدا كان الضحية أديبا واليوم طفلة بريئة، والمسلسل لا ينتهي، وسيكتفي المرفهون بالاستمتاع كثيرا، وسيتألمون قليلا، لكنهم سيمضون سريعا إلى شأن تافه أشد لفتا لانتباهاتهم من أطفال وأدباء ماتوا في ظل العواصف الصماء المسيّرة!

ستزداد "هدى العاصفة" غضبا عليكم، إنها لتنذركم نذيرها، إنها تزمجر، تريد أن تقلع عليكم جدرانكم، وتطفى تلك النيران التي تقيكم بأسكم، وتغرق مناماتكم بالهواجس والصقيع والريح، ستأتيكم مجنونة جبارة، تنهال عليكم بالشواظ والزمهير، فلا تستثني من "أبناء القحبة" أحدا!

إني أرى "هدى العاصفة" متحسرة حزينة، يجتاحها ألم ووجع على تلك الضحايا التي وضعها المجانين المستغلون في طريقها، فماذا عليهم لو أعدوا لهؤلاء اللاجئين العدة والعتاد، فلم ينسوا "شعب الخيام"، وأكرمت نزل الأدباء والمثقفين وكفتهم شر التشرد؟ وماذا عليهم لو فكروا في هذا الجو العاصف بقوت أسراب الحمام، القابع تحت ظل خيمة لم تعد إلا ركاما في الصقيع والبرد الصفيق!

لا تلوموا "هدى العاصفة" ولوموا حكاما خسروا إنسانيتهم، وتركوا إخوانا لهم في عراء الموت نهبا للرياح، لا تلوموا من تشرد ليلاقي الرحمة ويبحث عنها فلم يجدها، فصار كمن استجار من الرمضاء فلفحته النار وأحرقته البراكين القاسية.
كفوا ألسنتكم عن استغابة "هدى العاصفة" وشدوا الهمة وتوجهوا نحو تلك القصور القاصرة عن نصرتكم فحطموها وهشموا زجاجات خمرتها وأطفئوا نيرانا تقتل أطفالكم، فاليوم كانت "هبة"، فلربما تكون طفلتي أو طفلتكم غدا أو بعد غد، فماذا تنتظرون؟ لا مجال للتقاعس فهيا، ولا تركنوا للعابثين بالأرواح والمصير، وكونوا النار وأحرقوا أرواحهم كما حرقوا أرواحنا بمهجات نفوسنا وأفلاذ قلوبنا، ولتزرعوا الربيع الجديد، مكان هذا البرد القارس، ربيعا تشرق فيه الشمس وترحل عنه الغيوم السوداء، ويعم الدفء الذي يحرك دماء النشاط والحيوية في العروق وفي نبض الحياة.
ولتتذكروا أن "هدى العاصفة" بريئة براءة تامة من كل أذى يصيبنا:

فَهِي الطبيعة لا تـلامُ
والشؤم يــفعله اللئامُ
هم من سيدمي روحنا
فطقوسهم أبدا ظلامُ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى