الأربعاء ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم مصطفى عبا

كابوس

لما فتحتُ عينيَّ في الصباح، أعني لما استيقظتُ باكراً بعد ذلك الحلم/الكابوس (؟) تذكرتُ أنها كانت تعتليني طوال الليل الذي طال أمدُه.

كانت هي الملِكة وكنتُ أنا العرشَ والشَّعبَ الخاضع الخانع.

لم تثر اهتمامي قط في الماضي، لأنني أكرهها أولا، ولأنها امرأة بشعة ثانيا، امرأة قصيرة القامة تجر عجيزة سمينة متدلية تكاد تلامس الأرض (شُقة من صنف صالون وغرفتين على الطابق الأرضي)، ولأنها ثالثا مديرتي في الشغل، وبسب تعاملها السيء معي لا زلت أتناول المسكنات وأفكر في الاستقالة.

حدثَ ذلك في اللامكان واللازمان... في مكان ما حيث كنت نائما ما عليَّ وما بيَّ.

دون سابق إنذار انقضَّت علي فجأة. صرختُ دون صوت وهي تفترس شفتيَّ كضبُعة قاتلُها الجوعُ. كانت السَّعار عينَه. أخذت تعرّيني بنَهم وهي تئنُّ متلذذة وتسحقني بردفيها السمينين وأنفها الطويل ينقرني: "أحبك... أحبك... يا مسعود... أرغب فيك بشكل جنوني...".

أصرخ: "لااااااا.... وااااااامِّي!.... لااااااااا!...".

ثم...

أتلاشى. أخضع وأخنع و...

وأستيقظ على صوت زوجتي: "مسعود... مسعود... قُم... حان الوقت...".

تنفستُ الصعداء وأنا أتحقق من أن الأمر لم يكن سوى حلم... كابوس. جذبتُ نحوي زوجتي بعنف فوق السرير ودسستُ رأسي بين ثدييها الخارقين للعادة. سألتْني: "ما بالك كنتَ تتمرَّغ طوال الليل كحصان طروادة؟ لقد عكرتَ عليَّ نومي!".
نظرتُ إليها معاتبا: "وما بالك لم تهرعي لنجدتي؟".

 من ماذا؟

 لا شيء... لا شيء يا حبيبتي. هات لي قهوتي.

أخذت أفكر مرتعشا في ما ينتظرني هذا الصباح، صباح يوم الاثنين كالعادة: اجتماع فريق العمل، نقاش متبادل حول ما عرفه الأسبوع المنصرم من أحداث و... وستكون المديرة مترئسة عرش طاولة الاجتماع وهي في مواجهتي... وكالعادة ستضرب عرض الحائط كل اقتراح أو ملاحظة تصدر مني من أجل بلورة عملنا وتطويره. وسألزم الصمت بعد ذلك لكي أعود إلى بيتي منهكا من تحرشها النفسي الذي تجشمني إياه بدون سبب معقول وأتناول عقاقيري ومسكناتي وأنام كجحش مغربي.

كم وددتُ أن أتمارض وأن أتغيب عن الشغل هذا الصباح! ولكن...

لكن... من أين لي ذلك؟ وهل أستطيع ما لا أستطيعه؟ طبعا لا. لذلك غادرت البيت وأحشائي تتلوى وتتكوَّر من الضجر والخوف وصورة المديرة لا تفارقني.

أخذت مكاني المعتاد حول طاولة الاجتماع. كانت المديرة في مواجهتي. كانت غارقة في تصفح أجندتها. ولما رفعت نحونا وجهها بدت لي شاحبة على غير العادة. متعبة، باسمة على غير العادة!

 صاڨا تو لوماند؟ (كلكم بخير؟)

كل واحد منا أجاب أن نعم.

 أمضيتُم نهاية أسبوع جيدة؟

مستغرباً تساءلت في قرارة نفسي عن هذا التغيير الذي حصل لذى المديرة التي كانت ترعب الجميع. وأنا في خضم تساؤلاتي بادرتْني بالسؤال وصوتها كله وداعة:

 موسْتفَى! (تعني: مصطفى!)... هل أمضيتَ ليلةً سعيدة؟... أراكَ شاحباً ومتعبا!...
أصابني دوران في الرأس.

تلعثمت في الإجابة.

تساءلتُ: "هل عاشت مثلي نفس الحلم؟".

ياك ما...؟

دام الاجتماع مدة ساعتين تقريبا.
على غير عادتها لم تعنفني المديرة كما حدث مرارا في السابق، كانت تسلط عليَّ نظرات ودودة مقرونة بابتسامة لا تنضب، فيها الكثير من الحنان والمودة... لم أفهم شيئا في الأمر... هل... و...

ولماذا أنا الآن متأكد أنها عاشت نفس الحلم/الكابوس؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى