الاثنين ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٥

الرّبيع العربي! يهودي؟!

موسى حجيرات

منذ فجر التّاريخ، والأدقّ منذ فجر ما وصل إلينا، ونحن نألف المعاناة ، والظلم، والكبت، والحرمان، بل المذلّة والهوان.
فمنذ جاهليّتنا الأولى، ونحن نعاني الأمرّين من سادتنا وكبرائنا؛ وأدوا بناتنا صغارا، وباعوهنّ كبارا. يُظلم ضعفاؤنا: صغار، ونساء، ومسنين.

تأصّلت فينا عادات وتقاليد قبيحة، زرعوها في مجتمعاتنا. وقد قبّحها جعفر بن أبي طالب بقوله للنّجاشي: "كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منّا الضعيف".
وجاء إسلامنا بفجر جديد؛ فرفعنا وارتفعنا.

ما هي إلا سنوات قليلة، وإذا بربعيّ بن عامر التّميمي يقف مخاطبا رستم، عظيم الفرس قائلا: "إنّ الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله".

ودحيةَ بن خليفة الكلبي يهدّد هرقل، عظيم الرّوم: "أَسلِم تسْلم".

عظمنا وعظم شأننا، ولكن حين طال الأمد، فسق رؤساؤنا، وصار همّهم الدّنيا، استُضعفنا، واستقرّ فينا الوهن؛ فداهمنا الغرب الصّليبي، واحتلّ ديارنا، وضربنا في الصّميم حين دخل جنده إلى قدسنا.

بتنا نعاني الرّضوخ للاحتلال الأجنبي، نقاسي هول معاملته لنا، ونقاسي الأمرّين من إذلالنا وإهانتنا. ولكن عانينا، أيضا، من كبرائنا، وما سبّبوه لنا: طغيانهم، وضعفهم، وابتعادهم عن أمور الدّين.
قلنا: "مشكلتنا قادتنا وسادتنا".

ولكنّ الخير فينا، فإن غفا المارد لم يمت. عاد وتلملم منّا من بثّ فينا روح العزيمة المعهودة بنا، وقام صلاح الدّين الأيوبي التّكريتي وقادنا إلى النّصر، وتحرير القدس.

ثمّ طال بنا الأمد، بل طال بهم، برؤسائنا وكبرائنا؛ فانحرفوا عن الجادّة إلى الهاوية.
وهنا ربّما نحن انحرفنا، أيضا. وفي رواية ضعيفة أنّ رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "كما تكونوا يولى عليكم". (الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1/490).

عدنا نعاني الضّعف، والهوان، وقلة الهيبة والتقدير؛ فضعفنا من جديد، وقلت هيبتنا حين نبع من بيننا من هو ألد من أعدائنا علينا؛ فأعلن الحرب على إسلامنا. وألغى الخلافة الاسلاميّة، وأقام جمهوريّة تركيا العلمانيّة الحديثة، فهو أبو الأتراك مصطفى كمال أتاتورك؛ فتكالبت علينا الأمم.

غزا بلادنا الإنجليز بحجة أنّهم انتدبوا من مجلس الأمن للحفاظ على بلادنا. غفلنا عن مخطّطاتهم بداية، ولكن كان الوقت متأخرا حين صحونا، وعرفنا مكائدهم.

وغزا الفرنسيّون بلاد الشّام، وانتدبوا على سوريّا ولبنان. وعدنا نعاني الاستعمار والاحتلال القائم.
ولكن هنا تمادى كبراؤنا، وسادتنا؛ فخانوا، وتعاملوا مع أعدائنا؛ فجنّدوهم لرمسنا، وطمسنا، ومحونا؛ فكنّا لهم بالمرصاد.
فكافحنا، وناضلنا، وقاومنا، وحين ملّ مستعمرنا بلادنا أورثها لليهود؛ فأقاموا دولتهم في بلادنا.

عدنا الى معاناتنا من جديد حين هجر سادتنا، وقادتنا، أو هجّروا عنها، وطوردوا؛ فغابوا.

غيابهم هذا أفسح الميدان للضّعفاء، جوعى المال والسّلطان؛ فاشتروهم؛ واستعملوهم.
صرنا نعاني مرّتين: الهجرة، والتشرّد، والخوف، والسّياسات الخاصّة، كما نعاني من تعامل قادتنا الذين ولوا علينا بغير إرادتنا.

عقود كثيرة، والمعاناة مستمرّة حتّى حل الرّبيع العربي القادم من جوارنا. عاد الأمل من جديد. نحن لم نفقد عروبتنا، بل هي طيف من أطياف هويّتنا.

والرّبيع العربي ربيعنا ولن ينسانا. وصرنا نتابع تحرّكاته، آملين بقدومه سريعا.

ترنو عيوننا إلى تونس، إلى سيدي بوزيد، فتختلط مشاعرنا: حزنا حين أحرق محمد البوعزيزي نفسه، ولكن فرحا لأنّ هذه شرارة الانطلاقة، هذه شرارة الثورة العربيّة، هذا الرّبيع العربي.

قلنا: "انتفاضة شعبيّة، حركة احتجاجيّة، ثورة"، ومهما كان فقد أدّت إلى الإطاحة بزين العابدين بن علي.
قلنا: "كبير، جبار، طاغية، استغلّ خيرات بلاده، وانفرد بها، وظلم شعبه وأذلهم، ولكن الله ثمّ أهل العزيمة والارادة بالمرصاد.

أثمر الرّبيع العربي ثمرته الأولى، وتحرّك إلى مصر المباركة، بدأ يكشف أسرار معاناة المصريّين، وأنّ باطنهم ليس كظاهرهم؛ فزاد الأمر فصار ثورة، وانتفاضة، وميدان التحرير، واحتجاجات سلميّة؛ فاستمرّ الرّبيع العربي، وتنحى مبارك.
قلنا: "قادم... قادم.

فرح الرّجال، وزغردت النّساء، واستمر الرّبيع العربي يحصد الزّعامات الباطلة، والقادة الفارضين أنفسهم على شعوبهم، وصرنا نقول: "أهلا بالرّبيع العربي، المخلص الذي سيخلصنا من قادتنا وسادتنا، وننطلق نحو حريّتنا".
قتل القذّافي في سرت، وهرب صالح إلى عمان، وفوّض عبد ربّه منصور هادي مكانه.

ما زال الرّبيع العربي مستمرّا يجسّ نبض قطر وآخر ويقرّر. وصل الجزائر، فجيبوتي، فالعراق، فالمغرب، والأردن.
وكانت فعاليّاته محدودة في السّعوديّة، والسّودان، وموريتانيا، والبحرين، ولبنان.

زاد أملنا، وقلنا: "سيأتينا، هو قريب منّا". وإذا به حين مرّ علينا، نظر وأبى، ونحن نلح عليه؛ فيزداد تعنّتا، وإصرارا على عدم الانتباه إلينا.

لماذا لن يدخل أرضنا؟

ليس لشيء، إنّما لأنّا فيها، ولمَ؟ لأنّنا "قوم جبّارين". يردّد قول قوم موسى نبي الله عليه السّلام: "وَإِنَّا لن نَّدْخُلهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فإِن يَخرُجُواْ مِنْهَا فإِنَّا دَاخِلون" (المائدة: 22).

لم يكن هناك أعظم من خيبة أملنا، عقدنا على مجيئك الآمال، يا ربيعنا العربي.

تعال إلينا... خلصنا من سادتنا، وقادتنا... إنّهم طغوا، وبغوا، وتمادوا.

تعال إلينا، فنحن بانتظارك. ماذا تفعل في الشّام من أعوام؟

ألم تكل، ولم تملّ؟ ألا تريد الدّخول إلى أرضنا؟ أيهودي أنت؟ من بني إسرائيل؟

إن كان ذلك، فخيبة أمل قريبة، ولكنّها فسحة أمل بعيدة. سيطوف الرّبيع العربي كلّ العالم، ويتشتّت مع من تشتّت ثمّ يعود مع اليهود الذين سيأتي بهم الله. لأنّه وعدنا في القرآن: "فإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا" (الإسراء: (104. وسيأتي الرّبيع العربي اليهودي معهم.

موسى حجيرات

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى