الاثنين ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم أسامة جودة

شاى أبو ياسمين

لا أدرى ماذا يفعل هذا الرجل ليصنع هذا المذاق الخاص والمميز لأكواب الشاى التى يقدمها لزبائنه فى كشكه الخشبى المتهالك القابع بجوار ارض فضاء وسط موقف النقل بمدينتى ،تعرفت عليه للمرة الأولى حينما جلست عنده برفقة صديقى الشاعر الكبير الذى قابله بحرارة وتهامسا معا ً ثم تقاسما قطعة من المزاج ثم تهامسا مرة أخرى ليرد صديقى ويقول :
لاااا .... ده ملوش فى المزاج .

عرفنى عليه ونصحنى بالجلوس عنده كثيرا ً فعالمه ممتليء بالحكايات والشخوص ،بدا لى مرحا ً ورقيقا ً فضحكته التي لا تفارق وجهه أضاءت ملامحه الداكنة ،يداعب زبائنه من السائقين مع كل خطوة يخطوها ، يتحرك برشاقة شاب فى العشرين من عمره رغم أنه تعدى الخمسين بسنين. تضايقت منه فقط عندما رأيت سب الدين لا يفارق لسانه فى جده وهزله،
ابنتيه اللاتى يساعدهن فى العمل بهما شبه كبير به ،نفس النحافة والملامح والبشرة الداكنة ، مراهقتان فى مقتبل العمر،الكبرى ( ياسمين ) تركت الدراسة بعدما ملت منها لمستواها الضعيف والأخرى مازالت تكمل دراستها وفى الوقت نفسه تعاون ابيها فى عمله ،نشيطتان كالنحل وجريئتان للغاية بشكل يجذب الاهتمام ،الأمر فرصة ويجب ألا تضيع منى لذا أخذت بنصيحة صديقي وبالفعل بدأت أتردد على كشك أبو ياسمين وعيوني ترصده وبناته بدقة متناهية ،رصدت حالة الكشك المعدمة ، خزان المياه البلاستيكي القذر،وعاء الماء الكبير الذي امتلأ بالأوساخ والذى يغمس به الأكواب ثم يخرجها ليضع لك به ما تطلبه ،الدكك الخشبية العتيقة التي نجلس عليها ،أيضا عرفت أن مذاق الشاي المميز الذي يصنعه نابع من الصدأ الذي يكسو أباريق الشاي القديمة التي يملكها وربما ورثها عن أبيه وجده ،الأجواء عامة خارج الزمن ،توطدت علاقتي به أسرع مما كنت أتخيل ، كان من أطرف ما كتبته عن لسانه حكايته عندما سافر للسعودية وعمل هناك لبعض الوقت بشكل غير شرعي حتى طاردته السلطات وداهمت مسكنه في يوم فاختبأ في غسالة الملابس ،قصها على عدة مرات وفى كل مرة يفتح فاه عن أخره بضحك هستيري كالمجاذيب ،بالفعل امتلأت عوالم كتاباتي بشخوص أبو ياسمين الفريدة والمنتقاة بحرص شديد منى حتى افتقدته عندما غبت عنه مدة لانشغالي بأعمال هامة وعدت أقصده ففوجئت بأساسات بناية جديدة تحل محل كشكه لأعلم بعدها بأمر المشاجرة الضخمة والموقعة الحاسمة التي جرت بين مالك الأرض وبينه وبناته عندما رفض الخروج من الأرض ،مقاومة أبو ياسمين وبلاءه الحسن انتهى به مصابا ً بأحد المستشفيات بعدما كسرت ساقه وذراعه ،سرعان ما اصطحبت صديقي الشاعر وذهبنا إليه حاملين أكياس فاكهة لنطمئن عليه ونواسيه ونعده بالتردد عليه في مكانه الجديد عندما يختاره .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى