الاثنين ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم سهيل عيساوى

عوامل تعثر أدب الطفل في عالمنا العربي

هنالك العديد من العوامل المتشابكة التي تقف عائقا امام نجاح وازدهار أدب الطفل في عالمنا العربي، والأدب العربي بشكل عام وهي :

 نقطة الانطلاق جاءت متأخرة : أدب الطفل دخل الى عالمنا العربي، بعد قرون من انتشاره في الغرب، وتلكأت الحكومات، ودور النشر، ومدارس الفكرية عن دعم هذا التوجه، وتقاعس الأدباء العرب عن طرق هذا الباب،ربما ظن البعض ان الكتابة للأطفال شارة ضعف،ربما نظرة استعلاء، وعدم اعتراف بمكانتهم في المجتمع، يمكن القول أيضا نتيجة سوء تقدير بأهمية هذا الصنف من الأدب، فقد حرم أطفال العرب طويلا من هذه النعمة التي كان يتمتع بها أترابهم في أوروبا، الفضل يعود في نقل وترجمة وكتابة مئات القصص للأديب المصري كامل الكيلاني الذي زار أوروبا في بعثة دراسة وعاد الينا بحزمة من الأفكار والقصص، وقدم خدمة جليلة لأطفال العرب وللكتاب وللمجتمع.

 انعدام الدعم الحكومي لقصص الطفل : معظم الدول العربية لا تقوم بدعم قصص الطفل، مما يجعلها تقتصر على فئة الميسورين وينحصر انتشارها، لان دور النشر ليس بمقدورها مجابهة كل الصعوبات وحدها.

 التكلفة الباهضة للطباعة : ثمن طباعة الكتاب وتوزيعه يعيق عملية انتشاره بشكل شعبي.

 فشل في التوزيع :من عوامل نجاح الكتاب، خطة مدروسة للتوزيع، حسب مناطق ودول، وفئات عمرية، من خلال مكتبات، ومعارض كتاب، وتسويق الكتروني، ان عائدات بيع الكتب في العالم العربي هزيلة، لا تقارن بعائدات متجر كبير الكتروني غربي، او بعائدات بيع الكتب في دولة أوروبية واحدة.

 التربية على القراءة أزمة عربية خانقة : الكبار لا يقبلون على الكتاب فكيف يبثون حب الكتاب الى صغارهم " فاقد الشيء لا يعطيه " انظر كم كتابا يقرأ كل انسان في اوروبا، انظر الملايين من القراء التي اشترت سلسلة هاري بوتر، هل لو كتب الكتاب أديب عربي، هل كان سوف يهتم به القارئ العربي نفسه ؟، في الغرب يصل عدد النسخ لقصص الاطفال 40000 نسخة طبعة اولى،اما في العالم العربي عادة تطبع القصة ب 1000 نسخة، وفي لبنان 3000 نسخة يباع منها خلال 8 سنوات 2000 فقط !!.

 الأمية في العالم العربي : ما زالت الأمية معضلة ومشكلة كبير تواجه الشعوب والحكومات، تعيق التنمية والاقتصاد، وتؤثر على التعامل مع الكتاب.

 جودة الكتب ومضامينها : لا شك ان جودة الكتاب ومضمونه، اثر كبير على اقبال الأطفال على المطالعة، علينا ان نعترف ان هنالك العديد من القص في السوق وبين نتناول ايد\ي الأطفال اقل ما يقال عنها انها رديئة المضمون والإخراج، وتنفر الطفل القارئ، تخسره كقارئ شفوف بالكتب.

 الاخراج الفني للقصص: له اثره، معظم القصص تصدر بحلة رديئة، وورق رخيص واخراج بائس، ورسومات غير جذابة مما ينفر القارئ.

 تحفيز الكتاب : دور النشر العربية لا تشجع الابداع والتميز، عادة يتكفل الكاتب بالنشر والتوزيع، معظم دور النشر العربية هي دور طباعة وليست نشر وتوزيع،..بينما في الغرب يحصل الكاتب على نسبة معقولة من الأرباح، تشجعه على التفرغ والتميز والابداع

 قلة الدراسات حول أدب الطفل : الدراسات في عالم الطفل شحيحة، معظم الأعمال لا يشار اليها، كأنها خارج مرمى النقد،فان النقد الصحيح، رافد هام وحيوي للأدب، يعالج النص بموضوعية ومهنية، يبث الحياة المتجددة بالنص كلما نظر اليه القارئ والباحث، كما انه يقوم الكتابة ويوجه الكتاب، يظهر مواطن القوة والضعف في الأسلوب والمضمون، ويعرف القراء بالكتاب، ويغربل الأدب عن " غير الأدب "، يخلد الأدب الجيد بين حضن المادة، ويطور أسلوب الكاتب والناقد على حد سواء.

 الكتب المترجمة الى العربية : ظاهرة جيدة، لكن هنالك العديد من القصص المترجمة العربية لا تتناسب مع ثقافتنا ومجتمعنا وبعضها يبث ثقافة استعمارية هدامة، او تنزع القيم، او تخيف الطفل، أيضا قد تكون ارخص تنافس الأدب المحلي، فتبقيه على الرفوف يبكي حظه.

 قلة الترجمة من العربية الى اللغات الاخرى :بهدف تعريف العالم بإبداعاتنا، ما ترجمه العرب ضئيل منذ العصور الوسطى حتى اليوم، من المفروض ان تترجم الأعمال الإبداعية في مجال ادب الطفل الى شتى لغات العالم، ليصل صوتنا الى بعيد، الى الصين وأوروبا وافريقيا واستراليا، الترجمة جسر محبة والفة بين الشعوب، تقبل للآخر، ولفهم ونشر حضارتنا وثقافتنا ومخزوننا الحضاري، وعلى عاتق دور النشر والحكومات ومراكز البحث تقع هذه المهمة الشاقة والشيقة، الغربيب أن العرب كانوا رواد الترجمة في العصور الوسطى، ولهم فضل كبير على الغرب في هذا المضمار، لانهم حفظوا الفلسفة اليونانية واسس الفكر القديم من طب وجبر ورياضيات، من الضياع والتزييف والتحريف، لكن اليوم اضعنا البوصلة، كما ان عملية الترجمة تساهم في حفظ مكانة اللغة العربية كلغة عالمية، لغة الادب والشعر والابداع والخيال ولغة القران الكريم، هذه الخطوة تساهم في تعزيز مكانة الأديب العربي، تسوق فكره وابداعه.

 الفقر عدونا الأول : الفقر مدقع في العالم العربي ينتشر في معظم الدول العربية، يحاصر فئات كبيرة، ويفرض عليها حياة شاقة مغموسة بالعوز والهم والدمع والحرمان، الأسر الفقيرة تفكر أولا في لقمة الخبز والمسكن والملبس، تنظر الى كتب الأطفال على انها من الكماليات، بينما هي في الواقع غذاء الروح وبوصلة للعقل، وعامل مهم لنمو ذكاء الطفل ولتطوير مهاراته اللغوية وتعزيز شخصيته وتوسع ثقافته وإبراز هويته الثقافية والدينية والقومية.

 حالة الاقتتال والحروب الأهلية في العالم العربي : كان يرجى من الثورات العربية والربيع العربي، أن تصب في صالح الثقافة والابداع، وأن تنشط دور النشر، ومراكز الدراسات وتزدهر طباعة الكتب، وتركز جهود الحكومات والأنظمة على دعم جهاز التربية والتعليم والمعاهد العليا، والاهتمام بالطفل وأدبه وتعزيز مكانة الكاتب المبدع، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، الأوضاع الأمنية والحروب التي تعصف وتمزق العالم العربي، التصفيات السياسية، والصراع المذهبي، اعمال السلب والنهب، واغتيال الحضارة وسرقة المتاحف، وأعمال القتل والتشريد والتهجير والتصفية العرقية، واضطهاد الأقليات، الصراعات الإقليمية، كلها عوامل تستنزف مقدرات الوطن العربي، وتصرف الأنظار عن الابداع، تخرس الأقلام وتغتال روح الابداع وتقزم المبدع الذي يقف عاجزا أمام جلل المصاب وعمق الجرح النازف، وتنطق أمامه المدافع والطائرات الحربية، يسمع أزيز الرصاص وصوت الانفجارات، تهاجر الطيور والعقول الى جهات أخرى في هذا الكون الفسيح، فبدل تكريم الطفل،نشاهد موته جوعا وقصفه وتشريده وذبحه، ومصادرة طفولته وهدم مستقبله، وقتل ذويه، وحرمانه من التعليم ومن ابسط حقوقه الطبيعية والشرعية.

- الرقابة الذاتية ورقابة المجتمع : هنالك من يشير الى الرقابة الكبيرة التي يفرضها الكاتب على نفسه،بهدف قبول عمله من قبل الأهل ودور النشر، والمدارس، والنقاد، فيشعر انه يكتب لكل هؤلاء باستثناء الطفل وهو "الهدف "، زد على ذلك أن دور النشر تبحث عن القصص ذات توجه تربوي تعليمي، لنشرها، ولا تبحث عن القصص التي تكتب لمتعة وسعادة الطفل، كان القصص هي وسيلة التربية الوحيدة في المجتمع !!

انتقائية دور النشر : العديد من دور النشر تبحث عن أسماء لامعة في عالم الطفل، التي حققت النجاح في بعض القصص، وتقبل عليها، وتهمل الأسماء الأخرى والقصص الأخرى، مما يحدث نوع من التكرار والاجترار للمواضيع والأساليب والأفكار. وبث روح الإحباط لدى العديد من المبدعين الذين اخفقوا في التوصل الى صيغة مع دور النشر القائمة، مما يدفعهم الى العزوف عن الكتابة والابداع، او الإصدار بشكل شخصي متحدين كل الظروف والية التوزيع، لكنها خطوة مزروعة بالمخاطر المادية.

النقص الشديد في أدب الفتينان والناشئة : هنالك العديد من القصص التي تلائم جيل الطفولة المبكرة، وهنالك الروايات والقصص التي تلائم الكبار وطلاب المرحلة الثانوية، هنالك اهمال كبير من قبل الكتاب بجيل الفتيان،يجب ان تكون الكتابة في العالم العربي لجميع الأجيال وبنفس الاهتمام والجودة، لان كل فئة عمرية في غاية الأهمية، وجيل المراهقة في أمس الحاجة لصرف اهتمامه وانظاره عن ملهيات الحياة المظللة، بمطالعة كتاب نافع يوقد فكره ويوسع معلوماته، ويصقل شخصيته.

وعي أهمية أدب الطفل : عامل الوعي كمجتمع وحكومات لأهمية ادب الطفل هام، كلما زاد الوعي، تزداد الطاقات والموارد التي تصرف على نشر هذا الادب وتكريس نجاحه، صحيح انه طرأ اهتمام في بعض الدول بأدب الطفل مثل : الكويت والامارات وعمان، والأردن، حيث تتبنى الدول مسابقات على مستوى العالم العربي، تشجع هذا اللون الأدبي وتكرم الأدباء، لكن هنالك حاجة ليكون هذا الاهتمام أوسع وأعمق وأشمل، وأيضا ليكون في سائر الدول العربية من خلال بناء رؤية شاملة لتجذير نشر ودعم أدب الطفل.

تسيس الاعلام : بسبب الحالة العربية، وانتشار الفوضى السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والفكرية، وحاجة جميع الأطراف المتنازعة الى الة الاعلام، لنشر أفكارها، ونقل الحقيقة كما تراها هي، تهتم كل الأطراف السياسية والعسكرية في العالم العربي بالإعلام بكل أشكاله المرئي والمسموع والمقروء، لبسط نفوذها عليه، فبات الاعلام موجه سياسيا، فانحصر دوره على التغطية السياسية ورصد التطورات العسكرية على أرض المعارك المنتشر في العديد من الدول العربية، والترويج لأفكار تيارات معينة، وحتى ان بعض الميلشيات العسكرية والحكومات استولت على مقدرات ومقرات الصحف والمواقع الإلكترونية، وحجبت العديد، مما افقدها مصداقيتها أمام الجمهور، إضافة لتغيير في النهج، هذا الأمر انعكس على تغطية النشاط الأدبي ورصد حركة الابداع بشكل عام.

ضعف لغة العربية في الشبكة العنكبوتية : لا أحد ينكر أهمية المواقع الالكترونية في نشر المعرفة وتسخير العلم، ونشر الادب، الانترنت منافس قوي للكتاب الورقي، لكن الفطن من يستغل هذا العملاق الذي يفرض نفسه يوما بعد يوم على العالم بلا منازع، هنالك فشل في تسويق ادب الطفل عبر الانترنت، شبكات التواصل الاجتماعية، لعدة أسباب، منها التخلف التكنولوجي في معظم البلدان العربية، وضعف الموارد المخصصة لهذا الغرض، لاحظ الخبراء قلة المواقع العربية المختصة، وقلتها بشكل عام مقارنة بعدد الناطقين بالعربية، كلغة هامة للحضارة والإنسانية، لكنها ليست لغة الأبحاث، يقول رائد أدب الطفل يعقوب شاروني " والتنبؤ بمصير العربية فى هذا المعترك عسير، من حيث هو مرتبط بمكانة العرب من العالم... بالنظر إلى إخفاقاتهم فى التقدم خطوة نحو ما يحمى اللغة حقًّا من غائلة اللغات الأخرى، التى تستفحل مع الوسائط الاتصالية القائمة على تلك اللغات ".

ويضيف : " والعلاقات بين اللغات كالعلاقات بين الدول، منها علاقات مشروعة وضرورية ونافعة، ومنها ما هو نوع من التدخل فى الشئون الداخلية وانتهاك للسيادة، وهذا هو ما يترصد العرب كما يترصد لغتهم "، فان اللغة العربية تواجه تحديات شديدة من قبل اللغة المهيمنة " اللغة الإنجليزية " لغة الشعوب القوية، كذلك في ظل مكان الدول العربية والعرب عامة دوليا. لذا من المهم استغلال الشبكة العنكبوتية بصورة إيجابية لنشر المعرفة وتعزيز مكانة اللغة العربية ونشر الادب وادب الطفل واستغلال كل التقنيات الحديثة، وهنالك حاجة لتحسين أداء المواقع العربية وتحديثها ونشر الأبحاث الهامة في كافة المجالات باللغة العربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى