الخميس ١٣ آب (أغسطس) ٢٠١٥

رسالة إلى شاب

موسى حجيرات

يقول صديقته ويحبّها، فاعتاد أن يحادثها ويطلب منها التّعري، ويتفاخر بذلك أمام أقرانه. لكنّه ذات يوم وجد من يوقفه ويقول: "اتصلت بها، أو اتصلت بك... تحدّثها وتحدّثك، ولكن: هل تعلم من هي؟

أختك؟ لا ليست كذلك؛ لأنّك لا تحادث أختك إلا عند الضرورة، وإن كنت بعيدا عنها، ثمّ تكون محادثة قصيرة، واضحة المضمون، لها مهمّة تقضيها. ثمّ إنّك لا تضاحكها، ولا تغازلها، ولا تعاكسها، وهي خلف الحجب تتغنّج، وتخضع بالقول، وتتشدّق شاذّة عن المقبول والمعقول، والرّاجح بين بني البشر.

أما تدري أنّها بذلك خانت ربّها الذي أمرها ومثيلاتها قائلا: "لَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ" (الأحزاب: 32).

كما خانت أهلها الذين وثقوا بها، واطمأنّوا لها وبها، وأكرموها وأمنوا لها؛ فصاحبت من وراء ظهورهم، وسلمت لك ما لم تسلمه حرّة، لقد سلمتك عنان شخصيّتها؛ فصرت تجرّها كما يُجرّ الكلب، مرّة وراءك ومرّة أمامك، وهي شاذّة عن السّبيل القويم.

طلباتك منها لا تُطلب من بشر يقدّرون أنفسهم، أو يحترمون قوامهم، أو يعتبرون كيانهم إنّما تطلب من الضّعفاء، البسطاء السّذّج في أحسن الأحوال، ومن غير العاقلين، وغير ذوي الخلق في بقيّة الأحوال. لا تطلب حتّى من بنات الهوى في مواخير الدّعارة، أنت تطلب منها التّعري؟

قف، فكر، قدّر واسأل: لماذا؟ وتجرأ في سؤالك: لماذا تريدها أن تتعرّى؟
لتريك ما ستر الله منها، وصانه أهلها، وسمّوه عرضا وشرفا.
حلل واستنتج: أنت تحدّث من تفضح ما ستر الله، وتحدّث من تهمل وتتهاون بما صانه أهلها وذويها، وتحدّث من تبيح عرضها وشرفها.

هل التّعري من أخلاق البشر؟ الكل يعرف انّه لا، ولا، ولا. فستر العورة هو ما يميّز البشر عن الحيوانات، فالتي تخلع سترتها تخلع بذلك سترها، وتنزل إلى مصاف الحيوانات. إذن، أنت تحدّث حيوانة وراء الكواليس، ولكنّها تظهر أمام البشر وكأنّها منهم.

ألا تعلم أنّها عندما تتعرّى أمامك تخالف ربّها الذي أمرها بأخذ الزّينة، فقال: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الأعراف: 32)، ويقصد بذلك ستر العورة لأنّ الناس قبل بعثة النّبي صلى الله عليه وسلم كانوا يطوفون بالبيت عُراة. وأمرها، كذلك، أن لا تبدي زينتها إلا ما ظهر منها، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" (النّور: 31).
ثمّ عد أيّها المغفل واسأل: "من أنت بالنّسبة لها؟

زوجها؟ لا، ولا، ولا . ولا حتّى وإن كنت تخطّط لذلك. إذن إذا أباحت عرضها فقد أباحت لغريب بعيد عنها، أتعرف كم غريب بعيد عنها غيرك؟

ثمّ دعها، ودع صفاتها، ولا تسأل عنها، بل اسأل نفسك عنك، وعن صفاتك. كيف تحادثها سرّا دون دراية أهلها وأهلك والمجتمع؟ أليس ذلك خيانة؟ أليس ذلك امتهانا لأعراض النّاس؟ أليس ذلك دخول من دون الأبواب. ألم يأمرك الله قائلا: "وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا" (البقرة: 189(.

تعال نلعب تبديل الأدوار. فابن عمّك، مثلا، سيلعب دورك. واختك، مثلا تلعب دور الفتاة التي تحادثها أنت، ونعطيهم فرصة الحديث وبالمضمون الذي حدّثتك فتاتك به، وندع ابن عمّك يطلب من أختك ما طلبت أنت من الفتاة التي تحدّثها.
ما شعورك واختك تتغنّج، وتخضع بالقول لغريب عنها، ويطلب منها أن تتعرّى؟ وتفعل. بل ما هو قدرك وقيمتك وأنت ترى عرضك يباح وشرفك يضرب في الصّميم ؟

واسأل الآن: "أراض أنت عن ذلك؟

إذا رضيت فأنت ديّوث، والدّيوث لا يدخل الجنّة، وإن لم ترض؛ فأنت أناني خائن لأنّك تبيح لنفسك ما لا ترضاه للآخرين. والحالتان لا تناسبانك كإنسان خلقة الله في أحسن تقويم، وكرّمه، وفضّله على سائر مخلوقاته.
واعلم إن كانت المحادثة بمبادرة منك، وفتاتك بسيطة أمنت صحبتك، وآمنت بكلامك، ووثقت بك، وعقدت آمالها عليك، فأنت شيطان تدفع بها إلى الرّذيلة، ولم تزل بها حتّى تسقط؛ فاتق الله لأنّ الشّيطان لا يأبه بمصير فريسته.
وإن كانت المحادثة بمبادرة منها فاعلم أنّها ساقطة، وأسقطتك، وأوقعتك في شباك الرّذيلة؛ فمهما حاولت الإفلات منها سيبقى تأثيرها فيك ، وفي شخصك وعقلك.

حادثتها، سعدت بدقائق أو ساعات، وزيّن لك الشّيطان سوء عملك، وتمتّعت بالنّظر إلى مفاتن ومغريات حرّمها الله عليك؟ فأقنعك الشّيطان أنّك فائز منتصر.

ولكن، ثق أنّ متعتك زائلة، ونصرك وهم، وما أنت حين تفعل ذلك إلا فاسد خلقه، غائب عقله، أناني خائن، شيطان بلباس بشر، ساقط، فاقد زمام أمره، مسيّر في سلوكيّاته.

وبعد كلّ ذلك تقول محادثة عابرة، وكأنّها حكاية تروى، أو لحن يُغنّى، هي ليست كذلك. هي، أيضا، زنى أذن، فعقوبتك عقوبة الزّاني، أضف إلا استغلالك نعمة أنعمها الله عليك بغير ما يرضيه.

وزنى عين، وزنى العينين النّظر. فويلك ويلك من الزّنى وعقوبته.

وإن كنت أنت زان، فمع من؟

أنت تعرف؟ مع زانية مثلك.

أترضى أن يزني أحدهم بأختك، أو أمّك، أو أيّ من محارمك؟

موسى حجيرات

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى