الثلاثاء ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٥
بقلم حسن ساعدي كرمي

تأثیر المعارك في الشعر الإسلامي

إعداد: حسن ساعدي گرمي، خریجة مرحلة الماجستیر بجامعة آزاد الإسلامیة في تبریز، تبریز، ایران.

المخلص

من نتائج المعارک دخول هؤلاء التتار في الإسلام أفواجا. والشیوخ تیشوق إلی الحجاز لیزور الأماکن المقدّسة في مکة والمدینة والشعراءهم وقد أعجب الأدباء المعاصرون بالإتجاه الجدید الذي یسیر إلی جنب مع الإتجاه التي بدت من مصر علی ید القاضي الفاضل وجماعته من بعده، فنهجوا نهجه، وإقتدوا به، وتداولوا معاینه، ولانبالغ إن قلنا أنّ معظم شعراء النصف الثاني من القرن السابع الهجري کانوا من تلامذته، فإستمدوا منه کثیراً من معانیهم الشعریة.
الکلمات الدلیلیة: المعارک، الشعر، الشعراء، الإسلامي، جهاد.

و القرآن الکریم الذي قال اللّه فیه ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: 224 ] إستثنی منهم مدح الشعراء المؤمنین الصالحین، الذين یذکرون اللّه کثیراً، ویراقبونه في أقوالهم وأفعالهم، فیتمسکون بنقاء الکلم والعمل، ویسمون علی الغرائز بإنتاجهم ویجاهدون بإنتاجهم في سبیل الحق، ویقصدون وجه اللّه والدار الآخرة. ولذلک إستثناهم اللّه سبحانه من الغاوین فقال:﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشعراء: 227.].
ولقد إستند الشعراء وإنتفعوا بمبادیء الدین، فقوّموا إنتاجهم علی أساس مبادیء الدین وبیانه، وإندفعوا به مجاهدین في سبیل الحق، فکانوا عوامل ثبات، ودعائم صمود، وأسلحة نصر، وفي مقدمة هؤلاء حسان بن ثابت شاعر الإسلام الأول، الذي شعره من أقوی الأسلحة ضد أعداء الإسلام، والذي کان شعره تسجیلا لتاریخ رسول اللّه J، في دعوته وجهاده، فکان یدافع عن المبادیء ویحمس المجاهدین، ویهجو الاعداء.

«ولم یکن سقوط بغداد کارثة سیاسیة واقتصادیة فحسب ولکن کان کارثة ثقافیة وحضاریة، فقد کانت بغداد مدینة المدن فهي مرکز للعلوم والآداب والفنون، وکانت محلاً لتربیة بالعلم والعلماء والأدباء والفلاسفة والشّعراء، فجاء المغول وقتلوا کل شیء العلماء والعلم والشّعراء والشّعر، وفر من العلماء والشّعراء من نجا منهم إلی الشام ومصر، وأخرق المغول المکتبات التي کانت ملیئة بالإنتاج العلمي للعرب والمسلمین منذ قرون مضت، وخرّبت المدارس والمعاهد، وقضي علی الآثار الإسلامیة» [عبد المعطي، فؤاد، الشرق الإسلامي في عهد الإیلخانیین، أسرة هولاکوخان، ص281.].
«وکان المسیحیون أکثر النّاس في العالم إبتهاجاً بهذا النصر، ورحبوا بهولاکو وزوجته (ظقزخان) والّتي کانت قد إعتنقت المسیحیة علی المذهب النّسطوري»[ رنسیمان، إستیون، تاریخ الحروب الصلیبیة، ج3، ص522.].
وقد شارکت فئات الأمة جمیعا معرکتها المقدّسة ضد الصلیبییّن المحتلّین: العلماء، والفقهاء، والخطباء، والکتاب، والشعراء والسیاسیون، والعسکریون لرّد کید المعتدین.
وهذا البحث محاولة لرصد مظاهر الوعي عند شعراء الجهاد في عصر الحروب الصلیبیّة، وهو في الوقت نفسه محاولة للرّد علی من إتهموا شعر هذا العصر بالإنحطاط، والجمود والسطحیة»[ زغلول سلام، محمّد، شعر الحرب في أدب العرب، ص268.].

والشعر الإسلامي خلدت به البطولات، وکان أعظم حافذ للجهاد في سبیل اللّه، ومن الشعراء الذين تتلمّذوا علی القرآن وآدابه، ودافعوا عن الحق بأشعارهم وأنفسهم وحسموا المجاهدین في نضالهم: ابو تمام الطائي الذي ولد ببلاد الشام، ثمّ ارتحل إلی مصر، ومن أعظم قصائده التي دافع بها عن الحق، قصیدة في وصف معرکة عموریة التي إنتصر فیها علی الروم خلیفة المسلمین المعتصم.
کان بیبرس من زعماء الإسلام، انه یسمی بطل الحماسة في عصره، وله شأن عظیم عند الأیوبییون،
«کان بیبرس طموحاً جداً، وقد وقفه هذا إلي المشارکة في کثیر من الأحادیث الهامّة والحروب التي کانت تقوم کثیراً بین الممالیک أنفسهم من جهة، وبینهم أعدائهم من جهةٍ ثانیةٍ حتی صار له شأن عظیم مع الملک الناصر یوسف والملک المغیث الأیّوبیّین،وممّا یدل علي ذلک أنه لـمّا دخل إلي القاهرة قبیل موقعه عین جالوت رکب السلطان الملک المظفر قطز للقائه، وأنزله في دار الوزارة، وأقطعه قصبة قلیوب، وکان آخر هذه الأحداث الهامّة التي أسهم فیها إسهاماً کبیراً قبل أن یصل إلی السلطنة هو إشتراکه مع المظفر قطز في معرکة عین جالوت، والتي إنتصر فیها الممالیک علي التتار لأول مرة إنتصاراً کاسحاً، وقتلوا قائدهم مع کثیرین منهم، ثمّ تبعوهم یقتلونهم في کل موضوع» [الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، ص14.].
«أکثر معارک الظاهر بیبرس العسکریة بعد سلطنة إثارة لشاعریة الشعراء، هي المعرکة التي حدثت عام (671ه) بینه وبین التتار علی نهر الفرات الذي خاضه مع جنده بخیولهم وأسلحتهم ودروعهم نحو التتار، وقتلوا وأسروا منهم الکثیر، ولم ینجح منهم إلّا النزر الیسیر، الأمر الذي کان له أطیب الأثر في نفوس المسلمین الذين لم تکسر عندهم بعد کسراً تاماً أسطورة التتار الذين لایغلبون علی الرغم من الإنتصار في معرکة عین جالوت» [الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، ص15.].
«ومن الشعراء الذين وصلت إلینا أشعارهم في هذه المعرکة شهاب الدین محمود، الذي قال قصیدة رائیة، وصفها تغري بردي بأنها طنانة.
بدأها الشهاب محمود بقوله مخاطباً الظاهر بیبرس:

المهیمن: الحافظ، المراقب. أقدار: الطاقة والقوة.
أظهرته: رفع قدره، بیّنه . رکنه: ما یقوَّی به. ثار: ظهر. الأعادي: المتجاوز.
وهذه البدایة تظهر الروح الدینیة التي کانت سائدة قویة في ذلک العصر، ولاشک في إحتلاف خلفیتها عند شعراء الفاطمیّین الذين کانوا یعبرون بها عن حقیقة إعتقادهم من خلال مذهبهم الإسماعیلي، وبالتالي فهي عندهم أقرب إلی الحقیقة منها عن خلفیتها لدی شعراء الممالیک الذين أرادوا بها التفخیم والتعبیر عن إعجابهم الکبیر بما یرون.
وبعد ذلک إنتقل الشاعر إلی وصف المعرکة، فقال:

تَرَاقَصَتِ: إرتفع وأنخفض بسرعة. الأَوْتَارُ: جمع وتره، شرعة القوس ومعلَّقها، هو في الخطّ المنحني، قطعة المستقیم الواصلة بین نقطتین من المنحني. خَضَّتْ: زیّنها بالخضض: الخزر البیض مما تلبسه الإماء. بِسَابِحٍ: ج سابحون وسُبَّاح، الخیل السریعة، السابحات: السُفُن والنجوم. هُوْجِ: الناقة المسرعة. نَعْلِهِ: ألبسها النعل، أي سافر رجلاًحافیاً. طَوْدَهَا: ثبت، الطَوْد (مص) ج أطواد: الجبل العظیم. الْجَرَارُ: کثیر الجرّ یقال:" جیش جرّار" أي کثیر الجرّ سمّي بذلک لأنّه یجرّ غبار الحرب صندوقة صغیرة تفتح بالجر عامیّة. الصَّعِیدَ: العالي.
رسم الشاعر الشهاب محمود صورة للظاهر بیبرس تتمیّز بالشجاعة والفروسیة، فعندما إشتد أوار المعرکة إندفع في نهر الفرات الغزیر العمیق بحصانه الأصیل السریع الذي لاتستطیع الریح الشرقیة الهائجة أن تشق له غباراً. ولم ینس الشاعر هنا صفة الکرم التي نجدها في تشبیهه بالبحر، وهي صفة تمیز بها بیبرس، أتی بها الشاعر مغتنماً ذکر النهر وخوض بیبرس فیه، وصاغها بصیغة الإستفهام الإنکاري الذي زادها قوة وتأکیداً وجمالاً (ومن رأی بحراً سواک تقله الأنهار). وإنتقل بعد ذلک إلی الحدیث عن جیش الظاهر الذي قطع أمواج الفرات فرقاً، وشبهه بالطود، ووصفه بأنه جرّار. ولکلّ ماتقدم إیحاؤه الجمالي والبلاغي. ثمّ تحدّث عن دماء قتلی التتار وجراحهم الکثیرة التي بللت أرض المعرکة فحالت دون تطایر الغبار.
«وبعد ذلک إنتقل الشهاب محمود إلی الحدیث عن نتائج هذه المعرکة، فقال:

الْمَعَاقِلُ: الملجأ، ما إلتبس من الأمور. التَّرْبُ: التراب. الْأَطْیَارُ: جمع طائر وقد یقع علی الواحد، یقال کأنّ علی رؤوسهم الطیر. حَمَیتَ: أنف أن یفعله. الْأَیْسَارُ: خلاف الیامن.
إنّه جعل القلاع والنّاس والأرض والوحوش تشترک معاً في شکر الظاهر بیبرس لأنّ فضله عمها جمیعاً.
وتبدوا الروح الدینیة واضحة في وصفه لجیش المغول بأنّه جیش الشرک، وفي نعته لجند الظاهر بیبرس بأنّهم جنداللّه.
«ومن معارک الظاهر بیبرس التي نظم فیها الشعراء قصائدهم، تلک المعرکة التي حدثت بالقرب من نهر جیحان في بلاد الروم عام 675ه ، وتحالف فیها ضده التتار والروم والکرج وجیش الرواناه، وحمل فیها بنفسه بصدق وکان بکر کالأسد الضاري ویقتحم الأهوال بنفسه، ویشجع أصحابه، ویطیِّب لهم الموت في الجهاد إلی أن أنزل اللّه تعالی نصره علیه، وإنکسر التتار أقبح کسرة، وقتلوا، وأسروا، وفر من نجا منهم، فإعتصموا بالجبال، فقصدتهم العساکر الإسلامیة» [الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، ص 23.].
«وتحدث أیضاً عن الدّین، فصَّور الدّین یلوذّ برکن الظاهر بیبرس، وأفاد في ذلک من لقبه، و هو رکن الدین، کما أشار إلی أن للدّین في کلّ ساعة من الظاهر بیبرس بشارة تسرّ الهدی، بینما تکون في الوقت نفسه للکفر مأتماً وللشیطان بکاء وحزناً.

یُلَوَّذُ:إلتجأ إلیهم، وداناهم وعاذ بهم، إتَّصل بها. دَعَائِمُ: عماد البیت، دِعامة القوم: سیّدهم. بِشَائِرُ: الخبر المفرّح. ثُغُوراً: المکان الذي یُخاف منه هجوم العدوّ وهو مأخوذ من ثغر الجدار. أَقْذَی: قذفت بالغمص والرمص.
وهذه بتهنئة الظاهر بیبرس ووصفه بأنّه ملک الإسلام الذي غدت أیام نصره علی أعدائه مواسم وأعیاداً للمسلمین، والذي بذل روحة الغالیة رخیصة في سبیل اللّه:

ملک الإسلام: کنایة عن بیبرس. مواسم: جمع موسم، الزمان. تهنُّ: التهنئة. الغیثُ: السحاب.
«وإضافة إلی ما سبق ذکره من إصلاحات إجتماعیة أخلاقیة عُني الظاهر بیبرس بالحیاة الفکریة والثقافیة والدینیة، فبنی المدارس في نواحي بلاد سلطنته، ومنها المدرسة الظاهریة بالقاهرة ثمّ إفتتحها عام 662ه بعد ماتم بناؤها، وزودت بخزانة» [ابن تغردی بردی الأتابکی، یوسف، النجوم الزاهرة في ملوک مصر والقاهرة، ص40 .].
«إنّ الغزوات الکبری والإنتصارات المصریّة الفاصلة في تاریخ الإسلام والمسلمین هي بالتأکید صفحة مشرقة من صفحات البطولة في حیاة الرسول، بمقدورها أن تبث الأمل في النفوس إبان العصر المملوکي وأن تشعر الذّات العامة بقیمتها وقدراتها وطاقاتها، ومن ثمّ فلا غزو أن یصف البوصیري هذه البطولة العسکریة للرسول وصفاً ملحمیا فیه الغایات الدینیة والأهداف القومیة، ویتکيء علی التاریخ العسکري للرسول دعوته، وتجلّت خلالها معجزاته العسکریة، البوصیري أن یقدم أیضاً هذا الوصف البطولي للمقاتل العربي المسلم ویفخر بشجاعته وبسالته الفائقتین، حین یتیسر له أن یقاتل تحت زعامة عربية إسلامیة مخلصةً وصادقةً في جهادها، لاتبتغي سوی نصرة الرسول والعقیدة، ولیس المال والجاه والسلطان لنفسها، لاحظ کیف یغمز سلاطین الممالیک وخلفاء بني العباس هذا شأن المقاتل العربي المسلم عبر التاریخ. ولکن أین منه المقاتل العربي المسلم الآن، منذ أن فرض علیه خلفاء بني العباس أن یلقّي بالسلاح من یده، من أمد بعید، وترکوا أمر الدفاع عن العقیدة والأمة للعناصر غیر العربية، حتی تملّکهم ممالیک العجم والترک والدیلم» [الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، ص 23.].

[ابن تغردی بردی الأتابکی، یوسف، النجوم الزاهرة في ملوک مصر والقاهرة، ص73 .]
أَجْـــفَــلَتْ: هربت،أسرع هبوبها. غُفْــلا: مالا علامة فیه من القداح والدوابّ وغیرها. يَـــغــبِــطُونَ: عظم في عینه وتمنَّی مثل حاله دون أن یرید زوالها عنه. أشـلاءَ: جسد من کلّ شیء، العضو من أعضاء لحم. شـالَتْ: رفعه وإنتزعه من مکان. الرَّخَمِ: الواحدة (رَخَمَة): طائر من فصیلة النَسْرِیّات ورتبة الجوارح، ریشه أبیض ممزوج بسواد وشقرة. البَهْم: أولاد البقر والمعز والضان. الـــــبُهَــــمِ: مشکلات الأمور.
«فهؤلاء الجند الأبطال من العرب المسلمین لم یحاربوا من أجل قضیة عادلة فحسب، هي الدفاع عن الإسلام. وهو أمل ممکن التحقیق، فحسب المقاتلین العرب أنّهم یحاربون تحت لواء رسول اللّه، وقیادته الروحیة، وزعامته العسکریة.
ریعت قلوب الأعداء بسبب الدعوة إلی الإسلام، وفي الأخیرة طیرت قلوبهم بسبب شجاعة العرب المسلمین في الحرب من أجل الإسلام، والجمع في هذا المشهد بین الدعوة إلی الإسلام والدفاع عنه عسکریا علی هذا النحو-البطولي الملحمي، یؤکد مبدأ ملحمیاً شائعاً أیضاً في السیر الشعبیة العربية.
حین إنتصروا له، وإنتصروا به، فنصرهم اللّه ورسوله. هذه هي القاعدة الإسلامیة أو التاریخیة التي ینطلق منها البوصیري - في ضوء معطیات عصره - في الزمان والمکان العربيّین» [الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، ص24.].
و هذا ما یمکن أن یصنعه معاصروه أو کان ینبغي علیهم أن یصنعوه، إذا شاءوا تحقیق النصر، عسکریاً ودینیاً وقومیاً، تحت رعایة أو لواء هذه الابوة الحامیة التي تحقق دوما للأمة ما تنشده من أمن وطمأنینة وسلام.
«الجهاد الدیني، ذلک أن مثل هذه المقاطع الملحمیة أو شبة الملحمیة فیها والتي تنغنی بهذه البطولات؛ وتحلّق بهم عبر آفاق الزمن، تصلّ الماضي بالحاضر، وکما یجاهد المحاربون الآن جاهد الرسول وصحبه من أجل الهدف نفسه، وأولی بالحاربین أن یتمثّلوا هذه المعارک، ویتّخذوا منها الدلیل والهدی، فهي تصف معارک الإسلام وتحفز المجاهدین إلی النصر وتهون وقع الهزیمة، فبالحقّ لابدّ أن ینتصر في النهایة ویطلق شوقي ضیف علی النبویّات - بسبب هذه المشاهد البطولیة-اسم (الإستنفارات) ذلک أن الصوفیّة کانوا ینشدونها بین صفوف المجاهدین (لیستشعروها في جهادهم لحملة الصلیب والتتار حمیّة للدین الحنیف رحماه، وحمیّة لصاخبه و هداه، ومعنی هذا أنّها لم تکن مدیحاً بالمعنی المألوف، إنّما کانت إستنفاراً للمسلمین في کل مکان لیستخلّصوا دیار الإسلام من المعتدین الآثمین وأروع هذه المدائح أو قلّ الإستنفارات عامة قصیدتا البوصیري، الهزیمة والمیمیة (البردة) اللتان طبقت شهرتهما الآفاق» [فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربی، ج3، ص770.].
إنّ هذه الحرب التي یخوضها المسلمون، أو ینبغي علیهم أن یخوضوها، لیست حربا بربریة أو عدوانیة، مثل حروب الصلیبیّین والتتار، بل هي حرب دفاعیة مشروعة عن الإسلام (العقیدة-الإنسان-الأرض) کما أنّ هذه الحرب المشروعة لیست جهاداً بالسیف فقط ولکنّها جهاد بالکلمة (القرانیة) أیضاً، فهي إذن صراع عسکري، وصراع عقائدي في آن، ومن هنا شاع الجدل الدیني في عصر البوصیري الذي عقدت له زعامته الشعریة من خلال نبویاته الجدلیة.
إنطلق من أرض صلبة، هي أرض الحق، وأساسها (کلمات اللّه) وبراهینه الدامغة وهو أمر یقتضي العلم بها أولاً، والعلم المتقرن بالخلق القویم ثانیاً، حتّی یمکّن الإعتراف والإیمان والعمل بها جمیعاً بین معاصریه وخصومه. هذه الکلمات الإلهیة الإعجازیة قد نقلها لهم نبي (أمّي) بمقاییس الأرض والبشر، ولکنه (عالم) وصادق وأمین وعلی خلق عظیم، بمقاییس السماء، فقد أتاه ربّه من لدنه علماً، وأدبه، فأحسن تأدیبه.
هنا یکمن إعجاز نبوي آخر: یشهد بصدق نبوته، وصدق دعوته. إنّ کلمات اللّه هنا قد جدلت خصومها علی المستوی الدیني (إثبات الوحي) والتشریعي، والأدبي، وهذا النصر، إعجاز خالد في الزمان والمکان، یشهد بصدق الرسالة وصدق الرسول:

[بوصیري، محمد بن سعید، دیوان البوصیري، ص23.]
جَدَّلَتْ: ظفرت. جَدَلٍ: شدة خصومته. خَصَمَ: غلبه في الخصومة.
وبهذا البیت یختتم البوصیري عرضه الملحمي، أو التصوّر الملحمي للرسول الأعظم، کما جسدته المخیلة الشعبیة الجمعیة في هذا العصر الذي إتخذ فیه أعداء العرب من الدین قناعاً (ذهبیاً مقدّساً) یخفي وراءه أطماعاً حضاریة وقومیة ودینیة معروفة في تاریخ الصراع العربي الصلیبي التتري.
فصاحب المعجزة J نفسه معجزة خالدة، طولاً (في الزمان) وعرضاً (في المکان والوعي) إستطاعت أن تحقّق النصر علی جاهلیة ما قبل الإسلام، وبمقدورها تحقیق النصر من جدید، علی جاهلیة ما بعد الإسلام، جاهلیة الواقع والحاضر الذي یعاصره البوصیري.
النتیجة البحث:
إهتمّ الشعراء بمدح الأمراء والقوّاد ویحثّون علی الجهاد. وکان الأسلوب القدیمُ أغلب علی الشعر لموافقة الأسلوب القدیم للمدیح والحماسة. ففي هذا الباب من الشعر کان أثر المتنبيّ شدید البروز، والبحتری.
ولـمّا طالت الحربُ ملّ النّاس وأخذوا یتقاعسون عن الجهاد. وکان کثیراً من النّاس یَهرَبونَ من القیام بالجهاد إلی الإعتزال في المساجد والزوایا وروباطاتٍ الصوفیة، وربّما غادر جماعاتٌ منهم البلاد إلی مکّة لیجاوروا فیها بعیداً عن خوض الحرب وعن سَماع أخبارها.
وممّا ساعد علی هذا التقاعس بین عامّة النّاس عن الجهاد إنتشار التصوف وکثرةُ الصوفیّین الذين کانوا یعظون ویحثُّون النّاس علی الزهد وطلب الآخرة وعلی العبادة والذکر من غیر أن یذکّروا کلمة عن الجهاد أو حضّا علی الدفاع عن الإسلام. ولا ریب في أن أهل البلاد والإفرنج کانوا یجتمعون في میادین اللهو أیضاً فإنتقل بذلک عدد من الخصائص الجسمانیة والأخلاقیة والإجتماعیة من الإفرنج إلی أهل البلاد ومن أهل البلاد إلی الإفرنج. کذلک جاء بعض الأمراض، وأن المرض الجنسيّ قد جاء إلی بلاد العرب مع الصلیبیّین، أو أن إنتشارة قد زاد کثیراً.

فهرس المراجع و المصادر
القرآن الکریم
بوصیري، محمد بن سعید، دیوان البوصیري، منشورات سید محمد کیلاني، مصر ، 1955م /1374ه.
رنسیمان، إستیون، تاریخ الحروب الصلیبیة، دار الثقافة، بیروت، 1365 ش.
زغلول سلام، محمّد، شعر الحرب في أدب العرب، دار المعارف، القاهرة، 1968 م
عبد المعطي، فؤاد، الشرق الإسلامي في عهد الإیلخانیین، أسرة هولاکوخان، مرکز الوثاق والدراسات الإنسانیة، الکویت، 1987م.
فروخ، عمر، تاریخ الادب العربي، بیروت، دار العلم للملایین، الطبعة الاولی 1979م.
الهاشمي، عبد المنعم، موسوعة تاریخ العرب، عصرالممالیک والعثمانیون، دارالهلال، بیروت، 2006 م.
ابن تغردی بردی الأتابکی، یوسف، النجوم الزاهرة في ملوک القاهرة من التاریخ الإسلامي، مکتبة الشاملة، 2008 م.



حسن ساعدي گرمي
خریج في مرحلة ماجستیر بجامعة آزاد الإسلامیة في تبریز، تبریز، إیران.
قسم اللغة العربیة و آدابها، کلیة الآداب واللغات الأجنبیة.
Islamic Azad University, tabriz, Iran
partment of Arabic Language and Literature, tabriz Branch,
العنوان الرسالة: تأثیر المعارک في الشعر الإسلامي
TiTle: Impact war on poetry Islamic.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى