السبت ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥

كيف تكتب الرواية؟

الدكتور/ محمد صالح الشنطي

يبدو هذا السؤال غريباً بعض الشيء ، لأن الرواية عمل إبداعي لا تنفع معه الوصفات الجاهزة ، ولكنها ترشد الموهوبين وتدلهم على بعض المبادئ الأولية التي يجب استيعابها من قبل الراغبين في كتابة الرواية.

إن معظم كتاب الرواية يؤكدون أن كل رواية جديدة هي في الحقيقة تجربة جديدة، لها طريقتها الخاصة وظروفها التي أملت كتابتها بطريقة مختلفة عن سابقتها ، ثمة كاتب يعرف كيف يكتب ، غير أن من المفيد أن تتعرف على بعض المحاولات التي قام بها عدد من الكتاب لإرشاد الروائيين المحتملين من الشباب إلى كتابة الرواية ، ومنها إتباع هذه الخطوات:

أولاً: إعداد بطاقات لكل شخصية من شخصيات الرواية بحيث تخصص واحدة للشكل الخارجي للشخصية، وأخرى لصفاته الخلقية، وأخرى لعاداته.. إلخ.

ثانياً: إعداد بطاقات للمشاهد حيث يكون لكل مشهد ملف من هذه البطاقات.

ثالثاُ: تصنيف هذه البطاقات والاستعانة بها عند الشروع في كتابة الرواية، وكثير من كتاب الرواية يؤكدون أن على كاتب الرواية أن يصارع وقتاً طويلاً سطراً بعد سطر وصفحة بعد أخرى من أجل استحضار العقدة والشخصيات ذات العمق والتعقيد.
وليس من شك في أن قوة الملاحظة، والقدرة على التقاط أدق الأشياء والصفات والمواقف من العقبات التي تعيق كاتب الرواية، لهذا نجد كاتباً روائياً كيحيى حقي ينصح الكتاب الشباب بأن يجعلوا من أنفسهم آلة تصوير مفتوحة تسجل كل شيء وأن يبدأوا بتجاربهم الذاتية ثم يطلقوا العنان لخيالاتهم في مرحلة متقدمة وذلك عندما يمتلكون أدواتهم وتستقيم لهم لغتهم، ويؤكد أن من غير المفيد الالتزام بقواعد الرواية أو التفكير بها أثناء الكتابة، في حين نجد كاتباً مشهوراً كنجيب محفوظ يقول: إنني ما أمسكت القلم لأكتب رواية إلا وكانت متبلورة في ذهني: الشخصيات والأحداث والبداية والنهاية، كل ذلك مسجل في فهرست.

ويؤكد يوسف إدريس أنه لا يلجأ إلى التخطيط، ولكنه يبدأ بخلفية فكرية يتمثلها جيداً.
وهكذا يتضح لنا أنه ليس ثمة خطوات محددة يمكن أن يسلكها المبدع في كتابة الرواية، فلكل كاتب طريقته الخاصة به، ومن استعراضنا لشهادات العديد من كتاب الرواية ، سواء من ألف منهم كتباً في هذا المجال مثل حنا مينا، أو من أدلى بشهادته مكتوبة في المؤتمرات والندوات الخاصة بالرواية – يتبين لنا أن لكل منهجه المتميز عن غيره.

ولعل من المفيد أن نشير إلى تجربة احد ألأساتذة المعروفين في هذا المجال ممن عهد إليه تدريس منهج الكتابة الإبداعية في الجامعات، حيث يقول: قمت قبل ثماني سنوات بتدريس مادة الكتابة الإبداعية في إحدى الكليات بولاية فرجينيا، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تدريس المادة.. ولم يقتصر الأمر على ذلك.. بل يتحتم عدم القيام تدريسها.. إذ أن الكتابة الإبداعية عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل حيث يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بتؤدة كي يصبحوا كتاباً جيدين، ثم يخلص من ذلك كله إلى القول: لقد تبين لي أن المشكلة هي أن أعلم الكاتب أن يسأل نفسه الأسئلة المناسبة ومن ثم أقدم له تلميحات تساعده على كيفية إيجاد الجواب، فالكتابة الإبداعية ليست سراً مقدساً بل إنها أساساً موهبة حل المشكلات، فعلى الكاتب أن يجد الحلول لعدد من المشكلات الفنية البحتة: من أين يبدأ وماذا عليه أن يذكر وماذا عليه أن يترك؟ إن معظم مناهج الكتابة الإبداعية تكرس جزءا كبيراً من الوقت لهذه المشكلات الفنية. غير أن ذلك يترك المشكلة الحقيقية: ألا وهي المشكلة الكائنة في صلب الرواية دون حل، ولا بد أن تبدأ الكتابة الإبداعية بهذا النمط الآخر من المشكلة.
ولابد لكاتب الرواية من أن يعي أن الهدف من الرواية تقديم وعي مستوعب للواقع – والحياة، وأن الرواية – كما يقول العدد من المنظرين لها – معادلة للتجربة، وهي شكل من أشكال التجربة الفكرية التي تدرك التعقيد الهائل المثير للعالم، ولهذا لابد من الاستعداد الدؤوب لكتابة الرواية، من هنا كان كتاب الرواية يبدأون عادة بالقصة القصيرة.

نصائح إلى كتاب الرواية

من أهم الكتب التي تناولت موضوع الكتابة الروائية كتاب: (فن كتابة الرواية) لديان دوات فاير وهي كاتبة روائية معروفة تدرس فنون الكتابة في الجامعات والمعاهد، وفيما يلي أهم النصائح التي وردت في هذا الكتاب لمؤلفي الروايات:

أولاً: فيما يتعلق بالفكرة الأساسية فإنها تبدأ بمشهد بسيط عليك أن تطوره، فالإحساس العميق بجوهر الفكرة يؤدي إلى بناء رواية متميزة, يقول الكاتب الروائي تولستوي "على المرء أن يكتب فقط حينما يترك قطعة من لحمه في المحبرة في كل مرة يغطس قلمه فيها" أي حينما يشعر بعمق شعوراً حقيقياً.

ثانياً: فيما يتعلق بوجهة النظر فإن هناك عدة أساليب يمكن سرد الأحداث من خلالها، ولكل أسلوب مزاياه الخاصة فهناك الرواية بضمير الغائب ومزية هذا الأسلوب القدرة على ملاحظة الشخصيات ملاحظة موضوعية، وهناك الرواية بضمير المتكلم ، وهي مناسبة للبوح والاعتراف، وهناك أسلوب الروائي الذي يسرد القصة من قبل الشخص الأول بواسطة شخص لا يرتبط بالحدث بشكل وثيق، فمثلاً قد يصف رجل هادئ حياة ابن أخيه العاصفة.

ثالثاً: أما التصميم فيختلف من شخص لآخر إذ قد يعتمد على الذهن، وهناك من يعتمد على العقل الباطن بواسطة التأمل، فعلى الروائي أن يختار الطريقة التي تناسبه أما عن الحجم فتقول الكاتبة أن 70 - 80 ألف كلمة هو المعدل الجيد للرواية.

وتصميم كل فصل على حده غاية في الأهمية حتى لا تختلط الأمور في ذهن الكاتب وترى الكاتبة أن الرواية يجب أن تكون منسابة منذ البداية مثل رحلة من الاكتشافات مليئة بالمفاجآت، وهي تقول: أشرع بالكتابة ولا تتخوف منها، فإذا لبثت عند مرحلة التصميم أكثر من مما ينبغي فإنك قد لا تبدأ كتابتك على الإطلاق.

رابعاً: إن اختيار الأماكن يعتمد على نوعية الشخوص، فالمشهد يجب أن يصمم بحيث يثير مشاعر معينة كالرعب أو الغموض أو الوحدة أو السلام أو العنف أو الحزن، فالمكان يثير الانطباعات، وهذه الانطباعات ينبغي أن تكون بصرية، فيجب أن يطوّر الروائي طاقة التصوير لديه، ليس هناك قواعد ثابتة تتعلق بأنواع الأمكنة فقد تقع جميع الحوادث في غرفة واحدة، وتقول الكاتبة ( أنصحك بألا تقلق حول ذلك، وما عليك إلا أن تدع قصتك تأخذ مكانها الطبيعي وتركز على الكتابة بمهارة ودقة).

خامساً: أما فيما يتعلق بالشخوص فإنها تنقل قول الكاتب جون ماستر (إن مهمة الكاتب الروائي أن يصف الناس على حقيقتهم) فأفضل طريقة وفقاً لهذه المقولة – هو ابتكار شخصية روائية كاملة بكل كيانها بحيث تكون معروفة لديك معرفة تامة، ويكون كل فعل من أفعاله قائماً على الصيغة أو الأساس الذي رسمته بنفسك، "امسك شخصيتك بعنان رخوا وامنحها الحرية إلى حد وعليك أن تمسك بالزمام في الوقت الذي تسمح فيه لشخوصك الروائية بالسلوك وفق ما كنت رسمت لهم".

سادساً: فيما يتعلق بالحوار عليك أن تشذب وتحرر أحاديث شخوصك وتوجهها نحو ماهو أساس في حركة القصة إن كل سطر من الحوار يجب أن يفصل بدقة على قدر الشخص المقصود.

سابعاً: تحتاج الكتابة الروائية المنظمة إلى ساعة واحدة في اليوم على الأقل، وثلاث ساعات قد تكون أفضل، وعليك أن تحدد مقدار الوقت الذي تستطيع توفيره كل يوم على أن تلتزم بأقصى درجات الانضباط، وحين تشعر بالنشاط اكتب مادة جديدة ودع المراجعة إلى وقت آخر، وعليك حين تترك الكتابة معرفة النقطة التي ستعقب ما وصلت إليه، وحينما تفرغ من كتابة أحد الفصول استطلع الآراء الصادقة لزملائك من الكتاب، ولكن إياك أن تسمح لنفسك باليأس أو التشجيع بسبب ملاحظات أصدقائك غير المختصين، واختر المكان المناسب وزوّده باحتياجاتك.

ثامناً: ابدأ روايتك تماماً عند مشهد كبير فربما لاتصل ذروتها إلا في الفصل الثاني، ولكن يجب أن تجتذب القارئ بسرعة إلى المجرى الرئيسي للقصة لكي يتحسس التطورات الهامة المتوقعة، حاول أن ترتب نوعاً من الصدام في الفصل الأول على أن تكون هذه المواجهة الصدامية بين الشخصيات وثيقة الارتباط بالفكرة والحبكة الروائية وإياك أن تبدأ بمشهد لا يرتبط ارتباطاً عميقاً بالرواية بكاملها، وقد تضطر إلى إعادة كتابة الفصل الأول حين يكمل الكتاب فلا بأس من ذلك.

تاسعاً: تنشأ الحبكة من الشخوص والصراع، فإذا كانت الشخصية الرئيسية تواجه مشكلة كبيرة في البداية فإنها ستؤسس بناء للتعرف على طبيعة تكوينها، فالتوترات الناجمة عن ذلك ستؤدي إلى تطور قصة جيدة، وحاول أن تجعل شخوصك في موقف محير بحيث ينتقلون إلى موقف أكثر حيرة، وهذا هو التطور الدرامي الذي يصنع الحبكة ، إن الحبكة بالنسبة للعديد من الكتاب المبتدئين تعتبر مشكلة عويصة، ولكن إذا فكرت ملياً بفكرتك الرئيسية وعرفت شخوصك وعملت من مشهد لآخر فإنك ستجد الحدث يتطور بسهولة.

عاشراً: تشبه الكاتبة الرواية بشجرة فيكون الجذع بمثابة العمود الفقري للقصة التي تبلغ ذروتها عند أعلى الأغصان، أما الأغصان الجانبية فهي الحبكات الثانوية، ولذلك فإن الشكل يفقد تناسقه إذا ما أصبح أحدها طويلاً أو كثيفاً، الأوراق والثمار هي التفصيلات التي تعطي الضوء والظل واللون، وإذا نما أحد الأغصان أكثر مما يجب عليك أن تشذبه،

من هنا كانت عناصر البناء الأساسية في الرواية:

أ‌- التناسق – إذ يجب أن تزال الأشياء الزائدة وتنقل الكاتبة عن هتشكوك قوله "الدراما تشبه الحياة الواقعية التي أزيلت منها الأجزاء المعتمة" ، فحاذر أن يغريك الوصف أو الوقائع التي لا لزوم لها.

ب‌- الموازنة بين فترات الهدوء والمواقف الدرامية، فلحظات الهدوء الكبرى يجب أن تعد بتطورات مهمة غير معروفة أعط القارئ أكثر مما يتوقع.

ج- مسرحة الموقف ، فقد يكون الموقف غير متوقع تماماً ولكنه سيكون مقنعاً إذا
كنت قد مهدت السبيل إليه، والمسرحة تعني تحويل المشهد إلى شئ حي
مرئي.

د- التشويق ، وهذا يتحقق إذا كانت القصة تتكشف تدريجياً بحيث تنشأ كل فقرة
من التي سبقتها، تجنب القفزات الكبيرة في الزمان والمكان، وتجنب الإفراط
في التوضيح، وحاول قدر الإمكان تقديم الوصف مع السرد، وحين تقدم
شخوصك اكشف عن سماتهم الواضحة في البداية.

هـ- الختام: إذا قلت ما أردت أن تقوله وحكيت قصتك وأحكمت نهايتها وأوجدت
الحل للمشكلة التي أربكت شخصيتك الرئيسية يكون الوقت قد حان لإنهاء
الرواية، تجنب النهايات التقليدية ويمكنك أن تعيد قراءة روايتك قبل أن تنهيها
لشد مفاصلها الرئيسي وإحكام بنائها وإنهائها بقوة.

حادي عشر: أن أهم شئ في الأسلوب هو التلقائية، والمشكلة كيف يشذب المرء عمله ويصوغه دون أن يفقد الحيوية الأولى التي هي غالية جداً، وتبعث السرور في النفس ، وتقول المؤلفة: نصيحتي هي أن تكتب بكل طاقتك أول ما يسنح لك ذلك ثم تعود فيما بعد لتشذيب المادة الفضفاضة بعزيمة لا تكل، وهناك شعار مشهور "لا تستعمل أبداً كلمة طويلة حين تكون هناك كلمة صغيرة تؤدي دورها"، وإياك أن تستعمل كلمة قصيرة تكون الكلمة الطويلة أفضل منها، وتأكد من أن كتابتك منسجمة في جميع الرواية وأنك اخترت أسلوبك الخاص بك ولا تقلد مؤلفاً آخر، تجنب التعميمات قدر الإمكان.

ثاني عشر: نقح مسودتك بإسقاط المادة الفضفاضة وتوسع في الكتابة إذا كان ذلك ضرورياً لإعطاء المزيد من الوضوح، أعد ترتيب المشاهد والفصول إذا كان ذلك ضرورياً، تأكد من جميع الحقائق، وتأكد من علامات الوقف والترقيم، أعد المسودة عدة مرات ولا تتردد.

ثالث عشر- العنوان: يعبر العنوان عادة عن الفكرة الرئيسية ، لذلك أكتب قائمة بكل الكلمات الرئيسية التي تراود ذهنك ثم قلبها إلى أن تجد المجموعة الصحيحة، وقد يكون العنوان اسم الشخصية الرئيسية وقد يكون اسم المكان وقد يكون عبارة دارجة.

الدكتور/ محمد صالح الشنطي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى