الثلاثاء ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

لغة المصالح

منذ فجر التاريخ حتى اليوم عرفت الشعوب حوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة لغة، بعضها انقرض وبعضها لا يزال حيا حتى اليوم. بعض اللغات تستخدم محليا وفي إطار ضيق لمجموعة من السكان كما هو الحال بلغات الهند التي تتجاوز 75 لغة وبعضها انتشر انتشارا واسعا كحال اللغة الإنجليزية والتي أصبحت اللغة الأكثر انتشارا في العالم، ليس لأنها اللغة الأسهل ولكن لأنها لغة الولايات المتحدة، وحروفها تستخدم في البرمجة الخاصة بالشبكة، والعلوم، والتكنولوجيا العالمية.

ولا يوجد لغة في العالم تفوق انتشار اللغة الإنجليزية سوى لغة واحدة، إنها لغة المصالح.

اللغة الوحيدة التي ليس لها حروف لأنها تستخدم كل الحروف، وتمارس عمليا دون الحاجة لحركة الشفاه، أو إيقاع قادم من الحنجرة.
لغة يتقنها كل الناس من جميع الدول سابقا، وحديثا.
لغة المصالح هي لغة العصر، بل لغة كل العصور، فالعلاقات بين الدول قديما وحديثا قامت على لغة المصالح المشتركة التي قد تتبدل من زمن لزمن أو من يوم لآخر فتتبدل معها التحالفات والعلاقات.

وهذه أيضا لغة الممارسة اليومية للناس أو الشعوب أو الجماعات أو الأحزاب …….الخ

فعندما تتقارب مصالح الأحزاب سياسيا أو ماليا أو يتفقون على تقاسم المقاعد بينهم (وهذا هو الأهم)، فهم على الفور يصنعون تحالفاتهم المستقبلية، وعندما تتضارب تلك المصالح أو تبرز إلى السطح مصالح أكثر نفعا، تنهار تحالفات وتظهر للسطح تحالفات جديدة .

حتى في المجالس الطلابية والنقابات، جميعات، دور علم، رجال دين إلخ فقد كان الهدف الأساسي لكل طرف هو عدد المقاعد التي يحصل عليها، لذلك لم يكن غريبا أن تشاهد تحالف اليمين مع اليسار في سنة ما ثم تحالف اليسار مع اليسار في سنة أخرى، لكن الغرابة تكمن في انعكاس ذلك كله على علاقات الناس بعضها ببعض .

فالعلاقات الاجتماعية اليوم، بشكل عام، تصنعها مصالح الأفراد الشخصية، فهذا يكون صديقك اليوم ثم تفاجأ بعد عدة سنوات، أنه اختفى من حياتك وحل محلة أصدقاء آخرون، لأن مصالحك أو مصالحهم تغيرت.

هلا سأل الإنسان نفسه يوما أين أصدقائي الذين عرفتهم بطفولتي؟ أين أصدقاء الشباب؟ لماذا انقطعت علاقة فلان بي؟ لماذا أميل إلى ابن عمي فلان أكثر من أخيه؟

فالمصالح تعكس نفسها حتى في الأسرة الواحدة فالأخ قد يتحالف مع أخ معين ضد بقية الأسرة وتلك أخت قد تكون أقرب لواحدة من الأخرى، ربما لأنها تكتم أسرارها أو تساعدها في اللقاء بحبيبها، أي أن مصلحة ربطت بين الطرفين أكبر من المصلحة مع بقية الأفراد.

إن لغة المصالح هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الناس. فعندما تسافر أو تقيم احتفالا أو تشارك في عزاء، فأنت تشاهد الناس الذين لهم مصلحة معك هم أكثر الناس ترحيبا بك، وعندما تتغير مصالحهم أو تنقطع، تصبح ثانويا بالنسبة لهم وقد يختفون من حياتك وربما يسبونك ويسخرون منك .

المصالح ليست فقط الفلوس، وانما تشمل كل ما في الحياة من أشياء تهم الإنسان، فقد تكون مصلحة شخص بشخص آخر لحاجة الاول لصوت الثاني الانتخابي، أو لمساعدته في تسيير معاملة، أو لأنه ذو نفوذ يحتاجه في المستقبل أو لأن ابنته جميلة وقد أخطبها لابني أو ... أو ….الخ

حتى في العمل الوطني هناك مصالح، فهناك من الأحزاب من يصمت أمام أية جرائم يقوم بها الطرف الذي موله، وفي العمل الثقافي تجد الآلاف من الكتاب، والصحافيين المرتزقة الذين يقبضون من مؤسسات دول الخليج الوهمية أو الطامحين بجائزة يوما ما من مؤسسات ممولة من أمراء النفط، والكاز يصمتون على جرائمهم، بل يجدون لهم المبررات فيما يقومون به.

لقد أصبح رجل العصر الأكثر دهاء هو الذي يعرف كيف يدير مصالحه ويصنع تحالفاته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى