الأربعاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
بقلم عصام شرتح

رؤى ومقترحات في تطوير النقد السوري

ما من شك في أن النقد السوري يعاني من أزمات شتى منها ضعف الكفاءات النقدية،وضعف المواضيع المطروقة، وانعدام أهميتها،وعدم الاشتغال على الذات، وركون الناقد إلى المستوى النقدي الذي وصل إليه، وتحجر أدواته النقدية،وضعف المخزون الجمالي، أو الوعي الجمالي،ويضاف إلى هذه القضايا مسائل وإشكاليات أخرى ،منها: الشللية النقدية،والقدح في مواهب بعضهم البعض ،وضعف الكفاءات النقدية الموجهة التوجيه الصحيح،وعدم الاعتراف بسوية الآخر،وعدم إنصاف النقاد لبعضهم البعض،وكأن عدو الناقد السوري الابتكار، و محاولة كسر النمطية السائدة،وأي خروج أو تطوير في المصطلحات أو المفاهيم، والرؤى النقدية، ينعكس سلباً على جمهرة نقادنا الذين غالباً ما يلتزمون بالمناهج والمصطلحات التزام تعصب وتعنت وجهل،وأي خروج عن القاعدة يمثل انتهاكاً لمفاهيمهم القارة، ومصطلحاتهم المتحجرة بالبلاغة أو الأسلوبية وتشعباتها؛ ومن ثم نجد الكثير منهم يعيد ويكرر في المصطلح حتى يمج من كثرة استخدامه، لدرجة يفقد المصطلح بريقه،ولا أبالغ: أن بعض الدارسين يعمدون إلى تقليد بعضهم البعض ،وهذه الطامة الكبرى أن يحذو بعضهم حذو بعضهم الآخر في القول والفعل،وأغالب نقادنا اليوم، يفتقدون الجرأة وجسارة الطرح،ومحاولة الابتكار والثورة على المفاهيم والرؤى القديمة، وبتقديرنا: قلما نجد من النقاد من يبتكرون مصطلحاتهم؛ تبعاً لحركة الحداثة، وما شهدتها هذه الحركة من تقنيات وفواعل أسلوبية، وتطورات، ومنظورات مواربة،ولا نذهب بعيداً في قولنا: إن ثمة حضوراً واسعاً للمواهب الشابة المتطورة في كل من مصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر فيما نلحظ العقم النقدي للمواهب التي لا تكاد تتجاوز الكف الواحدة في سورية، وهذه الطامة الكبرى.ويضاف إلى ذلك ضعف السلك الجامعي في تأسيس النقاد وتنمية مواهبهم ؛ إذ إن أغلب من يمارسون النقد السوري ليسوا بنقاد؛ وإنما هم دارسون، ويختلف الناقد عن الدارس اختلافا كبيرا من حيث المهارة، والكفاءة، والذهنية الإبداعية المتقدة، والمحاكمة العقلية النشطة، وتمحيص الأمور،وتوليف الأفكار، وربطها، واستنتاج الأحكام النقدية، والانتقال من حكم جزئي إلى كلي أو العكس وهذا يعني أن مهمة الناقد مهمة مضاعفة لا يستطيعها الدارس إطلاقاً،ومن أجل أن يتطور النقد السوري وينتشي من جديد لدينا بعض الرؤى والمقترحات عسى ولعلها تحقق فادتها إذا ما تم تطبيقها بالشكل الأمثل ،شريطة الانتباه إلى الإشكاليات التالية:
البون الشاسع بين دراساتنا التنظيرية ودراساتنا التطبيقية،إذ نجد الكثير من نقادنا أبطالاً في التنظير أقزاماً في التطبيق، وهذا دليل عدم تمثل الرؤى التنظيرية بما يتم الإفادة منها في المناحي التطبيقية ،وأغلب هؤلاء على حد تعبير الناقد الفذ خليل موسى أشبه بمن يحكي عن الفحولة وهو عنين،فشتان شتان ما بين القول والفعل، الكل في التنظير يدعي الفحولة ،وعند التطبيق تجده يغيب،ويغيب في كل ما يقول في زوايا سرابية ضحلة لا تنتج رؤية، ولا تنتج فعلاً إبداعياً؛ غاية في التجسيد والقوة والنشاط الفكري المؤثر.

الطعن والغيرة والحقد التي تنال الكثير من نقادنا، خاصة في المجالات التطبيقية ؛ فالكثير من نقادنا يواجهون أية دراسة تطبيقية ولو كانت مجيدة على المستويات كلها بالطعن والذم والقدح المغرض، وأغلب هؤلاء هم في الحقيقة أعنة، أو هم ينتمون إلى الشللية القادحة التي لا تهلل أو تطبل إلا للدراسة التي ينتمي صاحبها إلى هذه الفئة أو تلك، فإن كان صاحب هذه الدراسة ينتمي إلى شلته ، يحلق بهذه الدراسة إلى مرتبة سامقة رغم أنها دراسة أقل من عادية،وربما تكون تقليدية أو مستهلكة.

التركيز على الأسماء والألقاب، فمثلاً عندما يذيل الباحث دراسته بلقب دكتور أو (البروفسور فلان) يكون فوق الجميع في عرفه وعرف السذج من القراء الذين ينخدعون بالأسماء؛ فأي حرف ينطقه مقدس،وأي فكرة يدلي بها تتقبلها الأذواق،وكأنها منزلة، وأغلب هؤلاء فارغون من الداخل، فاللقب إن لم يكن مشفوعاً بفاعل نقدي مؤثر وعمل مبتكر لا قيمة له ولا لدراسته.والعكس صحيح، فأي دراسة يقدمها الباحث أو الناقد المبدع مهما كانت مجيدة ومتميزة تجد النقد يلتهمها من هنا وهناك ويذهبون بصاحبها إلى الحضيض، لأن صاحبها لم ينل هذا اللقب المقدس ولو قدم أجمل البحوث وأعمقها على المستوى العربي.

باختصار، يفتقر الكثير من نقادنا إلى الموضوعية في الأحكام، وبتقديرنا : إن عنجهية الأستاذ الناقد الجامعي تطغى على موضوعيته،والأمثلة على ذلك كثيرة،كشلة السعداوي والويسي،والقدوري،وغيرها من الشلل اللامشرفة.
تحجر الأدوات النقدية وعدم تطورها، عند الناقد السوري ناهيك عن ضعف الممارسة وأفق التجريب عند هذا الناقد أو ذاك ،وثمة عجز ملحوظ في سوية الكشف النصي أو التحليل النصي،،وهذه مشكلة كبرى يعاني منها جل نقادنا.. فالناقد الإبداعي الحق هو الذي يكشف ما ليس في النص وليس ما في داخله،وإن فهم البعض إني أبالغ في قولي فليطالع ما قدمه الناقد صلاح فضل والمرتاض ويجد مصدر شموخهما وارتقائهما فوق كفاءاتنا النقدية. خاصة في مجال التحليل والكشف النصي؛ لأن ما يكشفانه خارج النص أهم بكثير مما فيه.

سطحية الأحكام، والرؤى النقدية المستخلصة، وتراكم كم غفير من الدراسات في محرق واحد، لدرجة التناسخ، وهذا ما يبدد الكثير من الجهود في السطحيات والبديهيات والمنظورات المعتادة.

وثمة مشاكل جمة كثيرة تحتاج منا وقفة متأنية ،وهذا ما سنقف عليه في كتابنا( النقد السوري بين التيه والضياع)،وسأشير إلى مقترحين كتمهيد مما خلصنا منه وهو:

تضافر الجهود النقدية صوب نظرية عربية تقوم على أسس ومنطلقات واعية في الكشف النقدي والخلوص إلى دراسات نقدية تضاهي الدراسات الأجنبية.

الانفتاح على الثقافات الأوروبية ومتابعة الحركة النقدية العالمية وترجمة الدراسات والكتب المهمة في مجال التحليل النصي، خاصة في الجانب الجمالي .وثمة أشياء أخرى سيطرحها كتابنا الذي سيصدر في مطلع عام 2017.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى