الأربعاء ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١٦
حديث أدبي (3)
بقلم فاروق مواسي

حرفة الأدب

نشهد هذه الأيام أن رواد الأدب يزدادون، ومنهم من يرون أنفسهم بأنهم احترفوا «حرفة الأدب».
إذا كان للتعبير هذه الأيام دلالة إيجابية فقد كان فيما مضى يدل على الفقر والعوز وضيق الحال.
يقول أبو تمام:

إذا عُنيتُ لشَأوٍ خِلت أنيَ قد
أدركْـتُه أدركتني حرفة الأدب
لا أقتضيك لتقديمٍ وعدت به
من عادة الغيث أن يأتي بلا طلب

بينما يخشى ابن قلاقس هذا المصير فيقول مخاطبًا الممدوح:

عيون جاهك مني غير نائمة
وإنما أنا أخشى حرفة الأدب
وهذا دِعبِل الخُزاعي يقول:
لقد علمت وما لي ما أعيش به
أن التي أدركتني- حرفة الأدب

أما جَحْظة البرمكي فيتذمر:
ما أنصفتني يد الزمان ولا
أدركني غيرُ حرفة الأدب
ثم يهجو أباه وأمه لأنهما:
ما تركا درهمًا أصون به
وجهيَ يومًا عن ذلة الطلب
يبدو أن "حرفة الأدب" تعني كذلك قلة الحظ والنكد، فهذا ابن بسام يرثي عبد الله بن المعتز الذي كان خليفة ليوم واحد، فقتل، فقال فيه الشاعر:

لله درُّك من ميْتٍ بمضيَعة
ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لوٌّ ولا ليتٌ فتنقصه
وإنما أدركته حرفة الأدب

إذن أدرك الخليفة سوء الحظ، ودليلي في ذلك قول الثعالبي في كتابه "المبهج" حرفة الأدب حُرفة" والحرفة بالضم تعني قلة الحظ.
..
ثم إن الأديب المصري طاهر أبو فاشا (1908- 1989) كتب كتاب "الذين أدركتهم حرفة الأدب"، فقد ذهب إلى أن الكلمة هي بضم الحاء، بمعنى سوء الحظ، وحاول أن يستقصي حياة الأدباء الذين وصلوا أنفسهم أو وصفوها بحِرفة الأدب منكرًا أنهم عاشوا حياة عوز.

غير أني أرى أن من النماذج الشعرية التي أوردتها أعلاه مما ينفي دعواه بصورة مطلقة.
ثم إن ارتباط حياة الأديب في العصور السالفة بالفقر كان طبيعيًا، فهذا الخليل بن أحمد (ويروى لغيره من الشعراء) يقول:

ما ازددت في أدبي حرفًا أسر به
الا تزيّدت حرفًا دونه شوم
إن المقدَّم في حذق بصنعته
أنى توجه منها فهو محروم

أدعو لأدبائنا بالعيش الكريم، وألا تلحقهم حرفة الأدب بالمعنى القديم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى