الأحد ٢٧ آذار (مارس) ٢٠١٦
بقلم أحمد الخميسي

حاكموا الوزير أو أفرجوا عن الأطفال المسيحيين!

القانون هوالآلة الرئيسية في التخت الشرقي التي تعتمد عليها بقية الآلات في ضبط أوتارها ودرجات أنغامها، لهذا سميت الآلة "القانون"، ومن دونه تتحول المعزوفة إلي صخب متضارب بلا معنى. أيضا فإن معزوفة الأوطان تتحول هي الأخرى إلي ضوضاء وفوضى من دون القانون الذي يحدد حقوق والتزامات كل مواطن والجزاء ويطبق على الجميع من دون تمييز بينهم. لذلك أكد ابن خلدون أن القانون في الدول ضمانة العدالة التي تجنب المجتمعات الظم وخراب العمران. وبينما يمثل القانون في الدول المتحضرة سلطة أعلىمن البشر، فإن للبشر عندنا – حسب ثرواتهم ومواقعهم – سلطة أعلى من القانون. ويصبح القانون عشرات القوانين، بعضها للأثرياء وبعضها للفقراء، من ثم تعلو في آذاننا معزوفة الصخب والفوضى. وانظر مثلا أنه في في أواخر فبراير الحالي تم حبس محصل تذاكر في قطار لاختلاسه ثلاثة جنيهات. وبالطبع فإن تلك الجريمة الشنعاء التي ضعضت الاقتصاد القومي لم تمر من دون عقاب. هذا " قانون". لكن هناك قانونا آخر مصاب بالرمد أو العمى الحسي يمارس دوره حينما يصل إلي القاهرة ابن الصحفى حسنين هيكل، ويدخل مصر معززا موقرا، ثم يخرج منها آمنا مكرما، مع أنه متهم باختلاس ملياري ونصف مليار جنيه عن طريق التلاعب بالبورصة عام 2012، وهناك قرار من النيابة بضبطه وإحضاره واسمه مدرج على قوائم الترقب في المطارات المصرية. القانون اليقظ الذي لم تفلت من تحت بصره ثلاثة جنيهات، أفلت منه ملياران ونصف مليار! مما يرسخ في وعي المواطن أن القانون عندنا مثل بيت العنكبوت لا يسقط فيه إلا الذباب الصغير، أما الصقور الجارحة فتمزق النسيج وتواصل تحليقها عاليا. وإذن فليس لدينا " قانون" يتم على أساسه ضبط النغمات الأخرى. وانظر مثلا حادثة إقالة وزير العدل أحمد الزند بعد حديثه في 11 مارس الحالي ورده على سؤال عن استعداده لحبس صحفيين إن خالفوا القانون بقوله:" إن شاء الله حتى يكون النبي عليه الصلاة والسلام"! لقد تمت إقالته من منصبه فحسب، لكنه لم يتهم ولم يحاكم واعتبرت الغالبية العظمى أن تلك زلة لسان، كما أنه لم يسجن بتهمة إزدراء الأديان الشهيرة التي سجن بسببها أربعة أطفال أقباط بقرية الناصرية بالمنيا، لأنهم قاموا بتصوير " يوتيوب" من ثلاثين ثانية يسخرون فيه من " داعش" التي تؤدي الصلاة ظاهريا وتذبح الآخرين فعليا. ولهذا قضت محكمة جنح الأحداث بمركز بني مزار بحبسهم وهم باسم أمجد، وألبير أشرف، ومولر عاطف، لمدة خمس سنوات لكل منهم، وإيداع كلينتون مجدي بمؤسسة الأحداث، مع أنهم جميعا دون سن الثامنة عشرة، أي أنهم في عرف القانون أطفال. وبينما ينص القانون في مادته 98 على عقوبات متدرجة تبدأ بستة شهور، فإن المحكمة اتخذت أشد درجات العقوبة، بل ورفضت مبدأ الكفالة الذي يوقف تنفيذ الحكم لحين الاستئناف،ولم يعامل الأطفال معامة أبوإسلام أحمد الذي أحرق الانجيل علانية وحكم عليه فقط بستة شهور وكفالة، لدينا إذن قانون لمختلس الجنيهات الثلاثة، وقانون آخر للصوص المليارات، وقانون يحبس الأطفال بتهمة ازدراء الأديان، وقانون آخر يغض النظر عن ازدراء الوزير للأديان علانية. علاوة على تصريحات الوزير السابقة التي ازدرى فيها الانسان المصري متحدثا عن أنه ورفاقه " أسياد البلد"، وإصراره على أن " تعيين أبناء القضاة سوف يستمر سنة بعد سنة" لأنه لا مكان على حد قوله " لأبناء جامعي القمامة". ومع أنني أعارض الأخذ بقانون ازدراء الأديان- لكن إما أن يكون لدينا قانون واحد يسري على الجميع - وتتم محاكمة الوزير أو أن يتم إطلاق سراح الأطفال، ومن دون ذلك لن نسمع سوى معزوفة الفوضى والصخب وهي تصم آذاننا، وتقودنا إلي ماقال عنه ابن خلدون "خراب العمران".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى