الثلاثاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٦
بقلم أحمد الخميسي

العلم والأدب تفاعل مثمر

قدر عالم وفنان ضخم هو ليونارد دافنشي أن دور العلم هو الوصول إلى القوانين الكلية للأشياء، أما الأدب فسيظل مهتما بالخصائص الكيفية للأشياء. وهو تقسيم صحيح، لكنه لا يعني أن العلم والأدب جزيرتان منفصلتان، لا تتبادلان التأثير. بل إن علاقة التفاعل بين المجالين أقوى بكثير مما تبدو لنا.
على سبيل المثال فقد كانت "قنديل أم هاشم" ليحيي حقي تعبيرا بشكل ما عن درجة التخلف العلمي في الطب، إلا أن انتشار طب العيون أدى إلي انتفاء أية إمكانية فعلية لظهور بطل من نوع "الدكتور إسماعيل" ورواية مثل قنديل أم هاشم. وفي القرنين 18و 19، شكلت الروايات المكتوبة في شكل رسائل متبادلة علامة في الأدب الأوروبي، لكن اكتشاف التلفون دفع إلى الخلف بأهمية الرسائل، وهكذا كتبت الروائية المعروفة جين أوستن روايتها الشهيرة "العقل والهوى" بداية في شكل رسائل ثم غضت النظر عن ذلك وكتبتها بطريقة أخرى.
وهناك مثال آخر ساطع على التفاعل المثمر بين العلم والأدب، فقد عرف تاريخ الأدب عشرات أو مئات الروايات التي قامت عقدتها على مأساة البطلة التي فرطت في أعز مالديها، كما هي الحال مع "هنادي" في دعاء الكروان لطه حسين، وفي "مدام بوفاري" لجوستاف فلوبير، لكن اكتشافا علميا بسيطا مثل حبوب منع الحمل أدى إلي منع تلك المآسي داخل الأدب. وقد حفل الأدب الرومانسي بعشرات الأبطال الذين يعانون من مرض السل، ويحبون، ويرحلون في نبل، مثل "مرجريت" التي تموت بداء السل في "غادة الكاميليا"، إلا أن اكتشاف البكتيريا المسببة للمرض في 1882 ثم الدواء قضى على ذلك النوع من الشخصيات وأخرجها من دائرة الإبداع. وأدى اكتشاف التلفون وحده إلي تنحية كل العقد الأدبية التي قامت على ضياع الخطاب المرسل من العاشق إلى حبيبته وما ينجم عن ذلك من مصائر مأساوية! وقد أقام محمد المويلحي عمله البديع "مقامات عيسى بن هشام" 1907 على أساس نزهة يقوم بها عيسى والباشا في مصر للتعرف إلي أحوالها، لكن اكتشاف التلفزيون جعل من المستحيل ظهور شخصية كتلك بعد أن أصبح بوسع أى إنسان أن يتعرف إلي أي مكان في العالم وهو جالس في بيته !

وقضى العلم برسم خريطة جغرافية واضحة لمعالم الأرض والبحار على كل روايات السفن المغامرة المبحرة لاستكشاف عالم مجهول. ودفن ظهور الهاتف المحمول شخصية "روبنسون كروزو" إلى الأبد ، فلم يعد من المحتم الآن على رجل سقط على جزيرة أن يعيد بناء العالم بمفرده، بعد أن أصبح من الأسهل بكثير أن يجري اتصالا بالمحمول بأية نقطة في العالم. ومن غير المعروف بعد الأثر البالغ الذي سيتركه ظهور" الهندسة الوراثية" عندما يصبح من الممكن مستقبلا وضع بطاقة شخصية لكل فرد بالعوامل الوراثية الخاصة به وما يمكن تفاديه منها وما يمكن تعديله! المؤكد في كل الحالات أن التفاعل بين المجالين يسفر عن بلورة الحقيقة بدقة أكبر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى