الأحد ١٠ تموز (يوليو) ٢٠١٦
سؤال في اللغة:
بقلم فاروق مواسي

وحدَه، وحدها ...

سألتني طالبتي سابقًا المعلمة- جنّات حمّود:

هل يصح لنا أن نقول: لوحدي، لوحدها؟

الجواب: لا يا عزيزتي، فكلمة (وحد) هي مصدر، وهذا الاسم المصدر يدل على التوحد والانفراد، ويعرب حالاً منصوبة (أو في محل نصب مع ياء المتكلم)، يقال: شاهدتها وحدَها، وقفوا وحدَهم، وقد قلت مرة في قصيدة لي:
وحدي بهذا الكون لا خلٌّ وفي *** يُصفي إليّ الود لم يتكلّفِ

استُخدِم حرف الجر (على) في بعض المصادر القديمة قبل (وحد) = على وحْدِه،
أما اللام فهي من الخطأ الشائع، فليس في قول العرب الفصحاء (لوحده)!

تعرب كلمة (وحدَ) حالاً منصوبة، لأنها أُوّلِت بالنكرة.

أقول ذلك لأن الحال في الأصل ترد نكرة: جاء الطفل مبتسمًا، وسيجيء مصافحًا!

كلمة (وحد) تضاف إلى الضمير، ولذا أصبحت معرفة، وهي منصوبة أو في محل نصب (في قولنا: وحدي).

جاز أن يكون الحال معرفة إذا صحّ أن يُؤوّل بالنكرة= منفردًاـ أو متوحدًا.
ومثلها: فعل الرجل ذلك عَودَه على بَدئه= عائدًا،
افعل هذا جهدَك= جاهدًا،
اصطف الطلاب الأولَ فالأول- مرتبين،
جاءوا الجمّاءَ الغفير*= جميعًا.

الكلمات المعرّفة- عود، جهد، الأول، الجماء تعرب أحوالاً.

وردت (وحده) في الذكر الحكيم ست مرات مضافة إلى الضمير- الهاء، نحو:
"فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحدَه"- سورة غافر 84.
أما في الشعر فأذكر لكم:
ابن الرومي:
يرى أو يلاقي وحدَه فكأنما *** يرى أو يلاقي ألف ألف مصمم
أبا العتاهية:
وتصريف هذا الخلق لله وحدَه *** وكلٌّ إليه لا محالةَ راجع
المتنبي:
وإذا ما خلا الجبان بأرض *** طلب الطعن وحدَه والنزالا

لا تأتي (وحد) حالاً منصوبة إذا أضيفت إلى كلمة (نسيج) في المدح، كأن نقول: أنت نسيجُ وحدِك في اجتهادك، زرتُ نسيجَ وحدِه في الكرم، فكلمة (وحد) في كل منهما تعرب مضافًا إليه مجرورًا.

(نسيج وحده) يعني أنه لا ثاني للممدوح، فالنسيج هو الثوب لا يُسدَى على سَـداه لرقة غيره من الثياب، ومن هنا أتى المعنى.
ومثلها في المدح (2): هو قََريعُ وحدِه= لا ثاني له، والقريع هو الفحل أو الكريم أو السيد.

ملاحظة:

أعربت (وحدَ) حالاً منصوبة على طريق معظم البصريين، فمن بحث عن إعراب آخر لدى الكوفيين أو الأندلسيين أو غيرهم فسيجد أن هناك من يعربها- المفعول المطلق للفعل- المصدر المنصوب، أو المنصوب بنزع الخافض، أو الظرف في تسويغات ليست بالمستساغة لنا نحن الذين ألفنا الأيسر في طريقة البصريين. وفي هذه الاختلافات لم أجد أحدًا يرى صحة دخول اللام قبل (وحده).

جاءوا الجمّاء الغفير: الجماء هم الجماعة من (الجُموم) وهم الكثرة، والغَفير من (الغَفر) وهو الستر، أي جاءوا ساترين وجه الأرض بكثرتهم.

هناك تعبيران آخران في الذم، لا يكادان يستخدمان، وللمعرفة أسوقهما: عُيَـيْر وحدِه، وجُحَيْـش وحدِه وهما اللذان لا يشاوران أحدًا ولا يخالطان، وفيهما مع ذلك مهانة وضعف.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى